الأديب إيلي مارون خليل
إحلم! تنمُ! يا رجل!
فالحلمُ طاقةٌ فنّيّةٌ مُبدِعة خَلّاقة. تُولِّدُ الفنّ على ضُروبه: كلمةً، نغمًا، حركةً، لونًا، شكلًا… أو أيّ فنٍّ آخر، وسيكون نسيجًا منسجِمًا ومتناغِمًا من فنّين، أو أكثر. ألسّينما، مثلًا، هي قصّةٌ، أو رواية، في الأصل، ينطلق كاتبُ السّيناريو منها، مطعِّمًا إيّاها برؤياه الخاصّةِ النّاتجة عن تأويله وأحلامه؛ وفي أيّ فيلمٍ، موسيقى تصويريّة، أي الأنغام؛ والدّيكور، أي الرّسم…
ما دخلُ هذا بالـ”نُّمُوِّ”!؟
لا شكّ في أنّ الفنَّ، أيَّ فنٍّ، غذاءٌ للفكرِ، للقلبِ، للخيال… يفتح الآفاقَ الوِساعَ أمامك، فيسرح خيالُك مُلتَقِطًا صُوَرًا قريبةً وبعيدةً، عميقة وخصبة، تتناسلُ بعضُها من بعض، مرتفعةً بذوقِكَ، بحِسِّكَ الفنّيّ الجماليّ، ما ينعكسُ في شخصيّتكَ، وعليها، عَيشًا وحياةً، بشكلٍ أكثرَ رُقيًّا، وأعمقَ حِسًّا إنسانيًّا.
وكذلك القلبُ، يا صاحِ! فالفنُّ يَصهرُه، يُذيبُ ما فيه من شَوائبَ ونواقص، ويُنَقّيه ممّا فيه من رواسبِ الأنانيّةِ وعدم محبّة، ويُرقِّقُه فيشفّ حتّى لَتحْسبه عطرَ الأحلام، ويُرقّيه حتّى لَيُصبِحَ نبيًّا رائيًا، أو قدّيسًا مميَّزًا.
وللفكرِ، يا رجلُ، دورٌ لافتٌ في نموِّ الإنسان! فهو يوسِّع المَدارِكَ، يجمع المعارفَ، يثقِّف. إتّساعُ المَداركِ، يُحَسّنُ السُّلوكَ، ويرفع مستوى العيشِ والحياة. والفكرُ ثقافة تختمرُ وتُخمِّر، فينضج العقل ويُثمِرُ، ما يظهرُ في حُسن التّصرُّف، لَياقةِ التَّواصُل، عفّةِ الّلسان؛ كما نشهدُ أثرَه في رقّة الإحساس، رِفعةِ الذَّوقِ، سُموِّ الحضارة…
على هذه الأسُس، ومنها، وفيها، يبدو أنّ الفنَّ الجميلَ يُنَمّي خيالَ الإنسانِ، أيِّ إنسانٍ، أكان فنّانًا، أم متلَقِّيًا بوعيٍ وفهمٍ، ذلك أنّ أيًّا من القارئَ الرّاقي، والسّامع الرّهيف، والمُشاهد الثَّقيف، مبدِعٌ آخر. فكلا المبدِع والمتلقّي شريكان يُكمِلُ واحدُهما الآخر. بل يتفوّقُ المُتَلَقّي، في أحايين، بخاصّةٍ إذا كان ليقرأ، أو يسمع، أو يُشاهد، أو يلمس، أو يتذوّق… بوعي وفَهم وثقافة وإحساس، فيأتي التَّأويلُ غنيًّا، عميقًا، يُضيف على الفنّ ما يجمِّلُه ويُثريه…
ومن ثمّ، هل يتطوّر إنسانٌ لم يتعرّف الفنّ، أيَّ فنٍّ!؟ أيَرقى ذَوقٌ، ويرقُّ شعورٌ، ويخصب خَيالٌ، ويعمق فكرٌ، ويميِّز لَمْسٌ، ويَرهف سمعٌ… أتتمُّ هذه كلُّها، معًا، وفي كلّ أين، وكلّ متى، من دون الفنون!؟
وهذه، بعدُ، أليست هي ما يُنمي الشّخصيّةَ!؟ أليست هي ما يجعل الإنسانَ أسمى المخلوقات قِيَمًا، وأبعدها رُقِيًّا، وأنقاها نزاهة ضمير، وأرقاها حياةً، وأبهاها حضارة!؟
فكيف لا تكون الفنونُ، إذًا، مُنَمِّيةَ الإنسان على كلّ صعيد فكريّ، وِجدانيٍّ، نفسيّ، حياتيّ، حضاريّ!
فاحلم! إحلم، يا رجل، إن أردتَ أن تكون أفضلَ نُمُوًّا… حقًّا! إنّ الفنّ يرقى بك إلى أقرب ما يمكن من المِثال!
ألسّبت 20 أيلول 2014