الأديب إيلي مارون خليل
إنطلاقًا من التّشاؤم والتّفاؤل، أين تجد نفسَك؟ أين “يجب” أن تجدَ نفسَك؟ نفسكَ المفكّرة، المُحِبّة، العاقلة، العاملة، المسؤولة، النّاضجة؟…
لا مجال لإجابة “عقليّة”، منطقيّة، واقعيّة، حِياديّة، عند الغالبيّة، فالتَّعميمُ منبوذٌ، وكذلك المُعَمِّمُ.
أنا، كمتشائم، أحسبُ أنّي إنسانٌ عقلانيّ، منطقيّ، واقعيّ، حياديّ، إذًا، فأنا أرى الأمورَ كما هي، تمامًا، بتفاصيلِها وتَفَرُّعاتِها المتنوِّعة. لا أحسبُ، في هذه الحالة، أنّ السَّوادَ إنّما هو يَنبُع منّي. لا أحسبُ أنّ الأشياءَ تتراءى لي كما أريدُها أن تكون. وأحسبُ أنّيَ العاقلُ “الفاهِمُ”، وأنّ الحياةَ هي هذه، من دون أملٍ، فكيف بالرّجاء!؟ وأبدأ أتحضّر للموت، وطالما أنّه محتّم، لمَ الطّموحُ والتّعبُ!؟
أمّا أنا، كمتفائل، فأعرف أنّ في االحياة تَحَوُّلاتٍ وحالاتٍ كثيرة ومتنوِّعة ومتلوِّنة ومتقلِّبة. فالحال أحوال، والّلونُ ألوان، والفرحة أفراح، والمتعةُ مُتَعٌ… كما أعتقدُ، كمتشائم، أنّ العقبةَ عقباتٌ ثابتة، والسّيّئةَ سيّئات مستمرّة، والمصيبةَ مصائب دائمة، والمرضَ أمراضٌ أبديّة… لكنّي، أنا المتفائل، أعملُ على تضييق أبواب السّلبيّات، وفتْح أبواب الإيجابيّات، فأنسى الأُوَلَ، وأحيا ما هو إيجابيٌّ. وتاليًا، وشيئًا فشيئًا، تنتفي السّلبيّات، وتتكرّس الإيجابيّات. أوَليس النّور أفضل من الظّلمةِ، والحرّيّةُ أفضل من القيود!؟
إحلم، يا رجل! إحلم بأنّ الخيرَ قائمٌ، فيقوم؛ وبأنّ الجمالَ مخيِّمٌ، فيُخَيِّم؛ وبأنّ الحقَّ حاصلٌ، فيحصُل! واحلم، يا رجل! بأنّ الحَنانَ موجودٌ، ينوجد الحَنان؛ وبأنّ الحُبَّ حيٌّ في القلوب، يتمّ ذلك؛ وبأنّ الرّجاء آتٍ، يأتي الرّجاء!
إنّ ما تحلمُ به، بِجدّيّةٍ حقّة، يتحقّق لك. ألسّببُ!؟ لأنّه فيك، أنت! يُقيم فيك وأنت لا تدري. يجاورك ولا تنتبه له. ينبثقُ منك، ولا تشعر به. ألخيرُ!؟ فيك وحواليك! إعمل على عيشه! والسّلامُ فيك، اكتشفْه،
وبشِّرْ به، وانشُرْه! والحُبُّ في قلبك، أحْيِه! أنت تعيش وتحيا الخير السّلامَ الحُبَّ!؟ إنّك لَمِثاليٌّ يُحَبُّ، بل أكثر: يجبُ تأمّلُه: حياةً وتَصَرُّفًا، فالتَّمَثُّلُ به، ليتمّ عملُ الصّلاح… فلنمشِ، جميعًا معًا، دربَ الحقِّ الخيرِ الجَمالِ، ما يؤدّي بنا إلى جنّة التَّفاؤل!
أيّهذا المُتَشائمُ! لا تحسدِ المتفائلَ! تريد تنجح مثله!؟ هذا حقُّ لك، لا يحرمُك منه حارِمٌ! إحلم، واعمل مثلَه! أيُّها المتفائلُ! لا تحتقرْ متشائمًا! لا ترذلْه! بل انصحْه، رمزيًّا، لا بالكلام، إنّما بتبيان السّلامِ النّفسيّ، والطّمأنينة السّاكنة، وهدوء الفكر، ينتفعْ، وبك يتمثّل، فتقلّ ظلمةُ الحياةِ عند المتشائمين السّوداويّين المُتَطَيّرين… وتعذَوذِبُ الحياة، ويحلَولي العمر! فأنت لا تنسى أنّ الفرحَ مُتعةٌ تنتقلُ من كائنٍ إلى كائن!
وحدك، ياهذا، لا درب إلى الفرح! دربُ الفرحِ، دربُ الجماعة. ألمتشائم لا ينفذ تفاؤلٌ إلى قلبه، ولا إلى روحه أو فكرِه! فكّر بالفرح، يهلّ عليك!
ألتَّفاؤلُ!؟ تَعاونٌ على الحياة الجميلة البسيطة النّاجحة، يُقصيك عن التّفكُّر في الموت، فيُقصي، كلّيًّا، وعفويًّا، أيَّ تشاؤم! وتشعُّ الأرضُ حُبًّا وخيرًا وجمالًا!
إحلم، يا رجل! إحلم! إنّه الخلاص!
(ألثّلاثاء 30 سبتمبر 2014)