الأديب محمد بنيس
جاءَ الميلادُ الثّاني يضْحكُ بينَ يديْكَ قريباً منْ طبقاتِ الأزرقِ إنّكَ تُبصرُها تنْمُو نحْوَ العلْياءِ يداكَ تُحسّانِ الميلادَ مُحاطاً بالنّيرانِ
حَرارةُ هذا الأزْرقِ جُودٌ في لُطْفٍ تمْتدّ أمامكَ حرْفاً حرْفاً لا تقرأُ فيها اسْماً ممّا كُنتَ علمْتَ حروفٌ هنّ لباسُكَ في ليْلٍ لا بدْءَ لهُ
فاسْتقبلْ فيكَ شظايَا اللّيْلِ مواعيدٌ تتوالَى في الصّمتِ هُنالكَ يبدُو الأزرقُ أوسعَ منْ عتباتِ الفجْرِ تهُبّ نسائمُ عاريةً في شكْل نوافذَ لا تعْرفُ منْ يفْتحُهَا
ثمّ الأزرقُ
يأتيكَ ريّاحـاً
تلمعُ
فيها كلّ جهَات القلبْ
هذا الأزرقُ منَ الأرضِ جاءَ إلى عيْني. أوْ أقُول الأزرقُ الذي رأيتُ حيوانٌ أليفٌ. يتنفّـسُ، قريباً منَ الحواسِّ.
أزرقُ علَى قدْرِ مَا أرَى.
ألأزرقُ واللحْنُ معاً يُطلاّنِ من نافـذةٍ ليْستْ نافذةً. يظهرُ الأزرقُ منْ خلفِ كَلمةٍ يبحثُ اللّحْنُ عنْهَا. أو اللحْنُ بحريتهِ ينْسجُ بسيطةً منَ الأزرَقِ.
يترنّمُ الزّوَّاقُ
بأقْوالٍ يتعذّرُ سمْعُهَا
بيْنَ الأصَابعِ فُرشاةٌ منْقوعَةٌ
في مَحْلولٍ منَ المعَادنِ
ماءٌ
لا يَبينُ اللّوْنُ
زُخْرفٌ
تُراقبُ كيْفَ يدٌ توزّعُ بانْتباهٍ
أضْلاعَ شكْلٍ هَندَسيٍّ
يعُودُ قاعدةُ
الزّوايَا تضْبطُ
مَا تسيرُ نحْوَهُ يدُ الزّوَّاقِ
هُنا
يَرتفعُ الأزرقُ
باتّجاهِ العيْنِ
يصْعدُ
محْمُولاً على بياضٍ
مَا يُضيءُ
مَا يلْمعُ مَا يتلألأُ
مَا يحْتدمُ عنْدَ النّظرِ
إلَى
زَخارفَ كلّهَا زرقاءْ
شَسـاعة
معَ ذلكَ
هذا الأزرقُ يسْتقبلُ مسْرحَهُ
بيْن الموسيقَى
والرّقْصْ
أزرقُ لا لونَ نهارٍ فيهِ
ولا ليْلٍ
أوْراقُ المُوسيقَى تبتلُّ قليلاً
فوقَ المسْرح أطيافٌ
تحْكي
عنْ ليْلات الرّقصِ
مشاهدُ من أقْصَى ولَعٍ بالضّوْءِ
وأنتَ تحبّ الضّوْءَ
تحبُّ شَساعةَ هذا الأزرقِ إذْ يهتـزُّ
ويمْشي في أنْحَاءِ حَياةٍ
تُوقظهَا الكلماتْ
هُوَ الأزرقُ انْفجارٌ لا يأتي هُنا منْ ذاكرةٍ بلْ من حُلْمهمُ الذي مجّدوهُ
في أرضٍ كانتْ لهُمْ هُناكَ مُتّحدةً بالماءِ صافياً بحْراً منهُ تُولَدُ سفُنٌ يتقاسمُهَا غرْناطيّونَ كنعَانيّونَ أسْكنْدرانيّونَ كْريتيّونَ سبْـتيّونَ رُومانيّونَ
ازْرقّتِ البيُوتُ حتّى المسَاجدُ بأناشيدهَا جدّدتْ كلَّ يوْمٍ رغْبتَهَا في أزرقَ ينْفجرُ
خريفاً رُبّما ربيعاً
علَى عتبةِ بابٍ لا يتخيّلونَها حقّاً من مُسْتحيلٍ لنْ يسْتجيبَ يوْماً لما مضَى
مِنَ البحْرِ يولدُ الميناءُ
مِنَ الميناءِ تولدُ
المدينةُ
بحّارةٌ أعدّوا سفينَتهمْ
قبْلَ الفجْرِ ودّعُوا سيّداً قُبالةَ الأمْواجِ
سيّدُ المدينةِ يُحْرقُ البَخُورْ
ستدْفعُ الرّياحُ أشْرعَةَ السّفينةِ
نحْوَ شاطئٍ يتعذّرُ عليْكَ
أن تدوسَ سرّهُ
قُدمَاءٌ
عندمَا رسَتْ سفينتُهمْ شمسٌ أخَذتُهم إلَى بيْتهَا
قالوا
هُنا طنْجيسُ
ضوءٌ فوقَ السّفوحِ يترقرقُ
انظُرْ إلى الجَمالِ
منْ أعلَى الجَبلِ بجناحيْنِ
يتلألآنْ
طنجيسُ هديّةُ الضوْءِ إلى الأرضْ