أنتم جزء من المشكلة وأسبابها

الكاتب والإعلامي بلال حسن التل

كنا قد حذرنا مبكرًا من إدخال قضية التكفير ومقاومته إلى سوق المزايدات والمتاجرة ومهرجانات الكلام.. فالقضية bilal talأخطر من معالجتها بخطبة بليغة، أو بمقال إنشائي، فهي خطر داخلي يهدد وجود الأمة بتقسيمها إلى شيع وطوائف، يحرّض بعضها على بعض، ومن ثم يُدفع بعضها لقتل بعضها الآخر.

وهو بالضبط ما نشهده في غير جزء من بلادنا كما في ليبيا، ومصر، وسوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، غير أن تحذيرنا، ومعه تحذيرات أخرى لم تجد آذانًا صاغية، وصار الزعم بمقاومة التكفير ميدان تنافس على الغنائم بين المتنافسين، دولاً وجماعات وأحزابًا وأفرادًا، كل يتعامل مع هذه القضية الخطيرة من منظوره وزاويته، بعيدًا عن رؤية شاملة تجمع غالبية الأمة على التعامل مع هذه القضية الوجودية بروح الجماعة والفريق الواحد، باعتبار التكفير خطرًا جماعيًا يهدد الأمة كلها.

وفي ظل غياب الرؤية الشاملة، غابت الاستراتيجيات والآليات القادرة على التعامل مع هذا الخطر، وانصرف الجميع إلى عقد المؤتمرات حول التكفير ومقاومته، بنفس الأسلوب التقليدي لانعقاد المؤتمرات الذي ساد في بلادنا في السنوات الأخيرة، حيث تحولت فيها المؤتمرات إلى مهرجانات خطابية، تحشد لها غالبية ممن لا علاقة لهم بالمؤتمر وموضوعه؛ بالإضافة إلى قلة لهم علاقة بالمؤتمر.. لكنها قلة تضيع في بحر الكثرة التي لا علاقة لها بالأمر. لذلك صارت جلّ المؤتمرات في بلادنا بلا فائدة، حيث تنقطع علاقة المشاركين معها بمجرد خروجهم من قاعة المؤتمر، الذي يصدر عنه في العادة بيان ختامي، لا تتم متابعة شيء مما طرح في المؤتمر.

غير أسلوب المؤتمرات التي تحولت إلى مهرجانات، فإن الملاحظة الأبرز في التحرك المضاد للتكفير، هو تحرك المؤسسات الدينية التقليدية، بأساليبها التقليدية وبنفس أشخاصها، وهو تحرك في ظننا يصب بغالبيته في مصلحة التكفير والتكفيريين. ذلك انه لو كانت المؤسسات الدينية التقليدية قد قامت بواجبها على النحو المطلوب، لما كان للتكفير ان يطل برأسه، ولما كان للتكفيريين أن يعلو صوتهم. لذلك فإن من أوائل خطوات مقاومة التكفير إصلاح المؤسسة الدينية التي هي جزء من المشكلة، وسببٌ من الأسباب الرئيسة لبروزها. أما إسناد أمر مقاومة التكفير لها وهي على هذه الحال فسيزيد الأمر تعقيدًا وسوءًا.

ملاحظة أخرى لا بد من الانتباه لها ونحن نتصدى لهذا الخطر الوجودي، وهي ان كثيرًا من الجهات صارت تتعامل مع هذا الخطر بعقلية تجارية، وكفرصة للربح، فازدحمت المكتبات بالكتب ذات الطابع الوصفي التجميعي من جهة، ونشطت مؤسسات وجمعيات وجماعات للحصول على تمويل أجنبي بذريعة مقاومة التكفير، بالرغم من انها لا تمتلك القدرة على هذه المقاومة.

وفي ظل هذا الارتجال وهذه الانتهازية في مقاومة التكفير، ما زلنا نلمس أن هناك تقدمًا على الأرض للفكر التكفيري، وما زلنا نلمس المزيد من انخراط الشباب في صفوف هذا الفكر الذي صارت له الأرض مهادًا بسبب انشغالنا بالمنابر والأرباح والخسائر المادية.. لذلك فإننا نقول مرة أخرى ان خطر التكفير مثلما لا يقاوم بالأساليب الأمنية فقط، فانه لا يقاوم أيضًا بالأساليب التقليدية عبر الصراخ في القاعات المغلقة، بل لا بد من النزول إلى الأرض بكثافة لإيجاد مناخٍ عامٍ رافضٍ للتكفير، مُعالج لبيئته الحاضنة، وهو ما لم يتم حتى هذه الساعة حيث يتولى حتى معالجة القضية من هم سببٌ من أسبابها.

الأحد 4-1- 2015

*****

(*)  رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات

اترك رد