جال متطوعو رابطة قنوبين للرسالة والتراث على معالم قرية الفراديس المدخل الغربي للوادي المقدس في نطاق دير مار أنطونيوس قزحيا. وشملت الجولة مجمل المعالم من مغاور ومحابس وآثار المزارات المندثرة. وانطلقت مشياً من حديقة البطاركة في الديمان، نزولاً الى عمق وادي قنوبين ومنها الى قرية الفراديس، حيث كانت فيها محطتان بارزتان في محبستي مار سمعان ومار روكز.
فرادة العمل
الأب أنطوان ضو، أمين الشؤون التاريخية في رابطة قنوبين، قال : “تستكمل رابطة قنوبين المسح الإحصائي المنطلق منذ سنوات لمعالم الوادي المقدس من مغاور ومحابس وآثار عمرانية، وقد صدرت غالبية معطياتها حتى الآن في مجلدين فاخرين بست لغات يتبنى تكاليفها السيد وديع العبسي مشكوراً. وبقيت المرحلة الأخيرة من هذه العملية التي تتناول قرية الفراديس المتميزة بما احتضنته تاريخياً من محابس أسهمت في بلورة الروحانية النسكية المشرقية في الوادي المقدس. ومعطيات هذه المرحلة تصدر في المجلد الثالث والأخير فنستكمل ما يجوز وصفه بأوسع عمل ثقافي تاريخي أركيولوجي غير مسبوق للوادي المقدس”.
وأضاف الاب ضو: “نظراً لضخامة هذا العمل ، الذي استغرق سنوات وسنوات من الجهود والاتعاب والمغامرة والتكاليف، رحنا نفكر بعقد اول مؤتمر علمي متخصص يؤسس للخبراء اللبنانيين والأجانب، الذين سيشاركون فيه، المباشرة بدراسة الجوانب التاريخية والاركيولوجية والبشرية والفنون العمرانية وسواها لكل هذه المعالم التي تمّ جردها، من مغاور ومحابس ومزارات وطواحين ومعاصر وبيادر وسواها مما يشكل مجتمعاً تراث الوادي المقدس، المصنف لفرادته الوحيدة في لائحة التراث العالمي”.
وتابع: “عقد مؤتمر من هذا النوع هو عمل علمي جبار يتوج عملاً جباراً آخر في تاريخ كنائسنا المشرقية هو المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس. والإضاءة على معالم الوادي هي أغنى خبرة وأغلى ما يمكن أن نقدمه لأجيالنا المعاصرة والمقبلة، لكي تقوى على الاستمرار راسخة في هذا الشرق، ولا تذهب ضحية جهلها لتاريخها وتراثها وهويتها، وضحية القول المعروف إذا أردت القضاء على مستقبل شعب ضيّع له تاريخه. وازاء هذه الحقيقة والورشة الكبيرة التي نحن في صددها أقول إن الذين تحملوا المشقات والاخطار الجسدية والنفسية والذي يموّل العمل ، قد جمعوا كنوزاً تراثية وثقافية تعني الانسانية بأكملها، بعدما صنفت الأونيسكو الوادي المقدس كأنه ملك الإنسانية، وسوف ينعقد المؤتمر المرتقب بشأنها ليقدم لكنائسنا الشرقية وللبنانيين للعالم كله أول محطة علمية حول هذا الارث الثقافي، وأغلى موروث يعطى للأجيال القادمة.
أهمية المؤتمر
رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث نوفل الشدراوي قال: “بإنجاز جردة معالم الفراديس ناحية قزحيا تنجز الجردة الكاملة لمعالم الوادي. فشكراً لمن حققوها، وحققوا عملاً شاقاً فريداً غير مسبوق يعطي صورة واضحة وجلية عن مقومات حياة الاوائل في الوادي المقدس. وقد بتنا اليوم في مرحلة جديدة يمكن القول فيها انها مرحلة اكساب هذه الجردة قيمتها العلمية من خلال عمل الخبراء المتخصصين. ولانجاح هذا العمل نؤسـس لشبكة تعاون حكومية واهلية داخلية وخارجية برعاية وتوجيه غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة الراعي الدافع الى تحقيق كامل الغايات العلمية المرجوة من عملنا المتصل بتراث الوادي المقدس”.
محبسة مار سمعان
منسق البرنامج الصحافي جورج عرب وصف معالم الفراديس وقال : “انحدرنا بداية من وادي قنوبين الى محبسة مار سمعان شرق قرية الفراديس ، وهي محاطة بعدة كهوف طبيعية شكلت امتداداً طبيعياً لها في الماضي، فيما لم تبق في الفراديس أية آثار لدير مار سمعان لقدمه بعدما تهدّم. ويشير المطران ناصر الجميل في دراسته عن معالم الوادي الى أن القس حنا كان قد جدّد بناءه في القرن السادس عشر بمعاونة جبرائيل الاهدني وحنا بن يعقوب الباني. أما المحبسة القائمة فهي ثلاثية الشكل في تجويف صخري علوها ثلاثة أمتار تتخلل جدارها الصخري الطبيعي الغربي فتحتان ضيقتان، مساحتها الداخلية حوالي عشرين متراً، فيها آثار البناء المندثر عند مدخلها، وفيها فتحة داخلية بمثابة نفق طوله اربعة أمتار وقطره 60 سم. أمامها بقايا جل زراعي، وإلى جانبها الشرقي كهف تابع لها يختلط ترابه ببقايا كسر فخارية”.
محبسة مار روكز
أضاف عرب: “انحدرنا من محبسة مار سمعان المعلقة عبر طريق وعرة قاسية خطرة باتجاه كنيسة مار روكز الحالية في القرية، ومنها الى محبسة مار روكز التي بدت مبنية معلقة على علو يتجاوز 35 متراً في الجرف الصخري الشاهق المتصل بقزحيا. يحتضن هذا الشير في اسفله ثلاثة تجويفات صخرية لا تزال آثار الحياة البشرية بادية عليها من دخان الحطب المتفحم ومما نحته الانسان في جدرانها من حنايا لتركيز أخشاب خيم وسقوف أقامها أمامها امتداداً لها. تسلقناها الى ” طابق ” ثان في الشير عبر مهوى خطر، حيث يوجد تجويف آخر كان مأهولاً، ومنه تدرجنا فوق بقايا درج صخري مبني لنصل الى المحبسة، التي يروي أهالي الفراديس المعاصرون أن آباءهم وأجدادهم استعملوها كنيسة لممارسة شعائرهم الدينية قبل بناء الكنيسة الحالية وسط القرية. هي غرفة مساحتها تقارب ثلاثين متراً، فيها آثار مذبح، بابها نفق دائري، عتبته قنطرة معقودة، يتيح الدخول اليها زحفاً فقط، فيها حائطان مبنيان شرقي وشمالي لا يزالان قائمين، بدت جدرانها الداخلية مطلية بالطين والكلس متآكلة بمرور السنين وعوامل الطبيعة. في حائطها الشمالي المبني نافذة من عمل الإنسان، وأخرى من عمل الطبيعة والأيام التي أسقطت بعض حجارة فاتحة نافذة جديدة . تمتد المحبسة صعوداً الى تجويف آخر فيه آثار بناء مندثرما يجعل الجرف الصخري بأكمله متدرجاً شاهقاً بعلو يتجاوز الستين متراً، يحتضن طبقات من المغاور والكهوف تكللها محبسة مار روكز احدى أروع محابس الوادي المقدس، وهو ينكشف منها بروائعه الفريدة. فتتساءل وأنت معلق في المحبسة يتراءى امامك الوادي جميلاً كفردوس أرضي، ألهذا سميت الأرض هنا بقرية الفراديس؟ ( جمع فردوس ).
وختم عرب: “إزاء تعاظم الكنوز الروحية والثقافية التي يحتضنها الوادي المقدس ، وتنكشف للعالم يوماً بعد يوم ، لا بد من عناية حكومية جدية لأن المبادرات الأهلية مهما كبرت تبقى قاصرة عن الاحاطة الكاملة بهذا الإرث ، الذي يبقى على الدولة مسؤولية العناية به” .
كلام الصور
1 ـ محبسة مار سمعان .
2 ـ محبسة مار روكز .
3 ـ تكشف الوادي فردوساً حقيقياً .
4 ـ بابها النفق .