أسئلة أمام الدكتور همام سعيد

الكاتب بلال حسن التل

في الأخبار؛ أن الدكتور همام سعيد تحدث في لقاء تنظيمي موسع للإخوان المسلمين، حول عدد من bilal talالقضايا والمفاهيم، تستوجب الوقوف عندها ومناقشتها، وأولها قوله: «إنه لا يوجد أي قانون يمكن أن يحتوي الجماعة، ولا يمكن القبول بترخيصها كجمعية أو جماعة، لأنها أكبر من ذلك».

وهذا القول من الدكتور يتنافى مع تاريخ الجماعة منذ تأسيسها حتى يوم الناس هذا، ومن ذلك إن مؤسس الجماعة ومرشدها الأول الإمام الشهيد حسن البنا، رخص الجماعة كجمعية، وكان يوقع مخاطباته كرئيس لجمعية جماعة الاخوان المسلمين. وهو ما ثبته في مذكراته: «مذكرات الدعوة والداعية» التي يبدو أن الدكتور همام قطع صلته بها.. ومن ثم فقد نسي تعليمات ومبادئ ورسائل وارشادات مرشده الأول، الذي قبِل أن يخضع للقانون، وأن يحتكم إلى قواعده، فهل الدكتور أكبر من المؤسس وأوعى منه..؟ وهل القوانين المصرية أكثر عدلاً من القوانين الاردنية التي اعترف بها المؤسسون الأوائل لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن واحترموها وتقيدوا بها، ونالوا ترخيص الجماعة على أساسها..؟

ابتداء من الحاج المرحوم عبد اللطيف ابو قوره، مروراً بالمرحوم محمد عبدالرحمن خليفه الذي طلب تعديل ترخيص الجماعة في خمسينات القرن الماضي وفق القوانين الأردنية، حتى وصل الأمر الى الدكتور همام، الذي صار يرى أن الجماعة أكبر من القانون أو فوقه. وهو في ذلك ينقلب على تاريخ الجماعة في الأردن، التي كانت تفاخر بأنها جزء من الدولة الاردنية ومكوناتها، وأنها تحترم قوانينها التي رُخصت بموجبها، وخاضت الإنتخابات على أساسها وشاركت في سنّها من خلال مجلس النواب، وشاركت في الحكومه لتطبيقها. ويعمل أبناؤها في أجهزة الدولة التي تطبق القوانين التي صار الدكتور يعتقد أن الجماعة أكبر منها.

إن الدكتور همام سعيد في قوله: «إنه لا يوجد قانون يمكن أن يحتوي الجماعة» لا ينقلب فقط على تاريخ مرشد الجماعة الأول ومؤسسها الذي ظل حريصاً على أن تظل جماعته تعمل في اطار القوانين والأنظمة.. ولكنه ينقلب على تاريخ الجماعة في كل الأقطار، حيث ظلت تسعى إلى نيل الصفة القانونية، وإلا فماذا يقول في تسجيل الإخوان المسلمين في مصر «جمعية الاخوان المسلمين» قبل أزمتهم الأخيرة، وهو الإجراء الذي نصح به فضيلة المرشد العام إخوان الأردن ورفضه الدكتور همام وفق ما وصلنا. وماذا يقول الدكتور في نيل اخوانه في المغرب وتونس ولبنان والجزائر ترخيص دولهم، أم أن الدكتور لا يعترف بشرعية الدولة الأردنية.. ومن ثم يرى نفسه وجماعته أكبر منها.. بينما يسعى الإخوان في سائر الدول لإعتراف دولهم بهم، فهل اخوان الأردن حالة شاذة عن الإخوان المسلمين في سائر الدول..؟!

وفي سياق تبريره لرفض تسجيل الجماعة، يقول الدكتور همام: «إن ذلك يعني كشف كافة أسماء تنظيم الإخوان»، وهو تبرير يثير الكثير من الأسئلة، وأولها: هل الإخوان المسلمون في الأردن تنظيم سري حتى يخفي أسماء أعضائه..؟ وهل في صفوف الإخوان من يخجل من الإعلان عن انتمائه للجماعة حتى لا يعلن اسمه..؟ والأهم في ذلك: هل في نية ومخططات جماعة الإخوان المسلمين في الاردن القيام بأعمال غير مشروعة حتى يتم اخفاء أسماء أعضائها..؟ وقبل ذلك كله وبعده، من قال للدكتور همام: إن أسماء أعضاء التنظيم غير معروفة، خاصة للأجهزة الأمنية..؟ أم أن الدكتور نسي أعداد التاركين لصف الجماعة في مختلف المراحل، ومن مختلف الرتب التنظيمية..؟ وأكثر من ذلك هل نسي الدكتور قوائم المتهمين بالتعامل مع الأجهزة من أبناء الجماعة التاركين لصفها لأسباب كثيرة..؟ فاذا كان في صفوف الجماعة كل هؤلاء المتهمين بالتعامل مع الأجهزة، ومنهم أعضاء مكتب عام وأعضاء مجالس شورى.. أفلا يكون لدى هذه الأجهزة معرفة بكل أسماء اعضاء الجماعة.. مما ينسف تبرير الدكتور همام في رفضه لتسجيل الجماعة.

تبرير آخر ساقه الدكتور همام لرفض تسجيل الجماعة هو: تساؤله «اذا حصلت الجماعة على الترخيص، هل يُسمح لنا بدعم الجهاد في فلسطين»..؟! وهذا تساؤل يتنافى مع الواقع بصورة كاملة، فاذا كان الدكتور قد نسي تاريخ الجماعة، فإن غيره لم يَنسَه. ففي ظل ترخيص الجماعة وتسجيلها لدى الحكومة الاردنية، ذهب متطوعو الجماعة لقتال اليهود في فلسطين عام 1948. وفي ظل ترخيص الجماعة وتحت نظر الدولة وبصرها، أسست الجماعة قواعدها أثناء العمل الفدائي عقب هزيمة حزيران 1967، ولم يحاسَب أحد من أفراد هذه القواعد بعد ايلول 1970.

وفي ظل ترخيص الجماعة، نشأت حماس وسكن قادتها في عمان وبحماية الحكومة الاردنية، يوم كان ملف فلسطين من صلاحيات الإخوان المسلمين في الأردن. وفي ظل ترخيص الجماعة تمت كل الأنشطة لدعم الجهاد في فلسطين، والذي نأمل أن لا يدفع نكران الدكتور همام لحقائق هذا الدعم بعض الأخوة لكشف تفاصيل هذا الدعم الذي كان يتم بمعرفة الحكومات الأردنية المتعاقبة، حفاظاً على من قدموا هذا الدعم تحت سمع وبصر الدولة الاردنية..؟

اسئلة كثيرة يطرحها حديث الدكتور همام أمام الإخوان المسملين، وكلها معروفة الجواب لمن اراد أن ينصاع إلى الحق. ولا يحكّم هواه في موقفه من الأحداث. مما يدفعنا الى قول كلمة أخرى وليست أخيرة، خلاصتها: إن التجرد من هوى النفس هو أول طريق الخلاص، مما تعاني منه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وهو أول خطوة لرصف صفوفها وعودتها صفاً واحداً.. فهل يتجرد بعض قادة الإخوان المسلمين في الأردن من هواهم، فيحتكمون إلى الحق، وينزلون على حكم القانون..؟

****

(*) رئيس “المركز الأردني للدراسات والمعلومات” وناشر وصاحب جريدة “اللواء” الأردنية

اترك رد