من حلْمٍ وإليه يعود

الشاعرة ندى الحاج

nada el hajj

نافذة مبللة في شتاء 1972
سأدجِّنُ لكَ الليل وأبتلعُ غربته فيك
أيها الساجدُ عند عتبة الضوء
أيها العارفُ الهارب
أيها المتشظّي الكاسر
أيها الكتومُ المنكفِئ
أهديكَ عمري..
مِن رحاب السماء إلى حنايا القلب
مِن ثنايا الروح إلى أمواج الريح
أكادُ أغلِّفكَ بيدَيّ وأسقيكَ أنفاسي
أعجُن لكَ الرغيف وأعصِرُ العنب
موائدُ العيد بانتظارك
ينابيعُ الحياة تفيضُ بكلماتك
وتنهيدةٌ واحدة تبوحُ لكَ بِسرِّها
إنها “مريم” تفتحُ لكَ ذراعيها فتراها “الخَلق والخلاص” كما همستَ لي.
هي الطمأنينة الزرقاء تومئ لك أيها الساكن في الجوار
هي الحجبُ تتهاوى والأنوارُ تهتدي
هو السراجُ يشتعل والشوق المتوهِّج يَفديك
يُنزلكَ عن الصليب ليرفعكَ نحو الآب
هي “نشوةُ الكنائس” كلمتان رأيتَهما قبل الانتقال
هي “التراتيل” كما سمعتَها، ملائكةٌ تُنشِدُ شِعركَ وتمهِّدُ لك الطريق..
نعم أنتَ رأيت وتكلَّمت!
“في البدء كان الكلمة” وأنتَ بدأتَ من هنا محلِّقاً الى الهناك
سانداً رأسك الى حُلْمٍ أردتَه لقاءً بالأمّ
عِشقاً للحقيقة
عارياً إلاّ منها
ملتحِفاً بالحب
كاشفاً روحك ليسوع الذي مجَّدته وكرّرتَ اسمه ليَمسُكَ بيدك
فيرفعَ عنك الخوف من الليل الطويل
ذاك الليل الذي لم يروّضْك فروَّضتَهُ أنتَ بنور الكلمات وحبْر القلب.
أبي، قلتَ لي “سأبقى معكم سأمشي معكم” ونحن نصدِّقك
لأنك الماء الذي تحوّلَ خمراً في عروقنا
والحزنُ الذي يحوّله المسيح فرحاً بالقيامة
على رجاء اللقاء حول وليمة الذّهب الأبدية…
أنتَ من الذّهب وإلى الذّهب تعود!
لِتتبدَّد غيومُ النار وتتأجَّج الأسرار
مِن أتون اللّهب إلى فتنة الضياء
يلمع ذهبُ الريح ويتجسّد غازلُ الوهم…
من حلْمٍ وإليه يعود
من هواءٍ وبه يحيا
من ماءٍ وفيه يصفو
من نارٍ ومنها يُبعَث
حبيبُ الرّقة
وليدُ الدهشة
نديمُ العاصفة
عابرُ البرق
يختزلُ ذاته
قاطفاً، سارقاً، طائراً
الشاعرُ العابرُ صمْتَ الجُزُر.

ounsi

*******

(العنوان الأصلي للقصيدة “عابر البرق”)

(*) العربي الجديد 

اترك رد