برعاية وزير الثقافة روني عريجي، أقامت “مؤسسة حنا واكيم” إحتفالا تكريميا للروائية إملي نصرالله، لمناسبة منحها جائزة المؤسسة لهذه السنة.
حضر الاحتفال الوزيران السابقان دميانوس قطار ومنى عفيش، إضافة إلى مدير عام الثقافة د. فيصل طالب وحشد كبير من الاعلاميين والأدباء والعائلة والأصدقاء.
بداية، رحّب رئيس المؤسسة ايلي واكيم بالحضور، ثم القت الدكتورة الهام كلاَّب البساط كلمة قيّمة تعريفا بالأديبة المكرمة، التي أعربت عن شكرها لمكرميها، كما أعلنت عن اقامتها “بيت طيور أيلول” في قريتها وتخصيص الجائزة لترميمه وإعداده…
وبعد الكلمات، تسلمت نصرالله الجائزة، والدرع التكريمية، وهي عبارة عن منحوتة فنية، صممتها خصيصا للمناسبة رنا البساط، على شكل طير مستوحى من رواية “طيور أيلول”.
جائزة “رواية العام”
بداية القى رئيس المؤسسة إيلي واكيم كلمة قال فيها: “دأبت مؤسسة حنا واكيم الثقافية منذ خمس سنوات على تشجيع الثقافة والفكر والإبداع، وعلى إقامة مباراتها السنوية لاختيار “رواية العام” من قبل تلامذة المدارس، كما، على تكريم أدباء وأديبات تميّزوا بنتاجهم الفريد في تاريخ الفكر أو الرواية أو الابداع في لبنان.
لقد بدأنا المسيرة في السنوات الثلاث الأولى وذلك بدعوة تلاميذ المدارس الخاصة والرسمية، في حوالي عشرين مدرسة، إلى قراءة وتذوّق واختيار رواية لبنانية فائزة من قبل التلاميذ .وفي السنوات الثلاث التي تلت، أصبحنا مشاركين فعليين في نشاطات تربوية وإبداعية لجمعيات لبنانية: لجنة حقوق المرأة وجمعية اللبنانيات الجامعيات. وعكفنا سنوياً على تكريم شخصية أدبية طبعت المناخ الثقافي والتربوي والأدبي بنتاجها الغزير والمبدع والوطني والإنساني”.
وأضاف: “لذا اختارت لجنة الجائزة، التي ترأسها د. إلهام كلاَّب، الأديبة الكبيرة اميلي نصرالله كي نحتفي بها لهذه السنة، وسط إعلاميين، وهي كانت من أوائل الإعلاميات، ووسط أدباء ومثقفين وأصدقاء، تنتمي إلى آفاقهم وتطلعاتهم. هي التي أصدرت عشرات الروايات. وطالعت كتبها كل الأجيال. ولا تزال تسهم بحب واهتمام وإبداع متجدد في إغناء الرواية اللبنانية والفكر الإنساني”.
كلمة البساط
بعد ذلك ألقت د. إلهام كلاَّب البساط كلمة استهلتها بالتوجه إلى وزير الثقافة قائلة: “إن رعايتك حفلنا اليوم، ونحن نكرمُ وجهاً من وجوه لبنان الأدبية العريقة، إنما هو دليل على أننا بالرغم من كل القلق والعتمة والانحدار لا ننسى إنجازات المبدعين الذين صنعوا الزمن الجميل في لبنان… فلا يختفي صوتُ العقل، ولا يخبو صوتُ الثقافة المحيي”.
بعد ذلك قالت: “كيف أعرّف بإملي العزيزة، وهي غنيةٌ عن كل تعريف؟ هي المكتنزةُ بعطائها كشجرة زيتون مباركة.. المتوَّجة بنعمة الكتابة.. المكتفية بفرح ابداعها؟ كيف أقدّمها لكم، وهي التي قدّمت نفسها، بأريحية وكرم طوال حياتها المديدة، وتوزعت قرباناً من حكايات الوطن، وقصص الأجيال، وروايات الناشئة، وحباً يفيض دون مِّنة أو طلب؟ كيف نكرّمها هي التي تعتذر عن أي تكريم وتُجبر على قبول الجوائز؟
انها إملي نصرالله، جميلة ناصعة كاطلالة حرمون الذي ظلّل طفولتَها… خفرة حيية كزهور وسنابل حقول الكفير حيث نشأت.. معطاءة كريمة كما أهل قرى لبنان في أصالة تراثهم… هي أديبة، كاتبة، روائية، إعلامية… وكيان شفّاف… تحول وجهها الجميل إلى أيقونة عند محبيها، وتحول اسمها اللطيف إلى رمز عند تلامذة لبنان، وتحولت رواياتها إلى سجل عاطفي لتحولات تاريخ لبنان، وتحولت حياتها إلى مثال”.
تابعت: “منذ طفولتها في الكفير، وهي الابنة البكر لعائلة من ستة أولاد، شاركتِ القريةَ في قطافِ زيتونها وحصاد قمحها، وأحبت ترابها، بالمقابل استرقت السمع من نافذة مدرسة القرية، تحفظ الشعر والقصص، حيث كان شوقها للمعرفة يسابق عمر دخولها إلى المدرسة/ وحيث كان اهتمامُ خالها الذي لاحظ موهبتَها، ينقلها من مدرسة القرية الرسمية الصغيرة إلى الكلية الوطنية في الشويفات.. وبالرغم من تعلّقها بها… لم تعد إملي إلى القرية… بل توجهت إلى بيروت في زمن كان يشكّل ذهاب فتاة وحيدة إلى بيروت، ولو توقاً إلى العلم، قلقاً وريبة.
درّست إملي في المدرسة الأهلية، وعملت في الصحافة، في زمن كانت الصحافة حقلاً للرجال. وتدرك الاعلاميات الحاضرات معنا الخطوات الجبارة اليوم للنساء في هذا المجال، والتي أسست لها الرائدات بنضال ومثابرة ومسؤولية.
تسجّلت في نقابة الصحافة منذ خمسين سنة، وعملت لمدة خمسة عشر عاماً في “الصياد” و”الأنوار” و”فيروز”، مناضلة للحصول على العلم والشهادات العليا في كلية بيروت الجامعية، وفي الجامعة الأميركية.
عشقت أصابعُها القلم، وشغف قلبُها بالعلم، وكتبت عن مواضيع عديدة في الصحافة، مرددة لنفسها: أنا أنقل مشاعرَ الناس، ولكن من ينقل مشاعري إليهم؟ هنا، كانت روايتها الأولى “طيور أيلول” التي شكّلت علامة فارقة في مسار الرواية اللبنانية، وأضحت من كلاسيكيات الرواية العربية.
نالت ثلاث جوائز عند صدورها وترجمت إلى لغات عديدة، ولا تزال طيور أيلول ترفرف في طبعات متتالية وترجمات كثيرة منذ أكثر من خمسين سنة… ومنذ خمسين سنة لا تزال ناشئة لبنان تقرأ هذه الرواية كنبع وحي ومرمى خيال لا ينضب.
تتالت بعد ذلك الروايات (7) والمجموعات القصصية (10) وسير الرائدات وروايات الأطفال والناشئة..
أكثر من ثلاثين كتاباً من “شجرة الدفلى” إلى “الرهينة”، إلى “تلك الذكريات”، إلى “الاقلاع عكس الزمن”، وا”لينبوع” و”محطة الرحيل” و”الباهرة” و”مذكرات هر”. وقد ترجمت إلى لغات عديدة: الانكليزية، الالمانية، الهولندية، الدانمركية، الفنلندية، التايلاندية، ونأسف لعدم تمكن مترجمها إلى الالمانية الكاتب هارتموت فندريخ، العائد إلى بيروت، من الوصول هذا الأسبوع لمشاركتنا هذا التكريم.
تناولت إملي في رواياتها مواضيع إنسانية ووطنية لا تنضب تنويعاتِها..
• رصدت مآسي الحرب وتداعياتها في “تلك الذكريات” و”خبزنا اليومي” و”يوميات هر”. هذه الحرب التي أحرقت الوطن، وأحرقت بيتها ومكتبتها وبعض ذكرياتها.
• عبّرت عن عزيمة النساء وتوقهن للكرامة في “شجرة الدفلى”.
• اهتمت بأدب الناشئة وهو شبه نادر في تاريخنا الأدبي. وتناولت موضوع الهجرة، الشق الدفين في أرض هذا الوطن والذي ينسج تاريخ لبنان المتبدل مع كل جيل…
نزفٌ وعبرة، ومساحةَ تألق وتحقق… من طيور أيلول المهاجرة/ إلى هجرة القرى/ إلى هجرة الأقرباء والأخوال والشباب إلى وطن/ وهجرة الكهول “عكس الزمن”/ إلى الاحتماء بهذه الغربة في منطقة تقع بين الفرح والأسى، الكآبة والحنان.
وقد سافرت إملي كثيراً لتفقد أهل هذا “الجمر الغافي” الذي أوحى لها في القطب الشمالي بكتاب “على بساط الثلج” وفي فرنسا وأميركا برائعة قصصها “الاقلاع عكس الزمن”، وأغنى مواضيعها وأسلوبها.
جدلت إملي حياتها بأدبها، فكان أسلوبُها رحباً مثلها، وكانت لغتها سهلة صادقة واضحة كآفاق الحقول وبهاء المواسم، وكانت خصبة كريمة كالأرض التي أحبتها…
لا نكرّم اليوم إملي فقط، على إنجازاتها الغامرة وكتبها الغزيرة.. بل نكرّمها على مسارها النضالي، والاعلامي، والفكري، والأدبي، والإنساني، والذي هو صورة عن شخصيتها الكامنة الدفينة، في انسيابها وهدوئها ومواجهتها المُحبَّة للحياة والآخرين.
ان إملي تختصر في شخصها كما في أدبها الكثير من الرموز والقيم، في الأصالة والرفعة، الجدية والمثابرة، الصدق والوفاء، الرقة والشفافية والتضحية والكرم.
اسمحي لي يا سيدتي، أن أحيي حضور كريماتك مهى ومنى وأزواجهن، وأن أرسل سلاماً إلى ولديك في المهجر رمزي وخليل وأن أستدعي، ولو انبعثت الذكريات الحزينة الكامنة، روحَ رفيقك الذي غادر العائلة بألم كبير: فيليب نصرالله، أو “فيلپ” الاسم الذي كنت تنادينه دوماً به.
وختمت البساط: أخيراً… أمام إملي نصرالله تحني رأسك وكأنك تجتاز مدخل بيت قروي نشرت أغصانها فوقه ياسمينة معطاء… تنهمر عليك زهورها البيضاء، وعطرها الخفي، برفق غيمة، وعطاء سماء، ونفحات حب… وتفاجئك – بحضورها وأدبها – كزهورُ الياسمين وهي تتساقط عليك، مطراً شفيفاً، رفيقةً بوجهك، منعشةً لروحك، مذكرةً اياك بأن الجمالَ رقةُ عطاء ونقاءُ أصالة.
إملي.. أطال الله عمرك السخي… وأغنى قلمَك النبيل”.
“فلاّحة تكتب”
وردّت الروائية نصرالله على مكرميها بكلمة مقتضبة، وصفت نفسها فيها بأنها “فلاّحة تكتب”، وقالت:
“يعجز القلم عن ترجمة شعوري في هذه اللحظات، وأنا اتلقّى هذا التكريم الذي أرجو أن أكون مستحقته. نعم، في يقيني أن كل تكريم يأتي من الداخل، ومن أهل بلدك ووطنك إنما هو الإعتراف الحقيقي بك، وبعملك.
وأضافت: “عندما إتصلت بي الدكتورة إلهام كلاّب البساط لتبلّغني خبر إختياري لجائزة حنا واكيم للرواية، لم أكن قد سمعت بتلك الجائزة، إنما قبلتها مع الشكر قبل أن التقي مانحيها والتعرّف إليهم، إذ شعرتُ بأنها تُترجم عملا نبيلا، ووفاءً يُقتدى به، من تكريم الأبناء لوالديهم، كما أنها تحمل معنىً مزدوجاً، نأمل بأن يٌصبح مثالاً، ويترجم هنا بتكريم الولدين، (الوالد) في هذه المناسبة، إذ أن العودة إليه تعني العودة إلى الجذور، كما تعني محبّة الوطن في أبنائه العاملين لمجده وكرامته، والكتّاب والفنانون من بعض هؤلاء.
أمّا أن تأتي المناسبة في هذا الزمن الصعب، وحين لم يعد الكتاب من الأولويات، ما عدا، ربما، في بعض المعاهد، فإن الجائزة تكتسب معنى خاصاً ومميزاً.
لقد مضى على نشر روايتي الأولى “طيور أيلول” ما يزيد على نصف قرن، ولا تزال، مثلها مثل سائر رواياتي، تُقرأ وتدرّس في المعاهد، ذلك لأني، عندما أكتب،أغمّس قلمي بتربة أرضي ووطني. أمّا الناس الذين عنهم أروي، فهم أهل بلدي، وتمتزج همومهم بهمومي، وتطلعاتهم وآمالهم هي زهرات أحلامي. وربما لذلك كان الإقبال على مطالعة قصصي ورواياتي. ولا أقول ذلك لكي أحصر التأليف القصصي في مكان معيّن، أو زمان بالذات، إنما لأُفشي بعض أسرار هذا الشغف لديّ للإستمرار في العمل؛ وأصف نفسي، في بعض الأحيان، بأني
“فلاّحة تكتب”، وفي الواقع، اني من هناك جئت، من أرض الفلاحين الذين، برغم عسْف الزمن وشحِّ المواسم، لايزالون متمسّكين بالمحراث، ومتشبثين بالأرض التي أنبتتهم.
أكرر شكري وإمتناني لحضوركم معي في هذه المناسبة. وأخصّ بالشكر الوزير عريجي والأستاذة الدكتورة إلهام كلاّب، كما يعجز قلمي ولساني عن التعبير لعائلة حنا واكيم، وخصوصا أولاده: أيلي، بشاره وأنطوانيت، ووالدتهم، عن شكري وإمتناني، آملة أن يصبح فعلهم هذا قدوةً ومثالاً، ولتبق ذكراه خالدة”.
كلام الصور
1- إملي نصرالله تتوسط مكرميها.
2- نصرالله تتسلم من وزير الثقافة المنحوتة الفنية المستوحاة من روايتها “طيور أيلول”.
3- … والجائزة من رئيس مؤسسة حنا واكيم الثقافية.
4- د. إلهام كلاّب البساط تلقي كلمتها.
5- صاحبة “طيور أيلول”.
****
بالاشتراك مع aleph-lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com