لبت الأسرة الأكاديمية والإدارية لجامعة الحكمة ومجلس الأمناء فيها ومجلسها الإستراتيجي وهيئات القدامى والطلاب، دعوة رئيس الجامعة المونسنيور كميل مبارك للمشاركة في قداس افتتاح السنة الجامعية الذي حمل شعار “سنة المكرسين” رفعت خلاله صور للبابا فرنسيس والحبيس يوحنا خوند والخوري داود كوكباني.
احتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة ولي الحكمة المطران بولس مطر في القداس، أحاط به المونسنيور مبارك ونائبه الخوري خليل شلفون والأب القيم الخوري سليم مخلوف والأب المرشد الخوري بيار الشمالي.
مطر
بعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران مطر عظة، قال فيها: “نذكر اليوم في صلاتنا، أولا، سيادة أخينا المطران منصور حبيقة راعي أبرشية زحلة الذي لبى دعوة المسيح إلى بيت الآب منذ أيام، وكان معلما كبيرا في كلية الحقوق الكنسية في جامعتنا. نسأل الله له ثواب الرعاة الصالحين”.
نحن اليوم، نقدم سنتنا الجامعية هذه مع أتعابها وأفراحها وألامها وآمالها كلها، مع القربانة، ليقبل الله منا ومنكم كل جهد نقوم به من أجل وطننا لبنان وجامعة الحكمة، لعله يوفقنا، فنعطي في عملنا ثمارا كالثمار التي حدثنا الرب عنها، في إنجيله الطاهر. هذا تقليد درجنا عليه ودرجت عليه الجامعات في كل أقطار العالم، إذ يقام قداس نسميه، قداس الروح القدس، نسأل فيه الروح روح الحكمة وروح الفهم وروح القوة الإلهية، ليبارك مساعينا ولأن يعطينا منه لنقوم بعملنا الجامعي بحثا عن الحقيقة خير قيام. وفي هذه السنة سنعيد معكم أيها الأحباء يوبيل مرور مئة وأربعين سنة على تأسيس جامعة الحكمة ومدرستها. وقد أقمنا مع الآباء الرؤساء مؤتمرا صحافيا في دار المطرانية، أطلقنا فيه هذه الأعياد التي تتوالى، شاء الله علينا وعليكم بنعم وخير.
واجب علينا والتزام ضميري، أن نستخلص العبر من كل هذه السنوات التي مرت الجامعة فيها وعملت وتعبت خدمة لوطننا وللمنطقة كلها. تعرفون أن المطران المؤسس المثلث الرحمات يوسف الدبس، الذي تولى مقاليد الأبرشية من العام 1872 حتى عام 1907 كان عنده هذا الحلم. أول ما وصل إلى الأبرشية، وكان رؤيويا كبيرا، أراد أن يبني جامعة الحكمة ومدرستها، وكان مدركاً في قرارة نفسه أن لبنان لن يقوم إلا بعودة كل أرضه إليه وبوحدة شعبه وبنيه حول مشروع واحد يقومون به معا.
كان همه مستقبل لبنان. والمؤرخون يقولون، إنه أول شخصية تاريخية صورت فكرة الميثاق الوطني والعيش المشترك في لبنان على أساس واقع دستوري وسياسي واحد، وصولا إلى هذه الغاية رأى في المدرسة مساحة تلاق بين كل أبناء لبنان ومن كل طوائف. مدرسته كانت مدرسة مارونية المنشأ، هو ونحن فخورون بها، لكنها لم تكن مارونية القصد، بل كانت مارونية لبنانية، لا بل لما هو أبعد من لبنان.أول جامعة ومدرسة مارونية في تاريخ الكنيسة ولبنان كانت الحكمة بفضل المطران الدبس الرؤيوي الكبير. في مدرسته إلتقى اللبنانيون من كل الطوائف وتحابوا وتعاونوا على كسب العلم وعلى كسب الصداقات والمودة. فأدركوا أن لبنان المستقبل لن يُبنى على المواثيق والعهود ولا على التوازنات، مع ما لها من ضرورة وقيمة، لكن لبنان يبنى على محبة اللبنانيين بعضهم لبعض وعلى وحدتهم ليكونوا شعبا واحدا ولو متنوع الثقافات والإنتماءات.
لا يمكن لوطن أن يكون وطنا واحداً، دون أن يكون في شعبه وحدة وتلاحم مصيري. فكانت الحكمة تسعى إلى هذا الهدف أولا. طبعا كمدرسة أكاديمية وجامعة، كانت الحكمة تلامس كل الممكنات من حيث العلم والتقدم والتكنولوجيا، أراد أن يبني مدرسة مهنية مع الجامعة، انفتح على كل الثقافات المعروفة أنذاك، ربط الغرب بالشرق، لكن لبنان كان همه الأول. لبنان يبنى على الحرية التي تميزنا بها، على كرامة الإنسان فلا يكون بيننا سيد وعبد، كبير وصغير، بل يعترف بعضنا ببعض إعترافا متساويا. لكن لا يتحقق ذلك ما لم تكن فينا محبة بعضنا لبعض.
الحكمة أدخلت إلى لبنان معادلة المحبة بين الناس والطلاب في الحكمة من أي طائفة كانوا يشعرون أنهم في بيتهم وأن الحكمة لهم جميعا. يعرفون هويتها ولكنهم يعرفون مقاصدها أيضاً، أتمنى أن تحافظ على هذه الروح ضمن احترام القيم والحريات على أنواعها.
المطران المؤسس أدخل إلى الحكمة دراسة الحقوق من أجل أن يبني في لبنان ثقافة حقوقية جديدة. لا يمكن لوطن أن يقوم من دون دساتير ومن دون حقوق وأنظمة، لا يبنى على المحبة وحدها، المحبة تتجسد. فكانت له الفكرة بأن ينشء معهد الحقوق ليدرس الشرع الإسلامي ليشعر المسيحيون والمسلمون أنهم يقومون بعمل موحد. مدرسة الحقوق في الحكمة سبقت كل المدارس مثيلاتها بأربعين سنة. ونحن اليوم، نحمدالله على أنها تستمر بالزخم عينه خدمة للبنان واللبنانيين وللمنطقة بأسرها”.