الإعلامي والكاتب بلال حسن التل
كان يوم الخميس الماضي هو اليوم العالمي للغة العربية، بعد أن أقرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم « اليونسكو» في الدورة الثانية والتسعين لمجلسها التنفيذي المنعقد عام، «2012» اليوم الثامن عشر من كانون الأول من كل عام يوماً عالمياً للغة العربية.. حيث تم الاحتفال لأول مرة بهذا اليوم في ذلك العام، قبل أن تقرر الملحقية الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية «أرابيا» المنبثقة عن اليونيسكو هذا اليوم عنصراً أساسًا في برنامج عملها.
لقد جاء قرار اليونيسكو هذا في سياق سلسلة قرارات دولية للأمم المتحدة ومنظماتها حول اللغة العربية، من بينها القرار»878» الصادر عن الدورة التاسعة للأمم المتحدة المنعقدة عام 1954، والذي أجاز الترجمة التحريرية لوثائقها إلى اللغة العربية، لتقرر منظمة اليونيسكو في العام 1966 استخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تعقد في البلاد العربية، بالإضافة إلى ترجمة وثائق ومنشورات المنظمة إلى اللغة العربية ثم لتقرر اليونيسكو أيضاً في العام 1966 تعزيز استخدام اللغة العربية في أعمالها، من خلال تأمين خدمات الترجمة الفورية من وإلى اللغة العربية في جلساتها العامة، لتصل عام 1968 إلى قرار باعتماد اللغة العربية لغة عمل في المنظمة، مع ترجمة وثائق العمل والمحاضر الحرفية إليها بالإضافة إلى توفير الترجمة الفورية وصولاً إلى قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بجعل اللغة العربية لغة عمل رسمية من اللغات المعتمدة في الجمعية وهيئاتها المختلفة.
إن هذا الاحتفاء العالمي باللغة العربية، خاصة من منظمة اليونيسكو، يشكل رداً حاسماً على كل أولئك الذين يزعمون أن اللغة العربية عاجزة عن استيعاب معطيات العصر العلمية والثقافية، فها هي أكبر منظمة علمية ثقافية تربوية في العالم تقر بقدرة اللغة العربية على استيعاب علوم العصر ومعارفه، وهاهو أكبر إطار عالمي يضم كل شعوب الأرض ودولها يعترف باللغة العربية وبقدرتها على استيعاب أعمالها، وعلى التعبير عن طموحات الشعوب، وهذا كله يضع على عاتقنا نحن أبناء هذه اللغة مسؤوليات جسامًا، بأن نرتفع إلى مستوى لغتنا، ونعترف بتقصيرنا نحن نحوها، لا قصورها هي عن استيعاب علوم عصرنا ومعارفه، ذلك أن اللغة هي مرآة أمتها، فإن كانت الأمة قوية فاعلة، كانت لغتها قوية حاضرة، والدليل على ذلك من تاريخ اللغة العربية نفسها، فعندما كنا أصحاب فعل علمي وثقافي كانت العربية لغة العلم والثقافة، وعندما تنحينا جانباً تنحت معنا لغتنا، فالعيب فينا نحن وليس في اللغة، ومن ثم فإن اليوم العالمي للغة العربية يجب أن يشكل فرصة سنوية لإعادة تقويم علاقتنا بلغتنا العربية، من ذلك على سبيل المثال:
* لماذا يصر معظم الباحثين العرب على كتابة بحوثهم في العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية بغير العربية،وكيف سيتم إثراء اللغة العربية بالعلوم والمعارف إذا كان أبناؤها يضنّون عليها بإنتاجهم؟
* إلى متى ستظل الكثير من الأسر العربية تصر على تعليم أبنائها اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية، بكل ما في ذلك من خطورة تربوية وتعليمية وصحية على هؤلاء الأبناء كما يؤكد ذلك علماء التربية؟
* متى سندرك الآثار الاقتصادية الناجمة عن عدم استخدامنا اللغة العربية، ليس على صعيد كلف الترجمة فقط، بل على صعيد مستوى دخل الفرد.. ذلك أن اللغة عنصر هام من عناصر الازدهار الاقتصادي، حيث تؤكد الدراسات أن مستوى دخل الفرد يتدنى في البلاد التي تتعدد فيها اللغات. كما تؤكد الدراسات وتجارب الأمم على أن توطين العلوم والمعارف باللغة الأم للبلاد، من أهم أسباب نهضتها العلمية والصناعية، كما دلت الدراسات والبحوث أيضاً على أن استيعاب الطلبة للمواد العلمية بلغتهم الأصلية يكون أكثر بكثير من استيعابها باللغات الأجنبية.
* وعلى ذكر استيعاب الطلبة نتساءَل: إلى متى سيظل التعليم الجامعي في بلادنا بغير اللغة العربية، في حين أن معظم شعوب الأرض تعلم بلغاتها الأصلية.. وهي لغات أضعف وأفقر من اللغة العربية؟ وليت الأمر ظل مقتصرا ًعلى التعليم الجامعي، فقد امتد إلى التعليم الإلزامي، حيث صار الكثير من المدارس الإلزامية تعلم بغير اللغة العربية.
كثيرة هي الممارسات السلبية بحق لغتنا العربية التي ينبهنا إليها اليوم العالمي للغة العربية، فهل ننتبه فنتوقف كأفراد وجماعات عن ممارسة هذه الأخطاء بحق اللغة العربية؟ وهي أخطاء ترتفع إلى مستوى الجريمة.. فالاعتداء على اللغة هو اعتداء على هوية الأمة ووجودها وحضارتها واستقلالها وسيادتها.
******
(*) مؤسس ورئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات.