الشاعر صلاح مطر
-2-
لِمْ كالحاتٌ وجوهُ الكلِّ والأجـــــمِ حتى الجلاميد تبكي من لظى الألــمِ!؟
هل بعلبكّ هوَتْ، والغابةُ احترقــتْ، أم عنجرٌ حُذِفَتْ من مجدِنــا العَـرِمِ!
عالٍ على الموت مثلَ الأرزِ في علَمي، خلّدتَ لبناننا، قـــال الرحيمُ: “نَـمِ”!
مَن قال: “ان ظلامَ الرمسِ يحبســـهُ” لا تُحبَسُ الشمسُ في الأرماسِ والظُلَـم!
“سعيدُ” ينهض كالفينيق من دمــــهِ ويحمل السفحَ توّاقاً الى القِمَـــــمِ!
عالٍ كما الأرز في الأرياحِ، علّمنــا: أنْ لا نُهَم لأنّ الريح فلي الهِمَــــمِ!
لأن أجدادنا في الصخر قد سُفحــوا فاسمعْ، فديتكَ، همسَ الصخرِ والرُجُمِ!
– 2 –
والصخرُ يُرجعُ أصداءً مدوّيــــةً إن ريح لبناننا من طامعٍ فَــــدٍمِ!
* *
*
يا زحلةٌ، زحلتي، معروفةٌ أبــــداً بالضيفِ والسيف في ذا القرنِ والقِدَمِ!
رأيتُ فيكِ رُبى قرطاج مارجـــةً: قد آثرت موتها، لا عار مُنهَـــزمِ!
يا نُبلها فهيَ في الهيجاءِ مأســـدةٌ: مناعـةُ الغابِ من تزأرِها النَهِــمِ!
وفي السلامِ حماماتٌ مجنّحــــةٌ ورقصةُ الراحِ للشقراءِ والشِيَــمِ!
مدينة الشعرِ في أعلى روائعِـــهِ، وهل بدونكِ أسيافٌ على الظُلُـمِ!؟
نهرانِ أنتِ إذا راياتنا عطشـــتْ أجريتِ نهراً مِنَ الشجعانِ بالعَلَـمِ!
هذي البطولات أوحتْ أن يزحلنها الدنيا على فرح الوجدان والرَنَمِ!
“سعيدُ”، كم عبقريٌّ تفخرين بــهِ وكلُّ لبنان حتى حشرنا، فعِــمِ!
* *
*
ساءلتها “رِندلى”: “لِمْ أنتِ شاحبــةٌ والحزنُ يسكن في فستانِكِ الفَخِـمِ!؟”
قالت: “سعيدٌ جمالي كان يخلقُـــهُ واليومَ صِرتُ الى التهجيرِ واليَتَـمِ!
– 3 –
الشِعرُ ليس تقاطيعاً وفلسفـــــةً إلاّ جمالُ الجوى: صاح الفؤادُ: “دِمِ”!
وليس يصدفُ أنّ البدع في غــزلٍ ملءَ العصورِ، بعينيها وبالبَســمِ! (2)
بزنبقِ القمرين الخلفِ مخبئهــــا فالمسْ بعينيــك، والحُرْمات لا تَلُـمِ!
الشِعرُ إمرأةٌ في هدبِها حبــــــقٌ وفي المفاتِنِ “نحتُ” اللهِ، والجِسِـــمِ!
فاعشقْ تَصِرْ شاعراً، بل شاعــرٌ ملكٌ وَضِعْ، فِداكَ الهوى، في البوحِ والحُلُم!
* *
*
“سعيدُ”، عفوك كانت “رندلى” بفمــي مَن مثلها غزلاً يختالُ في الوَهَـــمِ!
لو بعضَهمْ شِعرهُ في المجدِ قد قـرأوا لما حَنوا رأسهم إلاّ لِذي العِظَــمِ! (3)
“قدموس” لو قرأوا حتما لعملقهــم: بدون عملقة نبقي على السقـــمِ!
جمعتَ في الشِعرِ فخر الدين محتدماً إلى رؤى المتنبي في شفا النُجُــمِ!
ففي قوافيكَ من أسيافِ “عنجـــرةٍ” وشمخةُ الشاعرِ العالي على الرِمَـمِ!
حلفتُ بالله لا أُجري مقارنـــــةً فأنتَ في الشِعرِ ربُّ الشِعرِ والكَلِـمِ!
– 4 –
فقُلْ لِمَنْ حكموا لبنان تحفزهـــم: “للموت إن لم نكن للمجدِ والقِيَــمِ!”
وقلتَ: “كلُّ تراباتي مقدســـــةٌ: قانا كزحلةَ يوم المسِّ بالحُـــرُم!”
والعنجراتُ، بلى، أكدتها أبــــداً: شعبٌ بلا النور قطعانٌ منَ الغَنَــمِ!
* *
*
جُلُّ السياسة في لبنانَ مصلحـــةٌ متى السياسةُ كالأرزات في الشَمَـمِ!؟
يا بئسَ بعض دكاكين مذهّبــــة تبيع لبنان بالرنّـانِ والإثِـــــمِ!
ويحُ البلاد سياساتٌ مرقّعـــــةٌ تقضي بلبناننا حتماً الى العَــــدَمِ!
* *
*
“سعيدُ” انظرْ، دمُ الأطفالِ منسكــبٌ على رُبى القُدسِ والسفّاحُ في غُنُـمِ!
ألستَ مَن قالَ: “لا أنساكِ أيا قُـدُسٌ فلتُقرعِ السوْرُ والأجراس في الأمَم”!؟
اللهُ يسمعُ في العلياءِ ندبهـــــمُ، يحصي الدموع ليومِ الحشرِ والحُكُمِ!
والعُربُ لاهونَ عن حقٍ وعن شرفٍ كأنما قد أصيبَ السمعُ بالصمـــمِ!
عدوّهم داسها أقداسهم عَمَــــداً وأيُّ ردٍ من “الموتى” سِوى الشَتـمِ!؟
هيهاتِ ما هانَ أحرارُ لمغتصـــبٍ مهما توحّشَ في التقتيـلِ والعَتَــمِ!
– 5 –
كم عِنـادٍ؟ على الأجراحِ ما رضخوا: فالحقُّ إنْ تسقِهِ الأجراح يلتئِــــمِ!
وكم حديدٍ على المصلوب منحطــمٌ: فالحقُّ منتصرٌ والسيفُ في حَطَــمِ!
* *
*
أبا الفوارسَ (4)، هل ما تت كرامتهم والجاهلية في الخفْقــاتِ والعَظَـمِ!
في الشرقِ والغربِ ضجّوا من تنابذهم وربّكَ الفردُ كم عانى من “النَــدَمِ”!؟
ويحَ الطواغيث: أشرافٌ بِلا شـرفٍ وطغمةٌ تعليَ الأقطابَ كالهـــرمِ!
كبّوا الإباءَ على أذيالِ غانيــــةٍ ومرّغوا الرأسَ في أذيالِ منتقِــمِ!
* *
*
وصحتَ: “لبنانُ للأزمانِ مؤتلــقٌ”، سَلِ الصخورَ التي ثارت على البَكَمِ! (5)
أهلي السلام سما، فالعزّ يعرفهــم والعزمِ أيضاً، فما ناموا على ضيَـمِ!
أهلي الكراماتُ أهلوها هُمُ، وهُــمُ في سورةِ السيفِ عقلٌ السيفِ والقَلَمِ!
* *
*
– 6 –
“سعيد” تشعلُ في أقلامنا لهبـــاً في حبّ لبناننا كالنارِ لحــفَ دمِ!
من كان مثلكَ لا تفنى بدائعـــهُ: لبنان يغرفُ من أمجادكَ اليُتُــمِ!
جرحي عليكَ رحيبٌ في مساحـتهِ، وإذْ أجرّحُ لا أبكي على العِظَـمِ!
أراكَ فوقَ شفاهِ الغيدِ زغــــردةً وفي الشبابِ اللظى في كلّ مصطدَمِ!
“سعيدُ” مثلك، في الأبعـاد لا أحـدٌ: أحببتَ لبناننا كالعاشِقِ السَــــدِمِ!
“سعيدُ” ذِكرُكَ باقٍ ما الوفاءُ بقــيَ في القلبِ تلهِبُ، في الأحلامِ والذِمَمِ!
في شِعركَ الفردِ، فاخلِـدْ في روائعهِ خلّدتَ لبناننا، قال الرحيمُ: “نَـــمِ”!
* *
*
“سعيدُ”، لبنانُ من موجٍ الى قِمَــمٍ، ومكّةٌ، حجّهـا والقدس في جَهَـمٍ!
جميعها ركعتْ، صلّتْ لشاعرهـا ليمطرَ اللهُ من رحماتِـهِ الدِيَــمِ!
*****
(1) في رثاء سعيد عقل
(2) اشارة الى لوحة لا جوكوند La Joconde
(3) الله
(4) – عنترة
(5) – اشارة الى صخور نهر الكلب
*****
بالاشتراك مع aleph-lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com