صدر حديثاً للكاتب والإعلامي بلال حسن التل، رئيس “المركز الأردني للدراسات والمعلومات”، كتاب جديد بعنوان “حوار مع الإسلاميين حول التعصّب والتكفير وأشياء أخرى” يتألف من مقدمة، وخمسة فصول، تدعو إلى ثورة فقهية تحرر الخطاب الإسلامي من موروثات الماضي، للتصدي للموجة التكفيرية…
الفصل الأول “أسباب ظهور الفكر التكفيري” يطرح أسئلة حول: نموذج الحكم الذي يدعو إليه الإسلاميون. وهل نموذج الخلافة مُلزم؟ وهل الدخول إلى الحكم هو السبيل الأول لإصلاح المجتمع؟ ثم يناقش تفسيرات مختلفة لظهور “داعش” التي يعتبرها التل مع أخواتها أحدث إفرازات التطرّف والتكفير، مؤكداً أن أبرز أسباب ظهور التطرف: البيئة الحاضنة وأهمّ مكوّناتها الفقر، البطالة، الاستبداد، غياب مبدأ تكافؤ الفرص، الاحتلال الأجنبي والتوظيف السياسي لظاهرة التكفير، الانتماءات الفرعية المذهبية والطائفية واختلال المفاهيم…
يحتاج الخروج من هذه المرحلة ومواجهة موجة التطرّف، بنظر الكاتب، إلى عملية نهوض حضاري شامل، يبدأ من إصلاح مؤسسات بناء القناعات والمفاهيم، أبرزها التعليم والثقافة والإعلام… لافتاً إلى أن مقاومة التطرّف ليست مسؤولية الحكومات فحسب، بل مسؤولية المجتمع كله.
مسؤولية الأحزاب والحركات
في الفصل الثاني “مسؤولية الحركات الإسلامية عن بروز الفكر التكفيري”، يُحمّل المؤلف أحزاباً وجماعات وحركات الإسلام السياسي جزءًا من المسؤولية عن ظهور التطرّف والتكفير، بسبب الأخطاء التي وقعت فيها هذه الحركات، أولها تغليب الخطاب السياسي على الخطاب التربوي، شحن قطاعات واسعة من الناس ضد واقعهم من دون أن يقدم هذا الخطاب حلولاً لمشكلات هذا الواقع، مساهمة هذه الحركات في إيجاد حالة الفوضى الفكرية التي تعيشها المنطقة. كذلك غرقها في التنظير من دون أن تقدم برامج عملية لحل مشكلات المجتمع.
كذلك استعرض المؤلف في هذا الفصل أسباب النجاح الجزئي الذي حققته الحركات الإسلامية في بعض البلدان، أولها الخطاب الحماسي الذي يؤثر على مشاعر الناس وتوجهاتهم، واستثمار العمل الاجتماعي الذي حوّل الفقراء إلى خزان انتخابي؛ بالإضافة إلى المال الذي وظفته بعض الدول لخدمة بعض جماعات الإسلام السياسي، ضعف التيارات الأخرى.
أيضاً، عرض المؤلف العيوب التي اشتركت بها الحركة الإسلامية مع الواقع الذي تدعو إلى إصلاحه، أولها كثرة انشقاقات الحركة الإسلامية، غياب تداول السلطة فيها، افتقارها إلى القيادات التاريخية، غياب التجرد والإيثار عند أفرادها. بالإضافة إلى مرض النرجسية الذي ابتليت به الحركة الإسلامية، وجعل منتسبيها يعتقدون أنهم فوق الآخرين. متسائلاً عن الفرق بين هؤلاء وبين الطغاة من الحكام.
ومن عيوب الحركات الإسلامية التي ساهمت في تكريس الفوضى الفكرية، في رأي المؤلف، اختطاف الإسلام من قبل هذه الحركات التي صارت تتعصب لفكرها وفهمها للإسلام ولكتب قادتها ورموزها، أكثر من دعوتها إلى الإسلام النقي الصافي. ساهم هذا التعصّب للتنظيم في بروز الفكر التكفيري في إطار اختطاف الإسلام، ثمّ استحضار الخلافات التاريخية ليبرز كل فريق فهمه للإسلام.
ركز المؤلف على إخفاقات الحركات الإسلامية التي ساهمت هي الأخرى في ظهور تيار التكفير، ومن أبرزها عدم مصداقية الحركات الإسلامية في مقاومة الاستبداد، إخفاقها في تحديات منها: قبول الآخر، احترام العهود والمواثيق، مبدأ تكافؤ الفرص، الانتقال من المعارضة إلى الحكم، وهو التحدي الذي كشف فقر الحركات الإسلامية للكوادر القادرة على إدارة الدولة، وغياب البرامج التطبيقية لحل مشكلات الدولة والمجتمع.
إشكاليات وحلول
الفصل الثالث “علاقة المسلمين بالآخر”، خصصه المؤلف للحديث عن علاقة المسلمين بالآخر باعتبارها من القضايا التي سلطت ممارسات التكفيريين لا سيما تنظيم “داعش” الضوء عليها. مؤكداً أن الإسلام، كما ورد في القرآن والسنة، بالإضافة إلى الممارسة التاريخية للمسلمين في عصور الازدهار الحضاري، يدعو إلى بناء الدولة القائمة على المواطنة التي يتمتع بها الجميع بحق حرية الاختيار، بما في ذلك حرية اختيار المعتقد، من دون أن يؤثر ذلك على حقوقهم في المواطنة…من بينها حق غير المسلمين بالمشاركة في إدارة الدولة والاندماج الاجتماعي وفي الدفاع عن الوطن.
الفصل الرابع “تصحيح المفاهيم”، أوضح فيه المؤلف أن السبب الرئيس لما نحن فيه، لجهة بروز التكفير، هو اختلال فهم المسلمين لدينهم، الذي أصاب حتى فهمهم للعبادات ومغازيها، وفي ظل هذا الاختلال تحولت العبادات الإسلامية من مدخل لنظام أخلاقي متكامل يتجسّد سلوكاً في الواقع، إلى مجرد طقوس لا يفقه كثيرون معانيها. وهذا الاختلال في فهم الإسلام أحد أسباب ظهور التكفير والنظرة السلبية للآخر.
الفصل الخامس “الحل والمخرج”، خصصه المؤلف للحديث عن الحلول والمخارج، أولها الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة العمل، داعياً إلى ثورة فقهية تحرر الخطاب الإسلامي من ركام الموروث التاريخي، الذي يتناقض مع روح الإسلام وجوهره، ولا يتناسب مع روح العصر، انطلاقاً من أن جلّ ما في هذا الموروث هو اجتهادات كانت بنت عصرها وبيئتها. والثورة الفقهية المطلوبة لا بد لها من الإجابة على أسئلة العصر وتحدياته، لتُسهم في قبول المجتمعات بالحل الإسلامي لمشكلاتنا.
وتزامناً مع الثورة الفقهية دعا التل في كتابه إلى نهضة فكرية، يقودها مفكرون تنويريون، تقدم حلولاً تنويرية لمشكلات الواقع في إطار من التعددية وحرية الاختيار وخطاباً إسلامياً جديداً يتبنى مفاهيم العدل، المساواة، الإنتاج، والتعاون، ويقود إلى نهوض حضاري شامل يخرج الأمة من عنق الزجاجة، ويخّولها مواجهة أمراضها الاجتماعية والفكرية، في طليعتها التعصّب والتكفير.
******
(*) جريدة الجريدة