الشاعر هنري زغيب
مع أَنه اختصاصيٌّ في عُلوم الكومــﭙــيوتر وإِدارة الأَعمال، وكتبَ عن التجارة الإِلكترونية والريجيم وقراصنة الكومــﭙــيوتر، تولّى أَن يكتب عن بيروت ويفتتحَ كتابه بجدارية شفيعها مار جرجس أَو الخُضر.
الكاتب: شربل الغريِّب، والكتاب: “بـيروت عبْر التاريخ”، إِصدارٌ خاص سنة 2013 في 378 صفحةً، أَهداه منذ البدء “إِلى الأَرواح الطاهرة التي ماتت من أَجل بيروت، وأَعطت عمْرها لبناء بيروت، وكتَبَت ونَحَتَت وغنَّت بيروت”.
ويروح المؤلِّف بعدها يتنقَّل بقارئه في ثمانية أَجزاء تفصيليّة، أَوَّلُها التعريف بــبيروت منذ 3500 سنة قبل المسيح مع سنخونياتن البيروتي وفيلون الجبيلي وملحمة بيروت الميمونة، وآخرُها انطباعاتُ رحّالةٍ ومستشرقين مَرُّوا بــبيروت وأَخذَهم سِحرُها.
وفي تاريخ بيروت قبل الميلاد مَلمَحٌ تاريخيٌّ منذ الكنعانيين فالهكسوس فالحثيين فالأَمُّوريين فالفراعنة فالآراميين، فالمرفإِ الفينيقي، فاتحادِ المدُن الفنيقية وعروسُها بيروت.
ومع بيروت في العصر الإِغريقي يُطلّ الإِسكندر المقدوني وعزُّ بيروت في الحضارة الهيلينية، حتى إِذا تحوَّلَ التاريخ ميلادياً عاشَت بيروتُ الحكْمَ الروماني وبلغَت أَن تكونَ مركزَ العصر ثقافياً، ومحورَ الحقوق في مدرستِها التي استقطبَت معلِّمين وطلاباً وزَّعوا العدالة في العالم. ومع فجر الإِسلام عرفَت بيروت عهداً زاخراً شهِدَ قمَّته في الخلافة العباسية، وبرزَ إِبانها الإِمام الأُوزاعي مرجِعاً يستقطب كبار الفقَهاء في العالم العربي.
وتنبضُ بيروت بالحياة في عُصور الأُسَر الطولونية والأَخشيدية والفاطمية، وواجهَت هجَمات البيزنطيين والسلاجقة الأَتراك، وكانت لها أَهميَّةٌ قُصوى على أَقلام الجغرافيين العرب.
ويأْتي زمنُ الصليبيين وأَثَرُهُم في فن العمارة، ويكونُ حضورٌ لصلاح الدين الأَيُّوبي ومواقفُ لفرنسا وملكِها لويس التاسع، ويجيء المماليك فتزدهر التجارة والصناعة في بيروت، تَلاهم العثمانيون وظهورُ الشهابيين وأَحمد باشا الجزار ودورُ مرفإِ بيروت طيلة القرن التاسع عشر.
وتتحصَّن بيروتُ استحكاماتٍ منيعةً، ويكون لِــسُور بيروت دورٌ كبير في جميع العُصور المتعاقبة، وتَرتفعُ أَبراجُ بيروت من بُرج أَبو حيدر إِلى بُرج سلام، ويسطعُ جديدٌ عن بيروت مكتشفاتٍ في دورية “أَوراق لبنانية”، ويكون لرأْس بيروت حضورٌ ديناميٌّ في ذكريات الجامعة الأَميركية، وغابةِ الصنوبر في بيروت وما كان لها من ذكْر متكرِّرٍ في الكتابات المتعاقبة عن مدينتنا الغالية.
هي هذه بيروت في كتاب شربل الغريِّب: مدينةٌ زهوى بتواريخِها العالية وآثارِها الغالية وعلاماتِها الحالية، تَبرُزُ من نصوص الكتاب وصُوَرِه النوستالجية الجميلة لبيروتَ القديمةِ من تلك الأَيام الجميلة.
ولا تَـــعْـــذُبُ الكتابةُ عن بيروت من دون هذه النوستالجيا التي تجعل نجمةَ بيروت لُؤْلُؤَةً خالدةً على مر العصور.