الباحث خالد غزال
تواجه القضية الفلسطينية معضلات ومؤامرات لم تتوقف منذ ولادة هذه القضية، بعضها من المشروع الصهيوني وحلفائه، وبعضها الآخر من أهل البيت الفلسطيني والعربي. لعل اخطر ما تواجهه فلسطين اليوم هو ذلك الإصرار الصهيوني على اعتبار اسرائيل دولة قومية لليهود.
لم يكن هذا المشروع في اصل قيام دولة اسرائيل التي كانت تدعي انتساباً الى الديموقراطية الغربية والى المساواة بين المواطنين فيها بصرف النظر عن الجنس او العرق. ظل الصراع مفتوحاً حول هذه النقطة بين من يدفع بتكريس اسرائيل دولة يهودية صافية، وبين من يتمسك بتعدديتها مع الغلبة للعنصر اليهودي.
خلال العقود الماضية، ومع تصاعد الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وإصرار الشعب الفلسطيني على انتزاع الحد الادنى من حقوقه في دولة مستقلة على قسم من فلسطين، وما تبع هذا الصراع من ردود فعل عنفية اسرائيلية اولاً ثم فلسطينية،
كان المجتمع الإسرائيلي يندفع تباعاً نحو التطرف، وكان صعود الأحزاب الدينية والقومية اليمينية يأخذ أحجاماً مؤثرة في الحياة السياسية لاسرائيل وفي المجتمع نفسه. وصل التطرف اليهودي ذروته اليوم مع توصل الحكومة الإسرائيلية الى قانون يحسم في قومية الدولة الإسرائيلية في وصفها دولة يهودية، غير مكترثة بردود فعل عالمية ومعترضة.
يحمل القانون الجديد مخاطر فعلية على الشعب الفلسطيني المقيم في أراضي ما يعرف بـ48، وهي مخاطر ناجمة عن ان القانون سيخلق آلياً تمييزاً بين السكان اليهود والفلسطينيين بما يحرم أبناء فلسطين جملة حقوق مدنية وسياسية لا يزالون يتمتعون بها، على رغم ان معظم الممارسات الاسرائيلية، على الأرض، انما تنبع من تمييز فعلي ضد الشعب الفلسطيني.
لكن الخطر الأكبر الذي بدأ يلوح ويجري التعبير عنه علناً هو ما يتصل بالمشروع الإسرائيلي لطرد السكان الفلسطينيين من أراضيها، حيث لا تكتمل يهودية الدولة بوجود حوالى عشرين في المئة من السكان العرب على أرض فلسطين. في ظل وضع عربي باتت القضية الفلسطينية في آخر اهتماماته، وفي ظل انقسام فلسطيني مستفحل، لا يعود هذا المشروع الإسرائيلي مستحيلاً.
في مقابل هذا الخطر الإسرائلي، تواجه فلسطين خطرا لا يقل أهمية وهو المتمثل بإصرار حركة حماس على الانقسام الفلسطيني واحتكار السلطة في قطاع غزة. لم يتوقف الانقسام الفلسطيني يوماً بين فصائل المقاومة، وفي كل مرة كان يعبر عن نفسه بأشكال مختلفة ووفق ما ترغب به بعض الدول العربية المتدخلة في شؤون القضية.
لكن أخطر الانقسامات تلك التي نفذتها حركة حماس في عام 2007 في قطاع غزة، وجعلت من القطاع إمارة تحكمها الحركة وتخوض عبرها حربها ضد منظمة التحرير الفلسطينية. هذا الانقسام، في أسبابه الداخلية، تعبير عن أيديولوجيا حركة حماس الاقصائية والاستئصالية وغير القادرة على التعايش مع القوى الأخرى، ونابع ايضاً من التدخلات الخارجية المصرة دوماً على اخذ القضية الفلسطينية الى موقعها، والتلاعب بها بما يخدم مصالحها. على امتداد السنوات الماضية كانت إيران وسورية عنصرين محرضين ومساعدين على الانقسام وعلى دعم «حماس» ومنع اي مصالحة فلسطينية.
خلال هذا العام، وتحت وطأة مأزق حكم حركة حماس نفسه، والشعور الفلسطيني العام بضروة الوحدة، لاحت للفلسطينيين فرصة استعادة وحدتهم من خلال المصالحة التي تمت، وترتب عليها تعيين حكومة وحدة فلسطينية. تفاءل الشعب الفلسطيني بهذا الإنجاز، وعبّر عن إصراره على الوحدة خصوصاً خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع خلال الصيف الماضي. لم تدم الفرحة كثيراً، ليفاجأ الشعب الفلسطيني بان ما قبلت به حماس لم يكن سوى لحظة عابرة أرادت منها تخفيف وطأة أزمتها، فعبرت عن موقفها الحقيقي خلال التحضير للاحتفال بذكرى استشهاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما عمدت الى تنظيم سلسلة تفجيرات ضد قيادات حركة فتح قبل أيام من الاحتفال. أرادت حماس من هذا المسلك إعادة مربع المصالحة الى الصفر، وكشفت زيف ادعاءاتها الوحدوية.
ما قامت به «حماس» هو التعبير الحقيقي عن مشروعها برفض الانضمام الى فلسطين، والإصرار على اعتبار قطاع غزة إمارة إسلامية تتجاوز الحدود الفلسطينية نحو العالم الإسلامي. منذ صعود «حماس»، شكل الخروج عن الموقع القومي العربي الذي مثلته القضية الفلسطينية، ولا تزال، عنواناً مركزياً لسياسة حركة حماس التي سعت ولا تزال الى ربط القضية الفلسطينة بأحلاف طائفية ومذهبية، تشكل في جوهرها أخطر الوسائل لضرب القضية الفلسطينية في العمق، وهو مسلك لا يقل خطورة عن المشروع الصهيوني الزاحف نحو تكريس اسرائيل دولة يهودية القومية.