صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- الدوحة، كتاب “أمن الطاقة في السياسة الخارجية الأميركية” (224 صفحة، من القطع الكبير) للكاتب عمرو عبد العاطي، يلقي الضوء على أهمية الطاقة في رسم السياسات الخارجية في إدارتي الرئيسين الأميركيين بوش الابن وأوباما.
يدرس الكتاب كيف تتأثر السياسة الخارجية الأميركية بسعي الولايات المتحدة إلى تأمين حاجاتها المتزايدة من مصادر الطاقة التقليدية بصورة كافية وآمنة، لمواكبة نموّها الاقتصادي الذي يُعدّ أحد مصادر قوّتها عالميّاً، ويركز على حدود هذا التأثير خلال إدارتَي الرئيس الأميركي جورج بوش الابن والفترة الأولى للرئيس أوباما، متّخذاً منطقة بحر قزوين دراسة حالة، لتوضيح مدى تأثير أمن الطاقة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه إحدى مناطق الإنتاج الواعدة.
كذلك يتناول الكتاب تأثير أمن الطاقة الأميركي في السياسة الخارجية الأميركية بعد حوادث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001؛ لِما لها من تأثير في أدوات السياسة الخارجية الأميركية ودوائرها خلال إدارتَي بوش، اللتين شهدتا “عسكرة” السياسة الخارجية الأميركية، وخلال الفترة الأولى من إدراة أوباما.
أمن الطاقة
يضم الكتاب فصولاً ثلاثة رئيسة؛ يناقش الفصل الأوّل مفهوم “أمن الطاقة” الذي أضحى في السنوات الأخيرة مصطلحاً واسعاً متعدد الأبعادظ، وينطوي على جملة من الدلالات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية؛ إذ انتقل هذا المفهوم من النظرة الضيّقة التي تركّز على أمن إمدادت الطاقة إلى أن أضحى مع نهايات العقد الأخير من القرن العشرين مفهوماً ذا معنى أكثر شمولاً لمصادر الطاقة المختلفة والتهديدات التي تُعرقِل إمداداتها، مثل العمليات “الإرهابية” التي أصبحت من مهددات أمن الطاقة العالمي والدول المستهلكة والمنتجة على حدٍّ سواء، وكذا البنى التحتية الخاصة بمصادر الطاقة وإمداداتها، وتنظيم سوق الطاقة العالمية، وتأمين الطاقة بأسعار معقولة وملائمة.
ويناقش الفصل الثاني أمن الطاقة والسياسة في السياسة الخارجية الأميركية، مركّزاً على محددات أمن الطاقة الأميركي وسياسات إدارتي الرئيس بوش (الابن) وأوباما الداخلية والخارجية لتحقيقه، وأدوات السياسة الخارجية للإدارتين لتحقيق أمن الطاقة الأميركي؛ فقد رأت الإدارة الأميركية في هذه الفترة أنّ الافتقار إلى تبنّي خيارات متعددة ومختلفة لتحقيق أمن الطاقة الأميركي سيجعلها خاضعة لشروط حكومات الدول ذات الثقل في إنتاج الطاقة وإملاءاتها التي تتعارض مع المصالح الأميركية.
لذلك، تبنّت الإدارتان هدف تحقيق أمن الطاقة الأميركية اعتماداً على شقّين: الأوّل داخلي، يركّز على الاستثمار في الطاقة البديلة المتجددة والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في أميركا؛ والثاني خارجي، يركّز على تقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة، عموماً، ومن منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وتنوّع مصادر الطاقة الأميركية، وتأمين مصادر الطاقة الخارجية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة وطرق إمداداتها.
لكن التطورات التي شهدتها الولايات المتحدة بعد حوادث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، وتولّي مسؤولين ذوي صلات قوية بكبرى شركات الطاقة الأميركية مناصب في إدارة الرئيس بوش، دفعا الإدارة إلى إعطاء أهمية للبعد الخارجي في أمن الطاقة الأميركي، الأمر الذي يظهر تأثير أمن الطاقة في السياسة الخارجية الأميركية خلال فترتَي رئاسة بوش.
بحر قزوين
الفصل الثالث من الكتاب في عنوان: “أمن الطاقة والسياسة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه بحر قزوين”. وقد اختار المؤلف منطقة بحر قزوين لأنّها تُعدّ إحدى المناطق الواعدة في سوق الطاقة العالمية؛ لما تتمتع به من احتياطي نفطي وثروات طبيعية غير مستغلة، ما جعلها منطقةَ تنافسٍ وصراعٍ دوليين، في ظلّ تعقّد العلاقات وتشابكها بين دول المنطقة (روسيا، إيران، أذربيجان، كازاخستان، وتركمانستان). ويطرح هذا الفصل مبحثين؛ يتناول الأوّل احتياطي منطقة بحر قزوين المتوقّع، وإنتاجها المستقبلي من الطاقة، في ظلّ تزايد التنافس الدولي للسيطرة عليها، والعقبات التي تقف أمام استثمارات مصادر الطاقة في بحر قزوين.
يوضح الثاني السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة في ظلّ الرغبة الأميركية في تحقيق أمن الطاقة الأميركي المعتمد على مصادر خارجية، وأهداف السياسة الأميركية في المنطقة، وأدوات سياساتها الخارجية تجاه دول منطقة بحر قزوين، وأخيراً الإجابة عن تساؤل رئيس يطرحه كثيرون في ظلّ التوجّه الأميركي نحو منطقة بحر قزوين، ومفاده: هل تمثّل منطقة بحر قزوين بديلاً من الاعتماد الأميركي على نفط منطقة الخليج العربي، وهل ستكون بمنزلة خليج عربي جديد؟
*****
(*) جريدة الجريدة