نظافة ونظام

الكاتب والإعلامي بلال حسن التل

يتحدث الكثيرون منا بإعجاب كبير عن مستوى النظافة والنظام في مساجد اندونيسيا وماليزيا، ولدى الحجاج bilal talمن هاتين الدولتين الإسلاميتين أثناء موسم الحج من كل عام. وأثناء زياراتي المتتالية مع عدد من الوفود الأردنية إلى مؤسسات حركة الخدمة في تركيا، كنت أسمع من الزملاء والزميلات المشاركين في هذه الوفود أحاديث الإعجاب عن مستوى النظافة والنظام في هذه المؤسسات ومن ثم في مصلياتها ومساجد تركيا عمومًا.

فهل نسي المبهورون بمستوى النظافة والنظام لدى الأتراك والماليزيين والأندونيسيين، أن النظام والنظافة ركن من أركان الإسلام؟ بل أن أول سورة من سور القرآن الكريم نزلت على محمد كرسول هي سورة المدثر، التي أمرته بالنظافة ببُعديها المادي والمعنوي بقوله تعالى:»يا أيها المدثّر قم فأنذر، وربك فكبّر، وثيابك فطهر، والرجس فأهجر» – سورة العلق كانت إبلاغًا بالنبوة – ثم هل يجوز للمسلم أن يصلي أو يصوم وهو على جنابة؟ والطهر من الجنابة تعني الاغتسال – أي النظافة -. وهل يجوز للمسلم أن يصلي دون وضوء؟ والوضوء هو عملية غسل تتكرر أكثر من مرة في اليوم لأجزاء مهمة في جسد المرء. وهي عملية تطهير وتنظيف.. أي أن النظافة جزء من الصلوات الخمس المفروضة على المسلم.

ما ينطبق على الصلاة والصيام ينسحب أيضًا على الحج.. بل إن الدخول في الإسلام كدين يشترط له أن يكون الإنسان طاهرًا أي نظيفًا. لذلك يطلب ممن يريد أن يدخل في الإسلام أن يغتسل قبل النطق بالشهادتين ليدخل الإسلام نظيفًا طاهرًا. فالإسلام هو دين النظافة. والمسلم يجب أن يكون نظيفًا في مظهره ومخبره، تأسيًا برسول الله عليه الصلاة السلام، الذي كان قدوة في الأناقة والنظافة، ويكفي أن نتذكر أن رسول الله كان يوصي بأن نسبغ الوضوء، وأن نكثر من السواك حرصًا على نظافة أسناننا وسائر أعضاء جسدنا.
كثيرة هي أحاديث رسول الله التي تحث على النظافة والجمال في كل مكان، خاصة عند المساجد. إنفاذًا لأمر الله تعالى:» خذوا زينتكم عند كل مسجد» لذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان الله جميل يحب الجمال».

والجمال هو ذروة النظافة. وكثيرة هي أيضًا الأحاديث والروايات عن تعلق رسول الله بالنظافة والتطيّب، ويكفي ما ورد في أحاديثه عليه السلام قوله:»حبب إليّ من دنياكم الطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة». فرسول الله الذي أوصى كل هذه الوصايا بالنظافة والجمال والعطر. ولم يكتفِ بمجرد التوصية النظرية، بل مارس ذلك ممارسة عملية في كل سلوكه، خاصة مظهره عليه السلام. لا بد ان يكون أتباعه في ذروة النظافة والنظام، ليس في ملابسهم فقط، ولا في مساكنهم فقط، ولا في متاجرهم فقط، بل في كل شيء وفي كل مكان. وعلى رأس الأماكن الطرقات، لقوله عليه السلام:»إماطتك الأذى عن الطريق صدقة» وكثيرة هي الأحاديث النبوية التي تحثُّ على نظافة الإنسان وبيئته.

وإذا كانت النظافة عنوان المسلم فإن صنوها النظام، ويكفي في هذا المجال الإشارة إلى فضل صلاة الجماعة وشرطها استواء الصفوف، وهو تدريب عملي يومي للمسلمين على النظام، فإذا كانت النظافة وصنوها النظام، خُلقين متلازمين من أخلاق المسلم، فما سر دهشتنا وإعجابنا بسلوك إخوتنا الأتراك والاندونيسيين والماليزيين، ومستوى النظافة في مساجدهم ومؤسساتهم وقد سبقناهم إلى الإسلام؟.

هل هو افتقار الكثير من المؤسسات التي تحمل عناوين الإسلام في بلادنا إلى الكثير من صفات النظافة والنظام، إلى الدرجة التي تجعلنا نصاب بالدهشة والإعجاب عندما نرى مؤسسات إسلامية نظيفة ومنظمة خارج بلدنا؟ أم هي الرثاثة في المظهر التي يكون عليها الكثيرون من العاملين في المؤسسات الإسلامية، خاصة المساجد.. علمًا بأنه لا علاقة بين النظام والنظافة والفقر. فالنظافة والنظام ثقافة وأخلاق، تحلّى بها صحابة رسول الله، والكثيرون من المسلمين في أندونيسيا، وماليزيا، وتركيا رغم فقر نسبة عالية منهم.
تُرى، هل تعجز المؤسسات الإسلامية في بلدنا عن الارتفاع إلى المستوى المطلوب من حيث النظافة والنظام، بحيث تصبح نموذجًا يقتدى به لسائر المؤسسات الأخرى؟.

والجواب عندي: إن الأمر غير ذلك، وانه بالتركيز على الثقافة الإسلامية الحقيقية مع قليل من الإرادة والإدارة، يمكن ان تؤدي المؤسسات الإسلامية الدور المطلوب منها في هذا المجال، وقد قدمت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدليل على ذلك مؤخرًا. فكل من يدلف من باب الوزارة يجد التغيير الايجابي الذي طرأ عليه، والذي نأمل ان يصحبه رقي في التعامل الإنساني يليق بالرسالة التي تحملها الوزارة.

وأملنا كبير بوزير الأوقاف الذي نعلم انه يصل كلالة الليل بكلالة النهار في سبيل ذلك.
غير مركز وزارة الأوقاف، فإن الزائر أيضًا لمديرية تنمية وإدارة أموال الأوقاف، يُسرُّ لمستوى النظافة والنظام، الذي تتصف به هذه الإدارة. مما يؤشر على انه بالقليل من الجهد والمتابعة ومن التنظيم للموارد البشرية، نستطيع أن نفعل الكثير، ليس على مستوى النظافة والنظام فقط. بل على سائر المستويات الأخرى. فهل تكون المؤسسات التي تحمل العنوان الإسلامي هي الرائدة في هذا المجال. وبذلك تقدم دعوة عملية للإسلام من خلال النموذج القدوة؟.

*****

(*) صاحب جريدة “اللواء” الأردنية 

اترك رد