الأديب أحمد الصغير
كاد البرد أن يجمد أعضاءه لولا أنه احتسى قهوة ساخنة فشعر بقلبل من الدفء يدب في مفاصل جسده النحيف … جلس على سريره وضع منكبيه على فخذيه، شبّك اصابع يديه فاتحدتا، انحنى ظهره تدلّى رأسه فشعر بغثيان شديد، لم يرد التقيؤ فسارع بحمل جسده و تمدد على فراشه، فبنت العنب تلاعبت برأسه فاذا هو سكران لا يقدر على شيء.
الغرفة مظلمة، فقد تعوّد النوم في الظلام ،،، شرد ذهنه قليلا الا أن قبساً من نور أصفر يشع خافتاً في أحد أركان الغرفة قع شروده، تأمل … دقق البصر فإذا هي روحه اتحذت لها في ذلك الركن مكاناً عالياً… تحسس جسده في استغراب وريبة فاذا جسده بارد كالأموات … أعاد النظر اليها متساءلا: ايتها الروح الشقية المتمردة، ما الذي أخرجك من وعائك هذا وحملك إلى أقصى المكان.
مازال يتحسس جسده ، فادا الروح ترد في تهكم و استهزاء : أيها اللعين، ألم تنفق من عمرك سنوات طويلة تبحث لاهثاً عن حرية لهذا الجسد الوضيع، ألم تسعى خلال عمرك المهدور أن توفر له من الملذّات ما أمكن لك الحصول عليه، ألم تشقى شقاءً لينعم هو، ألم توفر له الدفء شتاء و التنزه صيفاً، ألم تكن تلهث لهثا وراء أجمل النساء ليصيب جسدك من متعة الجنس نصيباً…
فغر فاه و جحظت عيناه لما سمع ولكنها واصلت تقول : ألم أكن أنا وحدي حبيسة هذا الوعاء الوضيع، ألم تكن تجلدني حينما أرفض ما كنت تفرضه عليّ ،،، ألم تكن تعذبني و أنت تترنح سكرانا فيسقط جسدك تارة لينهض تارة أخرى…
أيها الشقي ألم يأتك نبأ أن جسدك هالك معدوم، فان لا محالة، و اني أنا الخالدة الباقية، ألم يصلك خبر أن الجسد مستودعه حفرة من تراب، و أن مستقري فضاء رحب فسيح … ألم تعلم ان جسدك ليس الا قذارة و عفن وأني أنا الطاهرة النقية العفيفة …
لتنم الآن أيها الإنسان الأحمق عسى أن تريح جسمك هذا مما صابه من تعب و شقاء.
لم يقوَ على الإجابة فاستدار وتمدد على جنبه الأيمن عسى أن يذهب عنه هذا الكابوس المقيت … أدركه النعاس فخلد للنوم، و من الغد استفاق فاذا هو … جسد بلا روح .