البروفسور الأب يوسف مونس
على أيقونة واحدة وضع اليونان صورتين، صورة على الوجه الأول تمثل إله اللذة أو EROS وصورة أخرى على الوجه الثاني تمثل إله الموت: أو ثاناتوس THANATOS .
الشهوة واحدة، الشبق واحد. إنها الحالة «البدنية» الواحدة، «الليبيدنية» الواحدة كما ورد عند FREUD. وهذه هي اليوم حالة العالم العربي بأكمله، سعي لاهث نحو الموت وسعي محموم نحو الجنس، أو الدعارة الحلال أو النكاح، يرميه الفقهاء وأصحاب الفتاوى الدينية في عالم المقدس والعالم الإلهي. إنها بالحقيقة ساعة الجنون والهسترة والإنفصام القاتل للذات وللمجتمع. تختلط فيها كل الأمراض النفسية من السيكوزوفرنية إلى حالة البرونيا PORONIA إلى الحالة العصابية أو «النفروتية» NEVROTIQUE.
أعتقد ان القراءات والتحاليل السياسية وحدها غير كافية بل هناك أمراض نفسية اجتماعية ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار للأحداث الجارية في محيطنا العربي «المتأفين» بالمقدس- المدنس الملوث المقدس الغلط والذي هو من أهم طقوسيات الانسان الذي هو بطبعه كائن طقوسي يجد لنفسه الأمان والاستقرار والسكينة الداخلية.
إنها عقد نفسية لا حدّ لها ولا قياس نابعة من الكبت الجنسي والحرمان. فشرّعت للموت والحرب والقتال بالجنس والإرهاب والحقد والكراهية وسفك الدماء البريئة للآخر المفترق دينياً وحضارياً وثقافياً وجنساً ولوناً وعرقاً، خارقة كل شرائع حقوق الانسان وقيم الاسلام الحقيقي الصافي الناهي عن اذاء الآخر والمساس برزقه وعياله ومعابده ورموزه الدينية والحضارية والفنية والجمالية والثقافية كما يردد صديقي المفكر- المنوّر محمد السّماك.
أيعقل ان تدنس مقابر الأموات وتحطم تماثيل الشعراء والأدباء والمفكرين والقديسين أولياء الله؟ الذين صنعوا مجداً لأمّتهم ولشعوبهم. مسكين أبو تمام فقد حطموا تمثاله مؤخراً ورموه إلى التراب «لأنه تراب وإلى التراب يعود».
بعد أن كانوا حطموا قبله العديد من تماثيل سواه ويعتقدون انهم أبطال الأرض والسماء. وهم بالحقيقة إلى فناء وزوال. ووحده العقل باقٍ، والروح حيّ دائم في التاريخ. وينسون انهم كالخيالات «الفزيعات» التي توضع في الكروم والحقول لطرد طيور السماء، وإخافة عصافير الأرض، المهاجرة من منطقة لأخرى.
هذه الأوجه المخيفة الكالحة بلحاها المرعبة وقمطات رؤوسها القذرة تشوّه صورة الله الذي خلقنا على شبهه ومثاله وجماله الفائق الوصف. وهو ينتظر عودتنا اليه بالمحبة وتنقية القلب والتوبة وقد اضرم نار حبه وحب الآخرين في قلوبنا…
من هنا اننا نعيش بالانحراف و«الالينة» كل مرة ننحرف إلى ثقافة الموت وليس إلى ثقافة الحياة. ويسوع تجسد وصلب ومات وقام لتكون لنا الحياة ونكون معه في الله، أي في المحبة، لأن الله محبة هو. ومن قال انه يحب الله الذي لا يراه وهو يبغض أخاه الذي يراه فهو كاذب. جماعات كاملة أخذها جنون البغض والكراهية حتى السكر بدم الأبرياء والرقص لتوابيت الموت بوله العشاق وشغف المغرومين في حالة من العته والهبل لا يهدئها إلاّ لذة شرب دماء الآخرين في هذا الشرق الذي يعيد الفعل الأول TRANSGRESSION في انتهاك الفعل الآدمي، الى اليوم «ما قامه الله» ونهى عنه.
يقترف الخطيئة وهي عنده مبررة بأمر إلهي فلا شعور بالذنب ولا بالتوبة ولا بالندم ولا بالمسؤولية عن دم هابيل البريء الذي يصرخ إلى السماء، ولا بالعين التي تطارده والتي تكلم عنها «فكتور هيغو» في قصيدته الرائعة عن «عين الله» وهو غير قدير على ان يختبىء منها… وأنتم يا جميع قتلة الأبرياء، والآخرين المختلفين عنكم، إلى أين ستهربون من غضب السماء، يا صارخين: عند ما سيقع عليكم سيف عدل الله؛ يا جبال اسقطي علينا ويا سهول غطنا، لن تقدروا أن تهربوا من أمام وجه الله السامع صراخ الأنقياء الأبرياء العائشين في محبة الله وخوفه… «أنقياء القلوب» المملوئين من رحمة الله. وأنا أصلّي ليهّب جميع الناس الطيبي القلوب ويقفوا بوجه عاصفة الموت والدمار. قبل أن يأتي علينا الطوفان وتضربنا السماء وتحرقنا النار كما أحرقت صادوم وعامورة. لكثرة خطايانا بقساوة قلوبنا «فارحم يا رب، ارحم شعبك، ولا تسخط علينا إلى الأبد».
******
(*) أمين سرّ اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام.