الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
في البداية أعلن عن تعاطفي الشديد مع الدكتور خالد طوقان رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية، ليس دفاعًا عن مشروع المفاعل النووي الأردني، الذي يقود الدكتور طوقان معركة الدفاع عنه، ومن ثم تسويقه، – وهي مهمة صعبة – تجعل كل من يتابعها بموضوعية متعاطفًا مع الدكتور طوقان، ذلك ان شريحة كبيرة من الأردنيين تعارض المشروع دون ان تلم بتفاصيله، بل وحتى دون ان تحاول الاطلاع على هذه التفاصيل المتاحة للجميع، مهما كانت مصادر ثقافتهم سماعًا، أو قراءة، أو مشاهدة.
فالدكتور طوقان وفريقه لم يتركوا وسيلة من وسائل الشرح والوصول إلى الناس إلا اتبعوها، ومع ذلك فإن فريقًا من الناس لا يريد ان يستوعب.. لا لشيء إلا لأنه يريد أن يعاند، وأن يلفت الأنظار، ويريد أن يقول: إنه معارض حتى لو كانت معارضة لذات المعارضة التي صارت في بلدنا مهنة للبعض تثير السخرية، بعد ان صارت هذه المعارضة من المضحكات المبكيات، فنحن البلد الوحيد في العالم الذي يقول فيه حزب مشارك في الحكم أو وزير عامل عن نفسه انه معارضة، بالرغم من انهما، -الحزب والوزير العامل – انتقلا من صفوف المعارضة إلى مقاعد الحكم، وفي هذا الإطار نفهم معارضة البعض لمشروع المفاعل النووي.. فهذا البعض يمتهن المعارضة لذاتها.
ولأن المعارضة في بلدنا صارت عند البعض مهنة، فإن هذا البعض يواجه الحقائق العلمية ولغة الأرقام بالجهل، وبالانطباعات، وبالمعاندة التي تقود صاحبها إلى الكفر. فالكثيرون ممن لم يؤمنوا بالأنبياء فعلوا ذلك من باب المعاندة التي هي مرض نفسي يمنع صاحبه من الامتثال للحق والحقيقة. فكيف سيصغي هذا المعاند إلى حديث الدكتور طوقان وفريقه مهما بسطوا أمامه من حقائق علمية؟.
صعوبة أخرى تواجه الدكتور خالد طوقان وفريقه، بل وتواجه كل المسؤولين الأردنيين، تتلخص في ميل شريحة من الأردنيين عالية الصوت، إلى التشكيك بكل ما يأتي من الحكومة ومؤسساتها فتبادر هذه الشريحة بإطلاق الاتهامات وإصدار الأحكام المسبقة على أي مشروع أو مبادرة حكومية، ابتداءً من تهمة المحسوبية والفساد وصولاً إلى الطعن بوطنية المسؤول، وكأنه ليس من طينة هذا البلد وهو أمر معيب. فليس كل مسؤول في بلدنا خرب الذمة، وليس كل مسؤول في بلدنا متهما. وهو أمر يجب ان نتكاتف جميعًا لنضع حدًا له، حتى لا يأتي يوم يفر فيه الرجال من حمل المسؤولية حفاظًا على سمعتهم، التي تصبح هدفًا لسهام المشككين في ظل غياب ثقافة «فتبينوا» التي يأمرنا بها ديننا الحنيف، الذي اعتبر القذف من الجرائم التي أوجب عليها حدًا من حدود الله.
وعلى ذكر الثقافة نحب ان نشير إلى تدني المستوى الثقافي في بلدنا، خاصة الثقافة العلمية، وهذه حقيقة يجب ان نعترف بها لإنقاذ ما تبقى من كياننا الثقافي. فنحن من أقل شعوب الأرض قراءة ومتابعة، ومع ذلك فنحن من أكثر شعوب الأرض حديثًا في قضايا لا نعرف عنها شيئًا.. ومع ذلك نتحدث عنها كخبراء، وفي هذا الإطار يمكننا ان نصنف الكثير مما قاله معارضو المفاعل النووي الأردني الذين نلمس في أحاديثهم غيابًا للمتابعة، واجتزاءً للحقائق، ليمارسوا مهنتهم في المعارضة التي تكلفنا الكثير من الجهد والوقت الذي يذهب هباءً، ويثير تعاطفنا مع المسؤولين من أمثال الدكتور خالد طوقان، الذي نتمنى لمشروعه النجاح للمساهمة في حل مشكلة الطاقة في بلدنا، دون ان يتوقع كلمة (شكرًا) أو اعترافًا بخطأ الموقف. فهذا من ضروب المستحيل عند شريحة صارت مهمتها التشكيك في كل شيء، واتهام كل مسؤول.
*****
(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وناشر وصاحب جريدة “اللواء” الأردنية