بدعوة من الحركة الثقافية – انطلياس ودار نلسن ودار الندوة، عقدت ندوة حول كتاب “قصتي مع منح الصلح” للأديب جورج شامي في “دار الندوة”- بيروت، في حضور شخصيات أدبية وسياسية وإعلامية وفكرية واجتماعية.
افتتح المناقشة الأديب سليمان بختي مقدماً المحاضرين وقال: “نلتقي اليوم حول كتاب مختلف يكتسب قيمته من مصدرين: الاول التقاء الصحافة والفكر على مستوى واحد، والجهد الصحفي المميز الذي بذله الأستاذ جورج شامي في الاضاءة واعادة الاعتبار لفكر الراحل منح الصلح وطروحاته في الوضع اللبناني، والروح التصالحية التي دعا اليها بين مكونات المجتمع اللبناني، وعلاقة معنى اللبنانية بالعروبة. ولطالما اعتبر منح الصلح ان الديمقراطية هي بحد ذاتها مصالحة وممارسة النظام الديمقراطي هي المصالحة المستمرة داخل شعب من الشعوب بين كل الآراء والمشاعر والمصالح الموجودة. والمصدر الثاني: انه محاولة نبيلة وكريمة وصادقة في تأطير وتوثيق أرث مفكر مميز من وزن منح الصلح وذلك من خلال الكشف عن واحد وأربعون مقالة افتتاحية في مجلة الاسبوع العربي بين عامي 1980 – 1982 وأبان ترؤس الاستاذ جورج شامي رئاسة تحرير المجلة”.
بشارة مرهج
ثم تحدث الاستاذ بشارة مرهج باسم “دار الندوة” فقال: “اللقاء الذي انعقد ذات يوم في عام 1980 بين صحافي لامع متمكن من اللغة العربية يعترف بفضل الاستاذ – ولا يعرف الفضل الا ذووه – واستاذ محب للعطاء تفيض خزائنه بالمعارف والمقاربات الساحرة وكلاهما أديب بارز ومثقف عميق وقارىء نهم يخضع لعرش الكلمة . هذا اللقاء الذي فرضته حاجة مجلة مرموقة للانطلاق مجدداً في المدار العربي أثمر مقالات رائعة واضحة المقاصد وأنا أقرؤها بعد اثنين وثلاثين عاماً اعتبرها من أرقى الكتابات السياسية وأكثره تعبيراً عن واقع الحال في ذلك الزمن الذي كانت تتهيأ فيه قوى داخلية وخارجية للاجهاز على لبنان الميثاق والاعتدال والتوازن ونقله نهائياً الى ضفة الانحياز متوهمة القدرة على تطويع الوقائع وتغيير الحقائق متوقعة موت الارادة وانطفاء الجذوة لتفاجأ بعد حين بموت المغامرة ونهوض المقاومة”.
وأضاف “الأجمل في هذا الكتاب الذي جمع بين الصلح المفكر العربي الكبير وجورج شامي الأديب البارز الذي أثرى الصحافة على الجامعة ذلك الحوار الداخلي بين الاثنين والذي تطل ملامحه بين السطور كلما توغلت في صفحات الكتاب وصولاً الى مشهد التفاعل الذي يجمع ما بين الدفتين ارتقاء الى وحدة العبارة وسطوة الفكرة”.
تابع: “اذا كان المؤلف قد وضع كتابه تحت عنوان ” قصتي مع منح الصلح” فهو حر بذلك ولكن عندما تفرغ من قراءة الكتاب ترى المضمون يتخطى القصة ويتجاوز الاتفاق بين الاثنين لتبقى تلك المأثرة الأدبية والشحنة السياسية التي ولدها العمل المشترك في مرحلة سياسية تميزت بإهمال الكلمة وتهميش الرأي وتعطيل العقل وانتظار الحل تلوح بيارقه من الخارج فيما هو مضمر وموجود لدى المجتمع اللبناني نفسه الذي رفض المتاريس والاقتتال والغريزة”.
أنطوان يزبك
اما الباحث أنطوان يزبك فقال في كلمته: ” لم يأت كتاب “قصتي مع منح الصلح” لجورج شامي في ذكرى رحيل رجل عظيم من بلادي، لان العظماء من رجال الفكر لا يرحلون بل تخلد ذكراهم وتبقى الافكار التي صنعوها في حياتهم، “نيرة حية” تعطى من دون حساب طالما ان ثمة من يدرك ان في هذه الأزمنة الخطرة، وفي خضم الحروب العبثية ليس لنا من خلاص سوى الفكر الذي محضناه كل عنايتنا فكان العقل لنا مصدر الشرع الاول”.
أضاف: ” لقد شاء القدر ان يرحل منح الصلح العام الماضي لتبقى جذوة الفكر متقدة شاهدة على مرحلة من أخطر المراحل في تاريخ لبنان الحديث، حيث كانت الصحافة لا تزال في ثمانينات القرن الماضي مضطلعة بدورها الرائد ورسائلها الخالدة في الذود عن الوطن ومفهوم لبنان السياسي والميثاقي من اجل الوحدة والسلام والتفاهم على الرغم من استفحال الحرب الاهلية والاجتياحات وعبثية حرب بلغت حداً من الوحشية لا يوصف”.
تابع: ” بلغت الصحافة اللبنانية في القرن الماضي درجة عالية من الرقي، وهي التجربة الرائدة التي تمكنت بسلاح الكلمة من ان تلين عود دعاة تمزيق الوطن وتفتيته الى دويلات، وما كتبه منح الصلح وجورج شامي آنذاك كان رأسماله الكلمة الايجابية الصريحة التي تسمي الاشياء بأسمائها، كما هي دون مواربة او خداع او حيل يكون الهدف منها التسويق لمشاريع تخدم “أجندات” ومآرب هذا او ذاك في الداخل او الخارج عربياً وعالمياً”.
أنطوان سيف
وكان للدكتور انطوان سيف (الحركة الثقافية – انطلياس) كلمة قال فيها ” لا ترهق الذاكرة ذاتها لاستعادة وقع حضوره، نقرع باب ضريحه كما تتطاول المودة على المحرمات : ها هو معنا بعد شهور أربعة عبرت كالأمس ويستمتع بأحاديث عنه لم يرد لها علنية لا يوصل بريد مرسلها المموه والمغفل الى غاياته: فالرواة الكبار، أمثاله، هم اكثر الناس محبة للاستماع، وللتهكم الذي يقول دوما الحقائق العميقة والمرة بلغة مشرفة”.
أضاف: ” يزورنا منح الصلح هذه العشية بناء على دعوة هو في المطاف الاخير داعيها الدائم لا تزال لنا ندوات سمر، وحلقات حوار غالبا ما تعبر عن نفسها بهذا الأسم، تتشظى منها، مع حرقة لهاثنا، وقلق انفسنا على الحضارة والثقافة والوطن ومشاريع التحدي والتجاوز،رصد ضربات التوحش باسم الاسلام ،وغرائز الاستعداء للذات قبل الاخرين، اشارات باقية على العهد، تقاوم من غير صراة، ترى في التفاؤل لا سذاحة وخداعا للذات، بل عناد وأمل لا تفوق عليه ابواب الجحيم الموهومة”.
جورج شامي
وفي الختام تحدث الكاتب الاستاذ جورج شامي فشكر المحاضرين وحيا الندوة وقال: “أدرك منح الصلح بحدسه وبعد نظره ان للابداع روحانية لا تساوم، لا على اللون ولا على الصورة، لا على الشكل ولا على المضمون ، لا على المارة ولا على الدعايات الجوفاء، لا على الجاه والغطرسة ولا على الوداعة والقناعة، وان هذه الروحانية تكتفي فقط بتمجيد مبدعها في نكرانه لذاته لأن أعمال تنطق باسمه”.