الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
تابعت باهتمام كبير ما تذكره دولة السيد مضر بدران، من بعض جوانب مشاركته في مسيرتنا الوطنية وبناء الدولة الاردنية الحديثة، التي كان فيها للرجل وعلى مدار نصف قرن اسهامات كبيرة وبصمات واضحة، فقد تولى وعلى مدار نصف قرن مناصب قيادية حسساسة، في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتربوية، كان خلالها في دائرة صنع القرار منفرداً او شريكاً، ولكنه في كل الاحوال لم يتنصل من مسؤولية اي قرار صدر، في مراحل مشاركته في المسؤولية، سواء كان هو من اتخذ القرار، أو شارك في اتخاذه، او مرره على مضض بحكم المشاركة في المسؤولية.
لم يتنصل الرجل من اي قرار من تلك القرارات إن تبين فيما بعد انه قرار خاطىء، وهذه صفة رجل الدولة الواثق بنفسه المخلص لوطنه ومليكه، وعندي، إن من اسباب عدم تنصله اي قرار، أنه ينتمي ذهنياً الى مدرسة طبقة رؤساء الوزراء، البناة للدولة الاردنية الحديثة، وهي المدرسة التي كانت تتعامل مع الموقع على انه تكليف لا تشريف.. لذلك لم تكن تسعى من خلال هذا التكليف الا الى ترسيخ البنيان الوطني، عبر شرعية الانجاز.
إن أي قارىء منصف لتاريخ الدولة الاردنية الحديثة، في الثلث الاخير من القرن العشرين، سيضع مضر بدران في طليعة رؤساء الوزراء، الذين ساهموا في تعظيم شرعية الانجاز للدولة الاردنية من خلال حجم الانجازات التنموية التي حققها الرجل، خاصة في المجال الاقتصادي والتربوي، ويكفي ان نستذكر مشروع «البوتاس»، ومشروع صوامع الحبوب، ومشروع المباني المدرسية، وغيرها من القائمة الطويلة للمشروعات التي كان الرجل يتابع أدق تفاصيلها شخصياً، من خلال موقعه رئيساً للوزراء، امتاز بالبعد عن «الثرثرة» وعن الحديث عن نفسه، وعن انجازات حكومته، تاركاً لأعماله ان تتحدث عن نفسها، متناسياً انه يعيش في مجتمع كثيراً ما تخطف الاضواء أبصاره، ويصم الضجيج آذانه عن الحقيقة، فيظلم اصحاب الانجاز من أمثال مضر بدران، بأن لا يضعهم في موقعهم الصحيح، في الضمير الشعبي.
لست في هذا المقال بصدد الحديث عن كل ما ورد على لسان دولة السيد مضر بدران في سلسلة «سياسي يتذكر» التي نشرها الزميل محمد خير الرواشدة، على صفحات جريدة الغد، فلهذا عودة اخرى تستحق أكثر من وقفة وأكثر من مقال نظًراً لغزارة المعلومات، ولغزارة الحقائق، ولدقة التفصيلات التي كشف عنها.
ولكني احببت في هذا المقال ان اتوقف عند الدعوة التي وجهها بدران في الحلقة الاخيرة مما تذكره الى رجال الدولة الاردنية كي يخرجوا ما عندهم بأي شكل للجمهور، والرأي العام، فننصف تاريخ الحسين وتاريخ الاردن.
ان هذه الدعوة من رجل في موقع ووزن مضر بدران وتاريخه، وميله الى الصمت، يعزز ما سبق وأن دعونا اليه، من ضرورة أن يكتب الاردنيون مذكراتهم، ليكتبوا تاريخهم بأنفسهم، بعد ان قرأنا اجزاء كبيرة من هذا التاريخ بأقلام وعيون غير الاردنيين، الذين تعمد بعضهم تشويه هذا التاريخ، اوانه رآه من زاوية غير الزاوية التي كان يعمل من خلالها الاردنيون، وهو بالضبط ما أشار اليه بدران عندما قال في الحلقة الاخيرة التي اشرنا اليها: «ولو اردت حقاً ان أفند بعض المزاعم، لاخرجت اوراقاً كثيرة تغير بعض الحقائق عند بعض من حاول ان يغير التاريخ».. وعندي إن الواجب يقتضي من بدران ان يفعل ذلك.. واظنه سيفعله في كتابة الموعد الذي أعلن انه سيستكمله ليوثق فيه صفحات مهمة من تاريخ الاردن، وتاريخ الحسين رحمه الله، والرجل في ذلك يسهم في معالجة أخطاء وقع فيها جل الاردنيين، واعترف هو بها، عندما قال:
«قد نكون اخطأنا في أننا لم نكن نسجل كل شيء، فإن كان بناء الاردن مهماً ومشاركتنا في العمل الوطني مهمة، فإن من المهم ايضا ان نروي عن وطننا، ننصفه اذا ما ظلمه الناس بل إنه ذهب الى ما هو أبعد من ذلك، عندما بين اهمية أن يكتب الاردنيون روايتهم لتاريخهم، عندما قال: «ولعلي أدعو في هذا المقام إلى أن لا نستعجل كتابة التاريخ، لكن علينا أن لا نؤجل كتابته، ونحضر بعض الجدل، الذي يرافق نشره، فنجيب على ما نعرفه، ونحتفظ صمتاًعلى ما لا يفسر منه، أما ان نتحدث بما لا نعرف فهذا تزوير خطير».
هذه هي خلاصة دعوة بدران لرجالات الدولة الاردنية.. فهل يلبّون هذه الدعوة من رجل بدأ بنفسه فنفذ ما يدعوهم اليه، بالرغم مما عرف عنه من ميل للصمت، وابتعاد عن الأضواء، وسرعة في تلبية نداء الوطن، الذي آن الاوان أن يكتب تاريخه باقلام رجالاته؟
*****
(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وناشر وصاحب جريدة “اللواء” الأردنية.