“تحت الضوء” لزوهراب في غاليري “سورفاس ليبر” بيروت… احتفالية نورانية بالحياة والطبيعة لا تهدأ

تنظم غاليري “سورفاس ليبر” في بيروت معرضاً للرسام التشكيلي اللبناني زوهراب في عنوان “تحت الضوء” (24 zohrab 1أكتوبر- 5 نوفمبر)، يتضمن مجموعة من اللوحات التي تتناغم فيها الخطوط والألوان لتشكل عالماً خاصاً،نقطة ثقله الحضور الإنساني الذي يتمحور حول تأليف اللوحة. فهو تارة وجوه تستمد قوتها من تاريخ شعب سطّر أهم الملاحم في البقاء والاستمرار رغم الدماء التي سالت منه كالأنهار، وتارة أخرى في شكل الأمومة التي تعمل جاهدة لحماية أولادها، وتتطلع إلى حياة أفضل لهم…

في لوحاته، يحلّق زهراب في فضاءات متحررة من أي مكان وزمان، وتنهل ريشته من حالة معينة تستمر في التاريخ، ليس أقلها معاناة أجداده من الاضطهاد والمجازر، لكنه يعرف تماماً كيف يحول المعاناة إلى شلالات نور تزهر إرادة قوية للحياة، وهو ما يظهر في بعض لوحاته التي تصور مشاهد جماعية، مسكونة بالحلم والبهاء، ولا غرو في ذلك، فهو، منذ بداياته،ينهل من الحلم خطوط لوحاته وألوانها وحتى تأليفها…

شلالات نور

لوحات زهراب لا يمكن تصنيفها في تيار واحد، فقد يجمع في اللوحة الواحدة بين الرومنسية والرمزية والتجريدية والانطباعية والتعبيرية… ويغلفها بشفافية تبدو واضحة في الوجوه التي تحدّق عيونها في الاتجاهات كافة هرباً من الحاضر وبحثاً عن مستقبل لا دموع حزن فيه بل دموع فرح…

في لوحات زهراب الأخيرة تشكل الرمزية باباً لولوج عالم الفنان ببساطة ومن دون غموض، فهو بألوانه المنبثقة من النور يدفع المتلقي إلى التفاعل معه وقراءة اللوحة من منظاره الخاص، من دون أن يفرض عليه الرسام واقعاً معيناً أو حادثة محددة، بل يمكن أن يحلم على هواه ويتذكر معاناة تتعلق به إنطلاقاً من رمز أو لون أو خط يراه أمامه في اللوحة…zohrab 2

ابن حضارة عريقة وعميقة الجذور في التاريخ، تبرز شخصياته باللباس التقليدي الأرمني، ومتناغمة مع ما يحيط بها من ألوان،فتبدو جزءًا من عرس الطبيعة الدائم عنده، كيف لا وهو في احتفال بالحياة لا ينضب معينه ولا يتوقف، وإذا كانت بعض شخصياته في حال ترقب فلأنها تحرص على ألا يعيش جيل الأحفاد ما عاشه الأجداد، ولأنها تؤمن بأن الغد أكثر إشراقاً.

المرأة في لوحاته عنوان قصيدة حب وجمال، قسماتها تنبئ بهويتها وحضارتها العريقة، وتتميز بصفاء روحي، مكللة بورود وأزهار تضفي عليها جماليات نابعة من الروح والقلب والوجدان…

صحيح أن زهراب اطلع على نتاج كبار الفنانين في العالم من بينهم: رافايل، تييبولو، ميكالنج، دي فنشي… إلا أنه في النهاية ابتكر أسلوبه الخاص الذي لا يشبه أحداً غيره ويختصره بالأكاديمي التعبيري.

شفافية وروحانية

إذا كان زوهراب بخيلاً بالكلمات، فإن لوحاته تتحدثع ن نفسها إلى ما لانهاية، وتعكس شخصياته الصامتة والعاشقة والوحيدة روحانيته. يشارك المتلقي، من خلال ضربة ريشته وبأسلوب رمزي، مِتعه الصغيرة وحتى ألمه، منذ الطفل الصغير الذي كانه إلى الرجلالذي أصقلته التجارب.

لوحاته،ق طع من الحياة مغلفة بالشعر، تعكس رؤية رجل بارع، رجل يفهم! تخضع لمساته لتأليف اللوحة، وتهبّ على القماش نسيماً خفيفاً يخلص العيون من غشاوتها لإظهار سرّ الله. مشاهده تستحمّ في نور غريب يغوص في أعماق الأشكال.zohrab

التعرض لزوهراب يعني أخذ خطرالتعرض لأنفسنا. يتحدث بشفافية إلى ضمائرنا، إلى وعينا ولاوعينا. يضيء الأماكن المظلمة في داخلنا، وتبدو لوحته كأنها علاج يحرر من الألم ويجعل الحياة أكثرجمالا. انضم الرسام إلى الفيلسوف في شخصيته لتمرير طبقة من الضوء في أعيننا. بالنسبة إليه لا شيء يجب أن ينسى، بل يجب أن ينزلق من العين إلى الروح لتهذيبها وتنويرها، هكذا تسير الذاكرة جنبا إلى جنب مع الحلم ويصبحان سوياً مصادرللرفاه والأمل. قلبه في متناول يده، وريشته والفرشاة والأقلام وأقلام الرصاص والطباشيرالأخرى هي امتداد لروحه.

روحانية زهراب تجعله يزرع الطهارة والقوة في اعماله. يبرع في التصميم والتأليف، ويثيرالإعجاب في درجات اللون، وكثافة حبه للرسم. أضف إلى ذلك متعة الرسم التي تتيح تدفق أفكاره سهولة.

عمله حساس وشاعري، يبين لنا العالم كما لم نعد نراه. يلقي الضوء من دون لمس الظل لدينا،ويمسح النافذة بيننا وبين العالم بقطعة قماش خفيفة غارقة في الصمت والضوء.zohrab 3

نبذة

فنان لبناني من أصل أرمني بدأ زوهراب الرسم في الخامسة من عمره، في الثانية عشرة أقام معرضه الأول في حلب، ومنذ ذلك الحين راح العالم كله يستقبله ويعرب عن إعجابه بلوحاته التي جالت البلدان واستقر بعضها في الكنائس والمتاحف. تنقّل بين الأميركيتين، إيطاليا، فرنسا، قبرص، سورية، لبنان، حيث يقيم راهناً، ويهوى العيش فيه رغم النواحي السلبية والإيجابية التي تتسم بها الحياة فيه. وهو يحدد نفسه بالتالي: ولدت رساماً وأحيا رساماً.

أعمال زوهراب تتراوح بين الأكاديمية والتجريدية مروراً بالتصويرية والانطباعية. مواضيعه المختلفة والتي يسيطر عليها الضوء منفذة بوسائل مختلفة: زيت، أكريليك، مائيات، حبر صيني، جدارية، فحم، غواش…

****

(*) جريدة الجريدة

اترك رد