تؤكد الوثائق التاريخية الصادرة حديثاً التزام الكرسي الرسولي مساعدة الشعب الأرمني في وقت لم يقف إلى جانبه أحد. واستمر هذا الالتزام مع تعاقب البابوات وصولا إلى فرنسيس الذي سيحتفل بالقداس، لمناسبة مئوية المجازر الأرمنية، في بازيليك القديس بطرس في 24 أبريل.
أكدت المجلة اليسوعية الإيطالية “الحضارة الكاثوليكية” La Civiltà Cattolica أن الوثائق المنشورة حديثاً تثبت أن الكرسي الرسولي ملتزم في مواجهة قضية الإبادة الجماعية للأرمن.
يُعتقَد أن هذه المذابح بدأت في 24 نيسان عام 1915 مع مذبحة الأرمن في اسطنبول. إلّا أن عمليات القتل بدأت قبل ذلك بالفعل، عندما كان جزء كبير من المنطقة يخضع للحكم العثماني. ففي 27 مارس 1896 وجه الأب الفرنسيسكاني دومينيكو ويرسون الذي كان يعمل كمبشّر في مدينة حلب، رسالة روى فيها مذبحة المسيحيين في ماراساك والمناطق المجاورة.
معظم الوثائق في السلسلة من أرشيف مجمع الكنائس الشرقية، نشرت في سلسلة من أربعة كتب أشرف عليها الكاهن اليسوعي الأب جورج هنري رويسن.
يعود تاريخ وثائق المسألة الأرمنية إلى نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. تتضمن رسائل من الباباوات والسلطان العثماني وبرقيات من أمناء الفاتيكان والولاة ووثائق وتقارير من المندوبين الرسوليين، والرسائل التي كتبها البطاركة والأساقفة الأرمن، بالإضافة إلى تقارير شهود عيان تصف بوضوح ما جرى.
اتجهت الجهود البابوية للوساطة لمساعدة الأرمن. فقد حاول البابا لاوون الثالث عشر التوسط منذ 1859. كذلك سعى الكرسي الرسولي لأن يكون وسيطاً مع جمال باشا قائد الجيش التركي في سوريا، من أجل حرية 60 أرمني حكم عليهم بالإعدام سنة 1917. وحاول الكاردينال بيترو غاسباري وزير خارجية الفاتيكان التوسط مع مصطفى كمال باشا عام 1921 لحماية المسيحيين في تركيا.
لم يعمل الكرسي الرسول في المجال الدبلوماسي فحسب، فقد سعى أيضاً لمساعدة اللاجئين الذين بقوا على قيد الحياة. وكتبت مجلة الحضارة الكاثوليكية أن الكرسي الرسولي “استمر بإرسال المساعدات المالية والمستلزمات، في وقت لم يكن فيه وجود للمنظمات الإنسانية الدولية، عدا الصليب الأحمر والشرق الأدنى للإغاثة”.
أولى الكرسي الرسولي عناية خاصة بالأيتام، وأسس دور الأيتام التي فتحت ذراعيها للناس من كل الديانات، واستضافت فتيات صغيرات أرمنيات يتيمات في دار الأيتام في القصر الرسولي في قصر غوندولفو قرب روما.
تحتوي هذه الوثائق الأسباب التي منعت الدول من اتخاذ موقف من الإبادة الجماعية وعدم دفاعها عن الشعب الأرمني، عندما بدأت البوادر الأولى للإبادة الجماعية بالظهور. وأكدت المجلة أنه في أواخر القرن التاسع عشر، مسألة مستقبل الأرمن “نُسِيت شيئاً فشيئاً” لأن “الدبلوماسية الأوروبية” عملت على “الحفاظ على وحدة الإمبراطورية العثمانية بأي ثمن”.
يلخص المطران أوغستو بونيتي القاصد الرسولي إلى قسطنطينية الوضع الدولي، بما يلي: فرنسا وروسيا تريدان الحفاظ على “سلامة تركيا”. فرنسا بدأت الاستثمارات الرأسمالية الكبرى في المنطقة، في حين أن روسيا أرادت أن تكون العلاقات مع تركيا راقدة ليكون بإمكانها التركيز على منطقة الشرق الأقصى.
ويرى المطران بونيتي أن لألمانيا مصلحة مادية في استمرار الحرب بين اليونانيين والأتراك، في حين كان لانكلترا “مصالح سياسية هامة في تركيا”.
لعل هذه الوثائق تلقي الضوء على الأسباب المؤدية لارتكاب هذه المجازر وسط اللامبالاة السياسية العامة.
(KhabarARMANI.com)