وتفوقت الحكومة

الكاتب والإعلامي بلال حسن التل

تابعت من خارج الأردن تعامل الأردنيين مع العاصفة الثلجية «هدى»، والتعامل مع الصورة من خارجها bilal talيجعلها أمام الناظر أوضح واشمل وأكثر موضوعية، وهي الموضوعية التي تجبر المنصف على توجيه التحية للأجهزة الرسمية بشقيها–المدني والعسكري–على الأداء الرائع والمنسجم الذي كان بعضه يكمل بعضه الآخر أثناء العاصفة. مما يؤكد أننا ما زلنا أبناء دولة قادرة فاعلة، خاصة في اللحظات الحاسمة.

لقد رسم أداء الأجهزة الرسمية صورة مشرقة لبلدنا، كان على بعض شرائح مجتمعنا ان ترتقي إلى مستواها من خلال امتناع هذه الشرائح عن ممارسة سلوكٍ مستهجنٍ صار عناوين صادمة طالعناها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن أكثرها إيلامًا تلك العناوين التي تعكس مدى تحكم النزعة الاستهلاكية، والسلوك الأناني في بعض شرائح أبناء وطننا، ومن العناوين الصارمة التي جسدت هذا السلوك المستهجن: «تهافت على المخابز والأسواق» ومنها «الأردنيون يشترون 25 مليون رغيف وينهون الكعك» لتكتمل الصورة قتامة بعد ذلك بعنوان جاء فيه:»مليون رغيف خبز في أربعة أيام» لتزداد الصورة قتامة بهذا العنوان «مشاجرة على طابور شراء الخبز». ناهيك عن أخبار المشاجرات داخل المتاجر، والتي كثيرًا ما اضطرت الشرطة للتدخل لفضها، كل ذلك من أجل الحصول على كمية أكبر من المواد الغذائية وكأننا مقبلون على مجاعة قد تستمر طويلاً.

إن هذا الإقبال المنقطع النظير على الخبز، وشراء هذا الكميات منه ومن الكعك، ومن مواد غذائية مختلفة سلوك مستهجن يدخل في باب الإسراف المنهي عنه شرعًا، لأن جزءًا كبيرًا منها سيذهب إلى حاويات القمامة، فمدة العاصفة الثلجية اقصر من المدة الكافية لاستهلاك ما خزنته بعض الأسر في بلدنا.. وهذا يعني هدرًا لدخل هذه الأسر من جهة، وهدرًا حقيقيًا لثرواتنا الوطنية دون مقابل. ذلك ان الكثير من الأردنيين الذين يمارسون هذه الممارسات الغير مقبولة في تخزين الخبز وغيره من المواد الغذائية، ينسون أو يتناسون أن جلّ هذه المواد مستورد بالعملة الصعبة،

وإننا كشعب لا ننتج أكثر من 20% من احتياجاتنا من فاتورة الغذاء، هذا قبل ان نستقبل مئات الآلاف من إخواننا السوريين وغيرهم، ومع ذلك فإننا نتعامل بهذه الروح المستهترة مع هذه السلع الإستراتيجية. فلماذا كل هذا الإقبال على تخزين الخبز بالذات، مع ان مدة العاصفة التي كانت قصيرة ومحددة قبل ان تبدأ. مثلما ان الجهات الرسمية كانت قد أكدت مرارًا وتكرارًا على ان جميع احتياجات المواطنين متوفرة، كما ان المخابز ظلت تعمل، وتم زيادة كمية الطحين الواردة إليها بحدود ثلاثة آلاف طن يوميًا زيادة عن الاستهلاك الاعتيادي، علمًا بأن جلّ المخابز فرغت من مخزونها من الخبز والكعك كما فرغت رفوف جلّ المتاجر من المواد الغذائية قبل بدء العاصفة، نتيجة للإقبال الشديد من المواطنين على شراء الخبز ومشتقاته، وكذلك المواد الغذائية.

لم تتوقف الصورة القاتمة التي رسمها البعض لبلدنا عند حدود الخبز ومشتقاته وسائر المواد الغذائية، بل امتدت إلى منتجات أخرى، أبرزها منتجات الوقود، وهو ما أنعكس أيضًا بعناوين وسائل الإعلام ومن بينها عنوان «بيوت تخزن الغاز، ومواطنون لا يجدون اسطوانة» وبمثل هذا العنوان أيضًا «بيع مليون اسطوانة غاز خلال 5 أيام» وكذلك هذا العنوان «نقص حاد في الكاز والديزل والأزمة تتضاعف» وهذا العنوان «تحرير مخالفات بحق عدد من موزعي أسطوانات الغاز» وهذه كلها عناوين تنم عن تحكم نزعة الأنانية، وعدم الشعور بالآخر من أبناء الوطن وهم من أقاربنا وجيراننا، وعن سوء استغلال للموقف من قبل الجشعين.

كثيرة هي ملامح الصورة القاتمة التي رسمها البعض بسلوكهم أثناء العاصفة الثلجية، والتي ضاعفت من جهد الأجهزة المعنية، خاصة في مجال إخلاء المئات ممن حاصرتهم الثلوج، وتحريك المئات من المركبات من الشوارع، رغم النداءات المتكررة من الأجهزة المعنية للمواطنين بعدم الخروج من منازلهم والاستعانة بالأجهزة المعنية عند الضرورة.

وبعد؛ فقد كشفت العاصفة الثلجية الكثير من عيوب سلوكنا الاجتماعي وأبرزها: عدم ثقتنا بأنفسنا، واهتزاز إرادتنا، وتحكم الأنانية، وغياب روح الجماعة وأخلاق الإيثار والقناعة، وهي عيوب تقرع ناقوس الخطر، وتجعلنا نتساءل أولاً عن العوامل التي جردت الأردنيين من ما كان يُعرف عنهم من صفات القناعة، والتعاون، والإيثار، والانضباط، وأيّة ثقافة دخلت عليهم لتحدث كل هذه التحولات في بنيتهم الفكرية والسلوكية، والأخطر من ذلك هو السؤال عن كيف سيكون الحال لو ان بلدنا تعرض لا سمح الله لكارثة طبيعية، أو لحصار اقتصادي لسبب من الأسباب، فكيف سنتصرف؟ وكيف سنكون عونًا لحكومتنا بدلاً من ان نكون عالة عليها؟ فإن الإنصاف يقول: إن الحكومة تفوقت هذه المرة على شعبها وهذه واحدة تُسجل لها.

*****

(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية 

اترك رد