الأديب ميشال معيكي
سعيد عقـل ، الى المدى الارحب . تأبط عصرا ومشى الى ذاكراتنا الجماعية .
نادراً أنْ شاعرٌ اكتنز هذا الكمّ الهائل من المعرفة والنهم في الإستزادة !!! في الشعر والسياسة وسحر اللغة والسبك والتاريخ والجغرافيا والأرقام ، واللاهوت …
سمعته مرة يقول : ” أنا اختصاصي بالله ” !!
صنع مجداً للبنان ” كما الأعمدة “…
غنّـى تاريخاً وأغنى لنا زمنا ً…
كتب – كما لا أحد – شعراً ونثراً وفكراً.
غنّت فيروز قصائده ، فاستفاق العرب على أمجادهم : من برَدى الى دجلة فالنيل ، وصولا الى قدسِ الناصري وحرم الإسلام…
سعيـد عقـل القصيدةً ، ذاكرة لبنان الاجمل بأبهى حروفها…
آمـن بالعلم فاعتبره ” قصيدة القرن العشرين “.
وحُلمه منذ الصغر ، ان يكون مهندساً فدرّس الرياضيات …
شاعرُ معرفيّ ، إنسانوي، مثالي ، شطحٌ الى المدارات الأخرى، غزِِلٌ، عنفواني حتى الهوس.
صاحب مدرسة في الوطنية وتأليه الوطن الى طوباوية مدى لبننة العالم!
الى ذلك فهم سعيد عقل هموم زمانه : في السياسة وجغرافيا الجوارات ومنطق التاريخ.
وعى باكراً خطر إسرائيل على لبنان …
في العام 1954 في محاضرة في الندوة اللبنانية : ” ان عشرين مليون يهودي ضاربين في انحاء العالم ، استحال عليهم الذوبان في الشعوب. جاؤوا الى الشرق الرقعة التي احتلوها لا تسعهم وطبيعتُها لا تؤمّن اقتصادهم… ثم هم يعرفون ونحن لا نعرف ان لبنان هو حاووز الماء الوحيد في دول الشرق وهنا بيتُ القصيد ” ؟؟ ويكمل : ” لا يمكن ان نغلب اسرائيل بآراء سياسية يلوكها سياسيون غارقون في الجهل . اسرائيل خطرٌ، تطمح الى التوسع الدائم ، ولا يمكننا التغلّب عليها الاّ بالرياضيات والعلم والتكنولوجيا “..
ذات يوم ترشّح لإنتخابات النيابة ولحسن الحظ فشل وله رأي في السياسيين : ” هل يُصدّقُ أحدٌ من لبنان انّ محض ارادة الشعب ، اوصلت يوما ولو شخصا واحداً الى المجلس ؟ كم نائبا وصل بدون ان يدفع ؟ أو ان يتملّق ويُغوغىء ؟! ”
ويتابع : ” علينا ان نشفق على رجالنا السياسيين كلّما تصدى واحدهم لإزالة أنين النفس اللبنانية “!!
قصته مع عاصي الرحباني ومنصور التي بدأت مطلع خمسينيات القرن الماضي في مدرسته مار افرام زحلة ، استمرت عقوداً… فغنّت فيروز قصائد من رندلى ويارا وكما الأعمدة ولاعب الريشة وغنّيت مكّـة وبعض أغاني العودة … قال فيها : ” فترة الأخوين رحباني من أجمل فترات حياتي ؟؟..
سحر المنابر في المهرجانات وأماسي الشعر . بالبال مطالع القصائد:
عام 76 رثى سعيد صديقه الشاعر أمين نخلة :
” بيني وبينك … لا عرشٌ ولا تاجُ
قُـم نرتقي الخُلدَ ، شعري اليومَ معراجُ ”
وللأخطل الصغير :
” لا مُـذ بكيتُـك ، لكن قبلُ ، مُـذ سكتَتْ
يراعـةُ لك ، قلَّ الهـمّ في الغُصُـنِ
ولأحمد شوقي زائراً زحلة:
على أسمك بين الحورِ أغوى وأهدُرُ
أنا النهرُ ، شوقي ، أيُّنا اليوم أشعَرُ؟
في العام 1983 ، في مطلع قصيدة تشبه نهدة الرحيل كتب :
يوجعني أني سأمضي وشبابي والأملْ
أحمل غابتي معي وسندياناًُ وقلل
أرضُ بلادي وحدها تبقى ، وديوانُ غزلْ
كتبتُها انا على جناحِ عصفورٍ رحلْ
” الشعرُ قبضٌ على الدنيا “… سعيـد عقـل ، أجمل حروفِ كُتبنا في توهّج الذاكرة
عشـنا في زمانـك !
******
(*) إذاعـة صوت لبنـان برنامج “علـى مسؤوليتــي”