“لتمت دسدمونة”، كتبها ريمون جبارة في العام 1970، وقدِّمت على خشبة “مسرح بعلبك” في القنطاري، في العام نفسه، وأدى الأدوار فيها الفنانون الآتية أسماؤهم: مادونا غازي في دور المرأة، منير معاصري في دور “الرجل”، جوزف خويري في دور الرجل 1، حسني موسى في دور الرجل 2، جوزف حداد في دور الرجل 3، نزيه قطان في دور الرجل 4، منير غاوي في دور الرجل 5، وصلاح مخللاتي في دور الرجل 6. في ما يأتي القسم الأول منها.
ديكور وحيد يتكيف بحسب متطلبات الحركة ويتألف من عناصر ديكورات قديمة لمسرحيات قديمة ليوحي أن الحوادث تجري في الكوليس مع لباس مسرحي يستعمله الممثلون خلال المسرحية وأمام الجمهور.
بعد الجرس الثالث، وبينما الجمهور يجلس في مقاعده والصالة لا تزال مضاءة، تعلو في مكبّرات الصوت العبارة الآتية:
صوت رجل: كنت صغيراً، وكانت الأرض واسعة وسع البحار من سريري وحتى لعبتي الصغيرة، كانت حدود الدنيا طرف بساط صغير ملوّن وكان عندي أن تفرش لي عالم الألوان والسعادة توسّع لي الآفاق ضمن أربعة أمتار مربعة. وكان المكان واسعاً لشقيقي الصغير ولأطفال حيّنا ولكل اللعب المتناثرة. وكانت الدنيا قدّ الدنيا وأكبر…
صوت امرأة: وكبرت، فأحسست أنك ممتد على الأوقيانوس والقارات، وأن أطرافك تدلّت فوق أطراف العالم، وأن العالم صار لك زنزانة ضاقت على جسدك، وبحثت عن مكان لتتنفس، عن خيوط من الألوان، عن طيف أمّك الأسمر…
(فجأة تطفأ أنوار الصالة. يتعالى في مكبّرات الصوت مقطع من غناء كورس خلال العتمة يفتح الستار، وفجأة تتوقف الموسيقى عند بلوغها الذروة. ومع توقفها تضاء مقدمة المسرح والطبل. ما نشاهده على المسرح هو التالي: الرجل 1 يقرع الطبل، الممثلون الرجال – ما عدا الرجل الذي لم يدخل اللعبة بعد – جالسون في مقدمة المسرح وهم يحدقون في الجمهور بإصرار، المرأة تقف على المنصة المستديرة وكأنها ممثلة تستعد للقيام بدور في تجربة مسرحية. قرع الطبل يتوالى، يمرّ وقت طويل حتى المبالغة، بعده يبدأ الممثلون بالتململ. يوحى لجمهور الصالة أن المسرحية تعثّرت).
الرجل1: (بعد حصول التململ يرمي المطرقة من يده متوقفاً عن القرع) شو قصتو تأخر (ينظر الى ناحية المخرج) وقّف الموسيقى (ينظرون اليه بصمت) إذا بدكن برجع بدقّ. بس مش أصول يتأخر!
الرجل 3: طيّب شو منعمل؟
الرجل 6: الجمهور هون! (وحده الرجل 6 يبقى مكانه في مقدمة المسرح).
الرجل 1: اعتذرو منن (الى الرجل 5) إنت بتحكي منيح ولبق… اعتذر منن. قلّن…
الرجل 5: (مقاطعاً) أنا مش المسؤول!
الرجل 2: اندهو المخرج.
الرجل 6: يمكن المخرج مش هون! عمل يللي بدّو يعملو وراح… دايمن بيعملو عملتن وبيروحو… وبالنهاية بتصبح انت المسؤول… وحدك المسؤول.
الرجل 3: (ناظراً الى مكان المخرج وصارخاً) ضوّو الضو.
المجموعة: (اللعبة نفسها) الضو.
(تضاء الصالة من جديد. الممثلون يتوزعون على المسرح. انهم بحالة انتظار، احياناً ينظرون الى باب الصالة).
الرجل 1: (وقد لمح “الرجل” يدخل من باب الصالة، يقول بفرح) يحّو أجا!
(على المسرح الممثلون يتجمعون في مقدمة المسرح ويحدّقون في مكان ما في الصالة حيث يدخل “الرجل”، المرأة التي حين التململ جلست على الكرسي القديم تعمل بالربابة، تقف الآن لتتفرج بحشرية على “الرجل” الداخل الصالة بحياء. في الصالة “الرجل” يدخل على مهل، انه حزين، تعب، وفي يده حقيبة).
الرجل: (وقد وصل الى قرب مقدمة المسرح يتوقف، وينظر الى الأرض) ما تآخذوني، تأخرت!
– صمت –
الرجل 4: وين كنت؟
الرجل: (اللعبة نفسها) ما كنت بدّي إجي… كنت عم بفتّش ع فرقة غيركن (صمت) بتعرفو، صرت كبير بالعمر ولحدّ هلّق ما عامل شي (صمت) مش عم بتساعدوني بشي.
الرجل 2: ليش ما قلتلّنا من الأول؟ ما كان لازم تلبّكنا بالمسرحية… كان لازم يكون عندك الجرأة تحكي…
– صمت قصير –
الرجل: بعتذر!
الرجل 5: (بعد أن نظر الى الحقيبة التي يحملها “الرجل”) شو هاد اللي معك؟
الرجل: ثيابي.
الرجل 3: قلنالك بالفرقة عنّا تياب، لشو تجيب تيابك؟
الرجل: هودي تياب الدور يللي حابب إلعبو… اذا هالشي ما بيضايقكن… أول ما بلّشت مثّل، أمّي خيّطتلي هنّي…
الرجل 3: (بقوة) وإمّك نقّتلك الدور؟
– صمت –
الرجل 4: بتعرف إنّو فكّرنا نعطي الدور لغيرك؟ (يشير الى الرجل 3) هوّي بحبّ يلعب الدور كتير.
– صمت قصير –
الرجل 3: ليش تأخّرت؟
الرجل: قلتلكن كنت عم بفتّش ع فرقة… يمكن كانوا دفعولي مصاري… عطيوني دور كبير… يمكن… (لا يكمل العبارة)
الرجل 3: شرّف طلاع ع المسرح.
– صمت –
الرجل: بدّي قلكن شي بس ما تاخدوش سلاح ضدي… الحقيقة صار لي اشتغل مع غيركن… ولو بدّي اشتغلت… بس ما بعرف… حاسس بشي… (لا يكمل العبارة)
الرجل 6: شي متل شو؟
الرجل: (بعد تردد) شي… شي بيشدّني ت كون معكن… شي اقوى منّي… ما بعرف.
(لحظة صمت. الممثلون ينظرون بعضهم إلى بعض ثم الى “الرجل”)
الرجل 3: (للرجل) طيّب طلاع. (يمد يده فيصعد الرجل الى المسرح ثم يصرخ في الاتجاه حيث هو المخرج) عن جديد… طفّي الضو.
ملاحظة: خلال المشهد السابق نشاهد المرأة جالسة على الكرسي القديم تحاول صنع ربابة، وكذلك سوف نشاهدها في كل المشاهد حيث تبدو وكأن لا عمل لها في المسرحية. تنتهي من صنع الربابة في آخر المسرحية فتعزف عليها حين يقتل “الرجل”.
(تطفأ الأنوار من جديد وفي العتمة تعود أصوات الكورس وعند الذروة تتوقف، ومع توقفها تضاء مقدمة المسرح. كل الرجال في مقدمة المسرح يحدقون كما في المشهد السابق في الجمهور بإصرار حتى الايذاء. الرجل والمرأة غير مرئيين حتى الآن. إنهما على منصة في وسط المسرح. وفي الظلمة، ومع عودة الضوء نسمع الحوار الآتي:
صوت الرجل: أشعر بالقلق والاضطراب وأنا أصغي اليك. قلت إن لايوس قتل عند مفترق طرق ثلاث…
صوت المرأة: هكذا خبّرونا!
صوت الرجل: ومتى قُتل؟
(الضوء يظهر “الرجل” والمرأة شيئاً فشيئاً. المرأة تبدو كأنها تؤدي دورها بلا شعور، بينما الرجل يعيش بصدق شخصية أوديب. الرجل لفّ على كتفيه وشاحاً افريقياً ولبس تاجاً).
المرأة: قبل أن تجلس على العرش بقليل!
الرجل: آه زوس! أوقعتني! أخبريني عن هيئة لايوس وشكله، كم كان عمره؟
المرأة: كان طويلاً، بدأ شعره يشيب… كان يشبهك.
الرجل: يا لشقائي. مَن كان معه؟
المرأة: خمسة رجال. وكان معه عربة واحدة.
(“الرجل” والمرأة يظهران الآن بوضوح. المجموعة في مكانها تتجه بأنظارها صوب “الرجل” والمرأة لتتمكن من متابعة المشهد، أفراد المجموعة ينظرون الى المشهد كالمتفرجين العاديين. على المنصة، الرجل يحدق في المرأة بشرود، بينما المرأة خلال المونولوغ تنظر أحياناً كثيرة الى جمهور الصالة وكأن المشهد لا يعنيها).
الرجل: “وأين أجد في شقائي مخبأ لأسراري خيراً منك؟ أبي هو بوليبوس ملك كورنثيا وأمي هي ميروبا دورية الأصل. في إحدى الحفلات، وقع حادث سيطر عليّ. اتهمني أحد الحاضرين وكان سكران بأنني مجهول الأبوين. فحرقتني هذه الإهانة، وذهبت الى دلف من دون أن يعلم أبواي، لكن أبولون لم يرد على سؤالي، وأنبأني بأنني سألاقي كل انواع الرعب والعذاب، وبأنه كتب عليَّ أن اتزوج أمّي وأقتل أبي. صدّقت ذلك، وتركت كورنثيا أبحث عن بلاد لا يمكن لهذه النبوءات البغيضة أن تتحقق فيها. وفي الطريق رأيت عربة فيها رجل يشبه الرجل الذي وصفته قرب مفترق الطرق الثلاث، أراد الحوذي والرجل نفسه أن ينحّياني بعنف عن الطريق، ورفع الرجل عصاه، وضربني مرتين على رأسي، فرددت بضربة من عصاي على رأسه، قتلته، ثم قتلت مرافقيه كلهم. (يرجع رأسه صوب الأرض. المجموعة تعود الى وضعها الأول. وجهها نحو الجمهور. المرأة تنزل بهدوء درجات المنصة. تعود الى زاوية المسرح، ومن جديد تعاود العمل في صنع الربابة. خلال بقية المونولوغ تبدأ المجموعة بتمتمة كلام غير مفهوم، بعض الكلام هو مقاطع من المونولوغ نفسه، وتقوى التمتمة شيئاً فشيئاً حتى بعد انتهاء المونولوغ) فإن كان لايوس هو هذا المسافر، فأي الناس يكون ملعوناً من السماء أو شقياً أكثر مني؟ أبائس أنا؟ أدنس الى هذا الحد؟ يجب عليّ أن أهرب، ألاّ أرى اهلي بعد اليوم أو تطأ قدماي أرض الوطن”.
(وحدها تبقى التمتمات. تمرّ لحظات. ينظر “الرجل” حوله فيشاهد نفسه وحيداً. حالة رعب تنتابه).
الرجل: مش أصول تتركوني وحدي! (تتوقف التمتمات. بعض أفراد المجموعة ينظرون بقسوة الى “الرجل”. المرأة وهي تعمل في الربابة تردد العبارة الآتية وكأنها ممثلة تحاول حفظ الدور غيباً “كنت أعرف أنه سيأتي… الخ…) أحسن مطرح بالمسرحية تركتوني وحدي (ناظراً الى المرأة) إنتي كمان تركتيني! (للمجموعة) اذا مش عاجبكم جيبو غيري يمثّل الدور (صمت قصير ثم يغيّر لهجته) لو ساعدتوني كنت نجحت. كنت عم بمثّل وعيونكم بعيدي عني… وقلوبكم…
(لا يكمل العبارة اذ يرى المجموعة باستثناء المرأة قد توجهت الى مكان الثياب على المسرح وبدأ أفرادها بارتداء ثياب التمثيل لشخصيات مسرحية قديمة. الرجل 1 أول مَن يترك مقدمة المسرح. إنه منذ لحظات يقرع الطبل. المرأة لا تزال تراجع المقطع. الرجل يخلع الرداء الافريقي ويرميه قربه. ثم يحمل حقيبته التي كانت قربه منذ بداية المشهد. الرجل 3 يتقدم من “الرجل” بعد أن تناول خوذة عسكرية قديمة فيلبسه الخوذة. ويبقيه على المستديرة واقفاً وبيده الحقيبة. صوت المرأة يغيب تدريجياً).
الرجل 3: (وهو يغادر المستديرة) “في البدء خلق الله السموات والارض، وقال الله ليكن نور فكان نور ورأى أنه حسن، وفصل الله بين النور والظلام وكان مساء وكان صباح يوم واحد (خلال هذا المقطع وكلما انتهى واحد من المجموعة من لبس ثيابه التحق برفاقه في وسط المسرح. يبدأون بالدوران بإيقاع موحد حول “الرجل” مشكّلين حلقة تمثّل الحركة الدائمة، بينما الرجل 3 منذ أول المقطع يتحول من الإلقاء البسيط الى الإلقاء المختنق. يعيد المقطع ثانية): “في البدء خلق الله السموات والارض، وقال الله ليكن نور فكان نور ورأى انه حسن، وفصل الله بين النور والظلام وكان مساء وكان صباح يوم واحد”.
الرجل 5: (منفصلاً عن المجموعة، ولجهة الجمهور وبصوت منادٍ) ثم كان يوم ثان وثالث ورابع وخامس وسادس وسابع…
الرجل 4: (منفصلاً عن المجموعة صاعداً السلّم وصارخاً كالغناء الحزين) وكانت ليال… ليال ليال (الصراخ الأخير يصبح كالنداء والصدى. الكل يركض نحو مقدمة المسرح كمن يبحث بلهفة عن صدى الكلمات في انحاء الصالة).
الرجل 1: (صارخاً في اتجاه غرفة المخرج) دخلك يا حضرة البيك! شو منعمل بالرزقات؟ شو منعمل بالزرعات؟
الرجل 6: (اللعبة نفسها) شو منعمل بالعنزات بالاولاد؟
(الكل يضعون أيديهم على اذانهم، يخفضون رؤوسهم يصرخون صرخة يأس)
الرجل 2: (اللعبة نفسها) شو منعمل بالعصافير؟ بالماضي كان في عصافير كتير… كانوا يغنّوا ع بكره وكانوا يغنّوا عشيّه. اليوم ما عدش في عصافير، الدوا روّح كل شيء يا حضرة البيك!
(صرخة اليأس نفسها من الجميع)
الرجل 6: أيمتى الأشيا رح تتغيّر؟ ترجع متل ايام زمان؟ ترجع الغلال والغناني والمحبة؟ ترجع الفصول كلها؟
الرجل 4: أيمتى الرعية، يا حضرة البيك، رح تبطّل تستهلك طحين وماي وضحايا؟
الرجل 1: (لعبته السابقة نفسها) ضحايا… ضحايا… ضحايا…
(المجموعة بعد ان تقدمت الى اسفل السلّم لتتفرج على الرجل)
(تعود نحو مقدمة المسرح مع نهاية صراخه تبحث عن الشيء الضائع)
الرجل 3 (محدقاً في الجوقة بقسوة) وقال الله “لنصنع الانسان على صورتنا كمثالنا، وليتسلط على سمك البحر وطير السماء والبهائم، وجميع الأرض وكل الدبابات الدابة على الارض”.
الرجل 5: دخيلك يا حضرة البيك! اذا انت ضدنا ليش نحنا معك؟ واذا انت معنا ليش منكنش ضدّن؟
(لحظة صمت كمن ينتظر جوابا)
الرجل 1: دخلك؟ وعدتو بس يصحّ جرحو، رجّعو ع المدرسة، أعملو حكيم! ع فوقا يا حضرة البيك. شو عاد صار بيلّي راحوا وما رجعوا؟ وعدتو جبلو حليب وتياب وسكّر ولوز، وبس يكبر أعملو حكيم.
الرجل 2: دخلك عندو باسبور؟ راح سافر انا والمرا والاولاد.
الرجل 3: (لعبته نفسها) وبكره، بلكي بعت الفصول؟
الرجل 2: بعتولي واحد بمكتوب. أنا بالغربة هونيك. العنوان: جبل متل اللي كان بدّو يصير (فجأة تعلو في مكبّرات الصوت صفارات باخرة مسافرة).
المجموعة: (بما فيها الرجلان 2 و3 تودع شخصاً وهمياً مسافراً وهي تنظر في المكان نفسه وتحرك أيديها بالإيقاع نفسه) “مع السلامة… مع السلامة… مع السلامة…” (يغيب الصوت ويتوقف السلام تدريجياً).
الرجل: (من حيث بقي) يا أهل مدينتي العظيمة، لأنكم بالعذاب تولدون وتموتون (تململ يحدث في الجوقة، الرجل 3 أول المتململين) ولأني لا أعرف من أين تأتون ولا الى أين تذهبون (الجوقة لم يرق لها كلام الرجل. تتحرك في اتجاهات حرة على المسرح، بعض افرادها يشلح ثيابه ويعيدها الى مكانها) فالذي اختاركم اختاركم… (الرجل يتوقف عن الكلام. منذ بدء كلامه وهو يلاحق تحركاتهم بنظراته. الرجل 3 الى المنصة يرفع الخوذة عن رأس الرجل بقوة. في هذه الأثناء يكون الرجل 4 قد تناول غيتاراً وجلس على الأرض مع الآخرين وأخذ يعزف لحناً متقطعاً. ضجر وصمت. صوت القيثارة فقط. الرجل 3 يضجر. يعيد الخوذة الى مكانها. يجلس. صمت. الرجل 1 الذي اتكأ على حائط الزاوية الأمامية من المسرح يأخذ سيكارته يولّعها ثم يبدأ بترنيم لحن متقطع هو مزيج من الحزن والضجر. لحظات فراغ طويلة لا يسمع خلالها سوى صوت القيثارة المتقطع وترنيم الرجل 1. الرجل يحمل حقيبته، ينزل، فيجلس على العرش القديم وقربه حقيبته).
الرجل 3: (في إحدى لحظات الصمت) راح يخلّص الوقت ومش رح نلاقي موضوع المسرحية.
(عودة الى مناخ الضجر. الرجل 5 يقترب ببطء من المرأة. لا أحد ينظر اليه. يصل الى قربها، يتناول الربابة منها، يعزف عليها لحناً خطأ ويغنّي. الجميع ينظرون اليه بشماتة. يشعر بنظراتهم. يتوقف. يتلبّك. ويعود بحياء الى مكانه بعد أن يرجع الربابة الى المرأة. عودة الى مناخ الضجر. يمر وقت. الرجل 5 يشاهد قربه جريدة قديمة يلتقطها، يتصفحها وبعد أن يجد فيها شيئاً مهماً).
الرجل 5: (للرفاق وبحماسة يشير الى الجريدة) لقيت الموضوع! (ينظرون اليه بعدم اكتراث) اذا مش طالع ع بالكن نمثّل قوموا فلّوا… قوموا نفلّ أحسن!
الرجل 6: (بضجر) فل وحدك… نحنا بدنا نضلّنا هون. أنا قلتلّو يمرق عليّي ياخدني من هون.
الرجل 3: (مشيراً الى الرجل) وبعدين وعدناه نعطيه دور منيح… ثم عم مندفعلو إجرتو.
الرجل: في عندي دور حابب إلعبو…
الرجل 3: سكوت. نحنا يللي منقرّر.
المرأة: (بشيء من عدم الاكتراث) ليش ع طول إنتو ضدّو؟ حرام عليكن. تركوه. يمكن يكون عندو مرا واولاد ومعاملات بالحكومة…
الرجل 4: إنتي اسكتي. منعرف بتحبّيه.
الرجل 6: لأنّو مش متلنا، بتحبّيه…
المرأة: غلطانين! أنا منكن وفيكن ومتلكن. ومن أول ما عملتوا الفرقة، وأنا معكن. بس عم قول: حرام عليكن. تركوه يمكن يكون عندو…
(في هذه الأثناء يكون الرجل 4 قد ألبس المرأة تاجاً، بينما الرجل 3 قد لبس رداء قائد إغريقي)
الرجل 3: (مقاطعاً) عم بتكذبي إنتي كمان… وعم منراقبك من مدة. اعرفي إنّا عم منراقبك. ومبارح لمّن رجع جوزك من الحرب منتصر…
(“الرجل” في الأثناء يلبس رداء ملك إغريقي)
المرأة: أول الشي مش هو المنتصر.
الرجل 3: (مكملاً) ركضتي تلاقيه ع أبواب المدينة، تغمريه وتكلّليه بإكليل الغار.
المرأة: أول الشي مش هو المنتصر.
الرجل 3: (اللعبة نفسها) وبعدين لمّن رحتوا ع القصر، وبينما الشعب عم يهتف للملك العظيم العظيم، كنتي إنتي مع الشخص الثاني عم تضربوه بالخناجر. مات قبل ما اوراق الغار ماتت ع راسو (المرأة تنظر الى الرجل مأخوذة) بعد الحرب كان واعدنا بالسلاح وبإلغاء الضرايب… كان واعدنا بالعدل (المرأة بحالة أخوذ تبدأ بالتقدم نحو الرجل) كل شي راح بضربة خنجر… إنتي والشخص الثاني.
المرأة: (اللعبة نفسها وقد أصبحت قريبة من “الرجل”) أول الشي مش هو المنتصر. وقت المعركة كنت بعيد. كنت ع التلة وكان في حرّاس كتير (“الرجل” صار أغاممنون).
الرجل: إنتي بتعرفي إنّو لازم كون بعيد.
المرأة: ومطرح ما كنت ما كان في لا نار ولا غبار. كان المطرح متل هون… مطرح أمان نضيف…
الرجل: (مقاطعاً) كلتمسنتر؟
المرأة: (تقاطعه) ويللي ما كانوا مطرح ما كنت، نص رجع بس، النص الباقي بعدو ع التراب. (تشير الى جمهور الصالة) طل شوف: يللي رجعوا هون، والشعب يللي ما حارب هون… طل وعدن بالحياة، بالسعادة.
الرجل: كلتمسنتر؟ لو حصاني بيحكي كان خبّر أشيا كتيره.
المرأة: حصانك كان مطرح ما إنت كنت… (مشيرة الى جمهور الصالة) نص أحصنتهن ماتت كمان!
الرجل 4: (وقد انسلخ عن المجموعة) إيه زوس ملكنا! أيها الليل الصديق الحامل الينا النصر. لقد ألقيت الشباك على أسوار طروادة لتجعل من أهلها، من رجالها ونسائها، عبيداً.
الرجل 1: لنحيي المنتصر.
المرأة: (بغير لهجة) أول الشي مش هوي المنتصر (الى الرجل) أغاممنون، انت الوحيد يللي بتعرف إنّك مش المنتصر.
الرجل: كلتمسنتر؟
الرجل 2: كلتمسنتر؟ الحقد هو الذي يتكلم فيك! الشعب يعرف انك لم تغفري له… كانت افيجيني…
المرأة: (تقاطعه) أفيجيني كانت ابنتي…
الرجل: وابنتي أيضاً.
المرأة: ولكنك قتلتها!
(خلال هذا المشهد بين “الرجل” والمرأة… أفراد المجموعة يتخذون لهم مواقع على المسرح كي يتمكنوا من مشاهدة المشهد 10. إنهم يتفرجون أحيانا بلذة، وأحياناً بقسوة واتهام).
الرجل: كانت رغبة الآلهة. كلتمسنتر! كان عليَّ أن أستجدي الريح لقلاعي حتى احاصر طروادة.
الرجل 1: المهم اننا ربحنا الحرب.
المرأة: وخسرت ابنتي.
الرجل: إسمعي اصوات الشعب. كلتمسنتر… وهتاف الجنود المنتصرين!
المرأة: (بلوم) رجع يضيّع النص. (باللهجة الاولى) إنت بتعرف إنّو المنتصر بقي هونيك… مطرح ما النار والحديد والغبار.
الرجل 3: (منفرداً بالمرأة) اتركيه يكمل دوره. راسو عنيد… لو قبلتوا، كنت أنا خدت الدور واستغنينا عنّو، وما دخّلناه بالفرقة.
الرجل: لنحيي آرغوس وآلهة البلاد… لنحيي مَن قادنا الى النصر… الآن يعلو الدخان والرماد يموت في المكان الذي ماتت فيه طروادة.
الرجل 6: (بابتهال) لنغنِّ الترانيم الحزينة.
الرجل 4: (اللعبة نفسها) لنغنِّ الترانيم الحزينة.
الرجل 1: (اللعبة نفسها) لنغنِّ الترانيم الحزينة.
الرجل 2: شرط أن تكون النهاية سعيدة!
الرجل 5: (متقدماً نحو جمهور الصالة يروي) ابت الريح أن تحملنا الى النصر، كانت أساطيلنا تنازع في البحر بلا أمل، وكان علينا أن نهدم أسوار طروادة، وننتصر.
الرجل 1: ننتصر أو نموت. وفجأةً لاحت في السماء علامة.
الرجل 6: تقول علامة.
الرجل 1: تقول علامة. على الملك العظيم أن يقدّم ضحية للآلهة.
الرجل: (بابتهال حتى الصراخ) يا لظلم مصيري أنا رفضت الآلهة! أيتها الآلهة في الفضاء الفسيح البارد كقلوبكم الباردة… ها أنا الملك أناديكم… أغاممنون الزاحف على طروادة وأبو فتاة عذراء جميلة سوف أبلل بدمها هاتين اليدين الحنونتين… أيتها الآلهة في الفسيح البارد كقلوبكم الباردة.
الرجل 5: (يشير إلى الرجل بأن يتوقف عن الكلام ثم يتابع كالأول) وهكذا قدّم أغاممنون العظيم ابنته ضحية للآلهة. وفجأةً عصفت الريح، فعاد الأمل إلى الرجل، وسارت أساطيلنا تشقّ الموج (صوت عاصفة بحرية يعلو في مكبّرات الصوت، المجموعة – ما عدا “الرجل” والمرأة والرجل 3- تتسلق السلالم. السلالم تصبح كأنها قلاع المركب) كانت أهازيج البحّارة تمجد محاربي اليونان، وأغاممنون الملك العظيم. وكانت حصون طروادة تتراءى أماننا. كنا نحلم بالنار تأكل منازلها. كنا نحلم بنسائها وفتياتها، بأطفالها وسلاسل الحديد في أعناقهم… كان أغاممنون العظيم يوقد الحماسة فينا. تكلم عن شرف اليونان وشعبها. وكنا كبركان جبل الآلهة ناراً. ناراً تأكل ولا تدرك… بعد المعركة قالوا لنا: إن الحرب كانت لاسترجاع امرأة.
الرجل 2: (صارخاً) ودكّت أسوار طروادة. وانتصرنا.
الرجل 4: وانتصر الملك العظيم.
الرجل1: وانتصر الملك العظيم.
الرجل 6: وانتصر الملك العظيم.
المرأة: (من مكانها تحاول أن تتقدم فيمنعها الرجل 3) أول الشي مش هوي المنتصر (وبحركة تفلت من الرجل 3 فتتناول شبكة كانت معلّقة على المسرح كعنصر من عناصر الديكور ثم تبدأ بالتقدم من “الرجل”. في هذه الأثناء يستل الرجل 3 خنجرين خشبيين من إحدى زوايا المسرح. تتوقف حركة المجموعة. المجموعة تحدق بانتباه في المرأة. الرجل 3 يلحق بالمرأة في خطوات متمهلة) إنت بتعرف إنو يللي ربحوا المعركة بقيوا هونيك… بقيوا ع التراب بين الدخان والنار والحديد… وقت المعركة كنت بعيد… كنت ع التله وكان فيه حرّاس كتير.
الرجل: إنتي بتعرفي إنّو لازم كون بعيد.
المرأة: ومطرح ما كنت ما كان فيه لا نار ولا غبار… كان المطرح متل هون أمان ونضيف
الرجل: كلتمسنتر؟
المرأة: ويللي ما كانوا مطرح ما كنت، نص رجع بس… (فجأةً، وقد اقتربت منه، ترمي الشبكة عليه. الرجل 3 يساعدها. يعطيها خنجراً. تلتف الشباك حول “الرجل”. تتساقط عليه الخناجر. صوت العاصفة يقوى أكثر. الوجوه لا تزال تتابع المشهد بحشرية ولذة).
الرجل 4: إيه زوس ملكنا. أرسل إلينا البلاغ الاول ونجِّنا من الخطيئة… نجِّنا من الخطيئة…
المجموعة: نجِّنا من الخطيئة! زوس! أيها المالك سعيداً في السماء والارض، ارسل إلينا خبزنا كفاف يومنا ولا تُدخلنا في التجارب (تصبح الصلاة تمتمات).
الرجل 1: زوس، أرسِل إلينا البلاغ الأول!
الرجل 6: واذا انتصرت كلتمسنتر فنحن مع كلتمسنتر!
الرجل 4: زوس، أرسِل إلينا البلاغ الأول!
الرجل 1: عندئذ ينتصر كل شيء في ارغوس ومسّينا. (صارخا) إجيست اضرب. إجيست اضرب اكثر.
المجموعة: إجيست؟؟؟ أغاممنون؟؟؟ كلتمسنتر؟؟؟ (تختلط صرخات المجموعة ثم تتوحد شيئاً فشيئاً لتردد نغماً واحداً أه أو أي أه أو أي آه أو أي الخ… وبحركة تتراجع المرأة فترمي خنجرها وتترك الشباك. يتوقف فجأة صراخ المجموعة).
المرأة: (باستسلام) انا تعبت! لعّبتوني الدور غصب عنّي.
الرجل 5: (ناظراً الى مكان المخرج) وقّف الصوت. (تتوقف أصوات العاصفة).
الرجل 3: (يرمي خنجره أرضاً. يترك الشباك. يقول للمرأة بقساوة) إنتي المرا الوحيدة بالفرقة.
المرأة: (بتعب) اذا مش عاجبتكن، جيبو غيري! (لحظات صمت. المجموعة ينظر بعضها إلى بعض، الرجل يتخلّص من الشباك).
الرجل 5: (لا تزال الجريدة في يده) تعبتوا لأن المسألة بقيت تمثيل بتمثيل… صار إلكن ساعة تضربوه بالخناجر ونقطة دم ما نزل منّو.
الرجل 2: معو حق… لازم الإشيا تكون حقيقية… إنتو ضجرتو والجمهور ضجر كمان.
الرجل: وأنا صرت يئسان… عطوني إجرتي بدّي فلّ.
المرأة: (وقد عادت الى كرسيّها) اعطوه إجرتو وخلّوه يفلّ. حرام عليكن. تركوه. يمكن يكون عندو مرا واولاد ومعاملات بالحكومه…
الرجل 5: لو سمعتوا منّي ما كنتوا ضجرتوا.
الرجل 3: (وقد اقترب من “الرجل” مهدداً) اذا تركتنا بنص المسرحية ما بتكون مبسوط… حَطّوا اسمك بأحرف كبيرة… أول اسم… وعملولك دعايه… وبتتركنا هيك؟!
الرجل 5: لو سمعتوا منّي ما كنتو ضجرتوا!
(المجموعة تنظر اليه تحاول أن تفهم).
الرجل 1: لو سمعنا منّك؟ّ
الرجل 5: ما كنتوا ضجرتو (يشير الى الجريدة) الموضوع هون… قلتلّكن لقيتو. سمعوا (يقرأ في الجريدة) في موزامبيق 40 الف جندي…
الرجل 6: (مقاطعاً) جريدة عتيقة!
الرجل 5: (مدافعاً بحماسة) الجريدة عتيقة بس الموضوع… تركوني كفّي (يقرأ) في موزامبيق 40 الف جندي أبيض يقاتلون ثوار جبهة تحرير موزامبيق الذين يسعون الى إنهاء الاستعمار في بلادهم.
الرجل 2: (مقاطعاً، وكأن الموضوع لم يعجبه) أنا ضدّ!
الرجل 5: ضدّ موزامبيق؟
الرجل 2: لا أنا ضدّ…
الرجل 3: (مقاطعاً) لكان انت مع الاستعمار؟
الرجل 5: أنا ضدّ… (لا يكمل العبارة… كأنه نسي) صحيح أنا ضدّ مين؟
(ينظر الى مكان المخرج ويصرخ) أنا ضدّ مين؟ لمّن وزّعت الادوار ما قلتلّي أنا مع مين وضدّ مين!
(الوجوه كلها تنظر الى مكان المخرج. لحظة صمت).
الرجل 4: (مشيراً الى مكان المخرج) تركوه… يمكن يكون مشغول عن يفكّر بالضو وبالموسيقى.
الرجل 6: (منذ حين وهو ينظر الى الجريدة. يخطف الجريدة من يد الرجل) وفيها صور كمان!
الرجل 5: (مستعيداً الجريدة من الرجل) هيدي الي… والفكرة فكرتي. “للجوقة” تركوني نفّذا بتطلع حلوه… صدّقوني! (يُريهم الجريدة) شوفوا في صورتين. الإخراج موجود. والمضمون كمان. (يقرأ) “الصورة الأولى: جندي أبيض يهمّ بقطع رأس الثائر”. شفتوه. يعني هذا (مشيراً بإصبعه ثم يقرأ) “الصورة الثانية: الجندي نفسه يحمل الرأس ورفاقه يضحكون”. (يكونون قد تجمعوا في مقدمة المسرح كتلة واحدة حول الرجل).
المجموعة: (بفرح) وينو الراس؟؟
الرجل 5: (مشيراً بإصبعه الى الصورة) يحّو…
لحظة صمت. المجموعة تنظر الى الصورة بحشرية مرحة).
الرجل 4: (لا يزال ينظر الى الصورة) قولكن، شو كان عم يفكّر لمّن راسو كان هونيك؟
المجموعة: وين؟
الرجل 4: لمّن كان راسو ع كتافو.
الرجل 2: (بعد تفكير، وبجدية وهو ينظر الى الصورة) عم تسألنا سؤال صعب كتير. أول الشي ت نحزر شو عمفكروا هوديك.
الرجل 6: أيّا هنّي؟
الرجل 2: (مشيراً الى الصورة) هودي يللي روسن بعدا ع اكتافن… البيض.
الرجل 6: هودي مش ضروري.
الرجل 2: (للرجل 6) إنت بشو عم بتفكّر؟ (الرجل 6 لا يجيب، ثم للرجل 4) وإنت؟ بشو عمتفكّر؟ (الرجل 4 لا يجيب. اللعبة نفسها للرجلين 1 و 3 وفي الآخر الرجل 5).
الرجل 5: (بعد تردد) أنا عم فكّر… (لا يكمل العبارة. لا يعرف بماذا يجيب. ينظر الى الرجل) شو باك مش مشترك معنا؟ فيك تقلّنا شو كان عم يفكّر لمّن راسو كان ع اكتافو؟ (الرجل لا يجيب).
الرجل 3: (للرجل بقسوة) فيك تقلّنا شو معقول يفكّر انسان قبل ما يفلّ راسو عن اكتافو؟ (الرجل لا يجيب).
الرجل 1: للرجل 3 وللمجموعة) تركوه يا شباب. خلّوه يرتاح شوي…
الرجل 5: اذن منشان ت نعرف شو كان عم يفكّر، خلّوني نفّذ الصورة… تركوني اعملا مشهد مسرحي.
الرجل 1: (الذي بعد ان قال عبارته الاخيرة انسلخ عن المجموعة الى الجمهور) امس نزلت زوجتي الى السوق. اشترت بعشر ليرات ما كنا نشتريه قبلاً بليرتين، وفي المساء دعونا الأصحاب. أكلنا لكننا لم نشبع. في الماضي كانت الأحوال أفضل. كنا نشبع أكثر.
الرجل 2: (لعبة الرجل 1 نفسها) أمس قالت لي “اصعد الى السرير قربي واعمل لي ولداً. قلت لها: الولد شي يموت. ما النفع من أن نعمل أشياء تموت؟
الرجل 4: (لعبة الرجلين 1 و2 نفسها) التقيتهم في الساحة. كانوا عشرة رجال ومعهم بنادق. اعطوني بندقية وقالوا: “تعال معنا نقتل الذئب”. قلت: لماذا؟ قالوا “أكل الذئب طفلاً من أطفالي كانوا عشرة. لم يأكل الذئب ولا واحد منهم”. ارجعت بندقيتي وقلت: اعتذر!
الرجل 5: (خلال كلام الرجال 1 و2 و3 يكون قد بدأ بتوزيع الأدوار فأوقف 3 و6 ثم 1 و2 ثم أخيراً الرجل 4 الذي ما إن ينتهي من عبارته الاخيرة حتى يسحبه الرجل 5 من كتفه ويضمه الى المجموعة. المجموعة استعدّت الآن لتنفيذ ما في الصورة، وهو قطع رأس أحد ثوّار موزامبيق. الرجل 6 راكع على الأرض ويداه مشدودتان من الرجلين 1 و2، بينما وقف الرجل 3 مستعداً على المستديرة وفي يده سيف خشبي. ووقف الرجل 4 على السلّم بعد أن التقط الجريدة التي رماها الرجل 5. الرجل لا يزال في مكانه منسلخاً عن المشهد. المرأة في مكانها ولكن أقل انسلاخاً من “الرجل”).
(بعد أن تأكد من توزيع الأدوار يركض نحو الطبل، يلتقط المطرقة، يبدأ القرع. ضربات الطبل تخلق جوّ الرعب. المجموعة تحدق بقسوة في الرجل 6).
الرجل 3: (للرجل 6) كم كانوا واحد لمّن التقيت فيهن؟
الرجل 6: كانوا عشرة!
الرجل 1: وكم كان معن باروده؟
الرجل 6: عشر بواريد!
الرجل 4: اذن لمن عطيوك الباروده بقي واحد منهن بلا باروده؟
(الرجل 6 لا يجيب)
الرجل 3: ليش ما خلاّ الباروده معو؟
الرجل 6: كان لازم واحد منا يحمل باروده!
الرجل 3: وليش مش هوّي؟
الرجل 6: هوّي كان لازم يبقى هونيك، يخطط ت نربح.
الرجل 4: وربحتوا؟!
(الرجل 6 لا يجيب. خلال هذا المشهد نسمع “الرجل” يردد لنفسه العبارة التالية “ما معكش حق ما معكش حق).
الرجل 1: كم واحد بقي طيّب منكن؟
الرجل 6: أنا وهوّي!
الرجل 3: إنت مش أكيد…
الرجل 4: بقي يللي ما حمل باروده… بقي هوّي.
الرجل 6: كان لازم يبقى حدا منا!
الرجل 3: (للرجل 6) لمّن حمّلوك الباروده، شو قالولك؟
الرجل 6: قالولي مَشِّ معنا بتنتصر.
الرجل 2: (للرجل 6) قالولك روح قتول؟
الرجل 6: قالولي روح انتصر!
(صمت لحظة. خلال هذا المشهد أيضاً المرأة تردد بلا شعور العبارة التالية: حرام عليكن تركوه يمكن يكون عندو مرا)
الرجل 4: (للرجل 6) يللي بعتك لهون بتعرفو؟
الرجل 1: (للرجل 6) شايف وجّو؟
الرجل 6: قالولي إنو منّا وفينا وبحبّنا!
الرجل 3: (للرجل 6) منكن وفيكن. وما بتعرفوا؟!
الرجل 6: مش ضروري. في ناس بعرفن وأغراب عنا!
(ينظرون الى الرجل 5 الذي لا يزال يقرع الطبل. لا حيلة لهم مع الرجل 6. التنفيذ إذن أفضل. الرجل 5 يوقف الضرب للحظة ثم يضرب ضربة قوية ومعها يضرب الرجل 3 عنق الرجل 6 بسيفه الخشبي. لحظة فرح تعمّ المجموعة. الرجل 4 الذي خلال تنفيذ المشهد كان ينظر الى الجريدة بين وقت وآخر يصرخ ويضرب رأس الرجل 6).
الرجل 4: (صارخاً) مش مظبوط… مش مظبوط…
(حركة تعجب واستنكار من المجموعة التي توقّقت عن الضحك بعد ضرب رأس الرجل 6)
الرجل 4: مش مظبوط (يُريهم الجريدة) شوفوا… كان لازم تشلّحوه تيابو… بالجريدة طيزو مبيّني!
(الرجل 6 الذي حتى الآن يمثّل دور الميت المقطوع الرأس، وعند سماعه العبارة الأخيرة يلتفت فجأةً الى الوراء لجهة الجمهور، واضعاً يده على قفاه بخوف. المجموعة تضحك).
الرجل 6: (قاطعاً ضحك المجموعة وناظراً الى جمهور الصالة) بلا ضحك… بلا ضحك (المجموعة تنظر بقسوة الى جمهور الصالة. تمر لحظات صمت. الرجل 5 ينسلخ عن المجموعة بهدوء تام وبابتسامة ثقة يجلس على حافة مقدمة المسرح بينما ينهض الرجل 6 ويدير ظهره الى جمهور الصالة. المجموعة تقلّده).
الرجل 5: (بهدوء وثقة بالنفس وبابتسامة) معو حق! بلا ضحك! دايماً بيضحكو وقت يللي ما لازم يضحكوا. وبيبكوا وقت يللي ما لازم يبكوا.. من زمان لمّن اجا هيدا، شو اسمو… (ينقف بإصبعه كم يريد من أحد أن يذكّره ملتفتاً نصف التفاتة الى جهة المسرح).
الرجل 2: (بنصف التفاتة) عنتر بن شداد.
الرجل 5: لأ؟! مش هوّي هداك.
الرجل 2: أبو زيد الهلالي.
الرجل 5: (بنرفزة) ولك لأ، مش هيدا (للجمهور وباللعبة نفسها) لغايتو… لمّن إجا شو إسمو…
(يكون الرجل 5 قد نزل عن المسرح وتقدم صوب صف الجمهور الامامي في الصالة)
الرجل 1: (مقاطعاً) راح نسمّيلك كل رجال التاريخ.
الرجل 5: (وكأنه وجد ما يبحث عنه) آه التاريخ!!! (بهدوء) لمّن إجا التاريخ يدقّ بوابكن، كنتوا كلكن مشغولين… معكم حق!!! يمكن معكن حق… يمكن ما سمعتوه عم بيدقّ. كنتوا عم بتحكوا… الحقّ عليه، كان لازم يدقّ وقت لمّن بتكونوا ساكتين… السكوت شي مهم. التطور شي مهم. كمان الحق عليها، نطرتو خمس سنين. بعتلا مكتوب قلاّ مأخر، وبعدين صار عندا اولاد… الحق عليكن كلكن. لازم تحسّوا معا، تعطفوا عليا… لمّن رجع البابور بلا بحارة، كانت إمّو ناطرتو ع الشطّ، كانت عم بتبكي وما حدا كان يقلاّ وينو…
(هنا تزداد سرعة إيقاع الكلام ويبدأ بقول كلام لا معنى له. في هذه الأثناء تبدأ المجموعة بالتقاط بعض عناصر الديكور وترتّبها وهي ترنّم: هيلا هوبي هيلا… هيلا هوبي هيلا… بعدها يعلو في مكبّرات الصوت “أورشليم أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها، كم مرة أردتُ أن أجمع بنيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم تريدي. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً).
الرجل 5: (الذي انتبه الى الستار الذي يغلق، يترك جمهور الصالة ويهرول نحو المسرح) انطروني أنا معكن… أنا معي دور بالمسرحية انطروني، انطروني. (يغيب وراء الستار).
*****
(*) الملحق- جريدة النهار اللبنانية