كلود أبو شقرا
مشاعر محبطة: حزن، قلق، بؤس، وحدة، ما من نظرة متفائلة، ما من ابتسامة، ما من تبادل بين مختلف الأطراف. بالطبع، يعبر هذا الوضع عن حقيقة، حالة قصوى من اليأس، التقطتها عدسة المصور الفوتوغرافي إدوار الياس في أماكن اللاجئين السوريين وعرضها في المعهد الثقافي الفرنسي تحت عنوان “لاجئون سوريون”.
هذه الأجواء السوداء التشاؤمية المسيطرة على الصور تثير تساؤلا حول ما إذا كان المصور الفوتوغرافي إدوار الياس تغافل عن تصوير طفل يبتسم، يلعب، للتخفيف قليلاً من درجة البؤس، والتلطيف من قساوة الرسالة، لا بد من أن يكون الياس صادف خيوط فرح في زاوية معينة، طفل يحوّل قطعة خشب سفينة، طائرة، لعبة، وعلبة سردين بالوناً…
حتى الصورة التي التقطت لفتاة شابة تقفز في البحر، تبدو دراماتيكية، ويحار الناظر إليها هل هي مجرد لهو أم محاولة انتحار. قد تكون الغاية من هذه الصورة إرسال نداء استغاثة. من هنا اختيار هذه الصور تحديداً حكيم، إذ تقدم لمحة عن واقع هؤلاء اللاجئين السلبيين والمنفيين…
قبول الشعب
معلقة على الجدران البيضاء في صالة العرض في المعهد الفرنسي في بيروت، تستجوب مجموعة صور “السوريين المنفيين” لإدوار الياس عين الزائر. ثمة حياة في هذه الكليشيهات الملتقطة في زاوية كبيرة، على غرار تلك الفتاة التي تقفز في مياه البحر الزرقاء حيث يلعب الأطفال أمام الملجأ الجماعي في منطة الأوزاعي غرب بيروت.
عمد المصوّر الفوتوغرافي إلى إخراج هذه السلسلة لصالح “جمعية أول مساعدة طارئة طبية في العالم”، يقول: “يلزم بعض الوقت لكي يقبلك شعب، لا سيما إذا كان من اللاجئين. تعكس الصور أشخاصاً لم يعودوا يملكون شيئاً. بالنسبة إلي، هذا ثقل كبير”.
على مدى 15 يوماً، رافق إدوار الياس فرقاً تابعة لمنظمات غير حكومية على الأرض. وقد ساعده ذلك في عقد صلات ضرورية لتحقيق هذه السلسلة: عمال الإغاثة يعملون بشكل يومي إلى جانب اللاجئين الذين يمنحونهم ثقتهم.
المصور الفوتوغرافي البالغ من العمر 23 سنة، اعتاد الأماكن الخطرة. ففي 2012، ترك دروسه في التصوير الفوتوغرافي وتوجه إلى الحدود التركية، لأنه غضب من وسائل الإعلام التي تتكلم عن الألعاب الأولمبية فيما الناس يموتون في سورية.
عاد إلى سورية مع ديدييه فرانسوا في تلفزيون “أوروبا واحد”، واحتجز كلاهما كرهائن على مدى 10 اشهر. ولدى تحريرهما لم يتركه عشق الآلة الفوتوغرافية. فالتقط بسرعة كاميرته والتقط صوراً لدى وصوله إلى مطار فيلاكوبليه (قاعدة عسكرية جوية قرب باريس).
رافضاً لقب مصور حرب، التقط إدوار الياس صوراً خلال تجواله في أنحاء فرنسا وفي شمال البلاد، وأخرى لضحكات شبهاء الفيس برسلي في انكلترا، وللحياة اليومية في أفريقيا الوسطى. يقول: “لا وجود لمواضيع صغيرة، نحن مصورون فوتوغرافيون قبل أن نكون صحافيين، نهتم بالقضايا الإنسانية قبل أن نصور الأماكن”.
لا تشاؤم
في سلسلة “لاجئون سوريون” يواجه الناس الناظر إليهم، بلفتة ثابتة، ليشعروا بنسمة إنسانية من دون استراق النظر إلى الخبايا أو تشاؤم.
باستثناء بعض الصور الفوتوغرافية الخارجية بهدف تبيان تنوّع البيئات حيث يستقر اللاجئون في لبنان، التقطت غالبية الصور من بين الجدار الرمادية للمساكن، المتهدمة بفعل الزمن أو غير المكتملة.
تطرّق إدوار الياس إلى أربعة مواضيع كبرى: السكن، الصحة، التربية والحياة اليومية، لحث الشعب الأوروبي والبلدان المانحة على الالتفات إلى الوضع على الأرض، فيما التغطية الإعلامية والتمويل يتبددان بعد نحو أربع سنوات من الصراع.
هذا العمل الفوتوغرافي جزء من مشروع أكبر تضطلع به الجمعية ويقوم على تنظيم محاضرات في باريس وفي البرلمان الأوروبي حول المفهوم الجيوسياسي في سورية وفي بلدان المنطقة، فيما تستمر صور إدوار الياس الفوتوغرافية في التحليق والسفر لملاقاة جمهور آخر وسوريين لتصويرهم.
في الثالثة والعشرين من عمره، اكتسب إدوار الياس خبرة كبيرة على الأرض، بعد قضاء عشر سنوات في مصر عاد إلى فرنسا لمتابعة دروسه في معهد كونديه في نانسي. عاشق لتصوير الحروب، اختار سورية لتحقيق أولى خطواته في مجال التصوير الصحافي. وقد زارها أكثر من مرة قبل أن يختطف.
بعد أشهر من احتجازه كرهينة، عاد إلى المنطقة وراح يصور اللاجئين السوريين في لبنان، ويرفع الصوت عالياً لجعل العالم يلتفت إلى هذه الكارثة الإنسانية التي اسمها “اللاجئون السوريون” في لبنان.
*****
(*) جريدة “الجريدة”