مازن ح. عبّود
بدأت القصة تتظهر في بلاد فارس في 1908، ومن ثمّ راح الذهب الاسود يتدفق في الحجاز في العام 1938. اكتشافه جعل من الشرق الاوسط ساحة تسابق وصراع دولي للسيطرة على الثروات. استخدامه أدى إلى ضخ الدماء في جسم الاقتصاد العالمي.
فكان ان دارت عجلات الإنتاج إلى حدود قصوى تلبية للاستهلاك المتزايد بفعل الذهب الجديد. ظهرت دولة إسرائيل كضرورة لنطارة منابع النفط. وضرورة الحفاظ على منابع النفط لم تمنع البعض من الاستثمار في التطرف الديني لحماية الثروات حتى لو كان التطرف ناراً وموتاً.
الإنتاج والاستهلاك غير المحدودين أديا إلى معدلات تلوث غير مسبوقة في الأرض والبحر، وإلى ارتفاع في معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة، وبالتحديد ثاني أوكسيد الكربون، في الهواء. كما ازدادت وتيرة الصراعات والحروب جراء السعي للتحكم بمنابع النفط. حدثت انقلابات أدت إلى هيمنة الفكر الديني المتطرف على المنطقة في وجه التمدد الشيوعي. ثمّ شهد الخليج العربي حروباً كبيرة وصغيرة بعناوين مختلفة، لكن مضامينها كانت السعي إلى الإمساك بمنابع النفط بشكل أفعل للتحكم مباشرة بالكميات والأسعار وذلك من دون الحاجة إلى وكلاء.
ظهر الإرهاب وتكشف عن وجوه رهيبة ومخيفة. بداية اكتسى أشكالاً منظمة. لبس أقمطة الأنظمة لكن سرعان ما اكتسى عباءآت منظمات عابرة للحدود وافكار تشكل خطراً داهماً على السلم والسلام العالميين.
الخوف على الثروات أدى إلى استدعاء الشياطين. فظهرت عبادات غريبة، وممارسات شيطانية. دماء وجنس وعنف وحرق وأصوام. فدخلنا أزمنة الشياطين القديمة التي اعتقدنا بأنها قد زالت.
إنها لعنة النفط التي يجب إزالتها عن عالمنا عبر البحث عن مصادر متجددة للطاقة. فتنخفض عندها وتيرة الحروب، إذ تتوقف الصراعات والحروب التي تخفي عطشاً، لا بل رغبة دفينة بالتحكم بمنابع النفط. ويسلم الكوكب إذ تنخفض معدلات الغازات الدفيئة في الهواء. فلا تعود أراضينا عرضة للتصحر ومياهنا للتبخر.
عصر النفط يا عصر الطمع والجشع والإرهاب المتنقل والأمراض. لا لن تأخذ الفصول والثلج والنبات والطير والحيوانات وصفاء العيش منا . نعم، لقد بدأ الكلام من بعض المتنورين في الغرب أمثال “جيفري ساكس” عن ضرورة مقاطعة اموالك وصناعاتك وحضارتك.
نعم فإن محبي السلام قد قرفوا من إرهابك المتنقل وتطرفك الأعمى وحروبك وصراعاتك ولهيبك. إنّ محبي السلام ينشدون عصراً جديداً من التعاون الدولي يعيد إلى الإنسانية رونقها وسلامها وتعايشها بعيداً عنك وعن تلوثك وأزماتك. ولنعد تسطير نظام عالمي جديد يقوم على الإنتاج المدروس والاستهلاك المسؤول. فالرأسمالية بشكلها الحالي المتوحش ستفضي إلى خراب الكوكب والحضارة. ولا مكان آخر لنا كي نمضي إليه.
حان الوقت أن تكتسي الرأسمالية حللا جديدة تعيد الاعتبار إلى الشرائح المغمورة وإلى الحفاظ على الكوكب. فالإنسان ليس جزيرة معزولة عن أخيه تتحكم بها عن قرب او بعد هواتف ذكية تتصل جميعها بأصحاب المصالح.
تبا لك يا شياطين عصر النفط الأحفوري وممارسته. فقد حان الوقت أن يبدأ عصر استدامة الموارد والحياة على الكوكب.