الأديب مازن. ح. عبود
في حارة “الواوية”، وعلى بعد امتار من منزل “أم برهوم” أقامت “أنجول”. وقد كانت تقول عن نفسها بانها أجمل نساء “كفرنسيان”، وبانها كانت أجمل ملكة انتخبت للناحية، وذلك بالرغم من انعدام الدليل أو الشهود.
كانت تبثّ أخباراً عن إدمان الصحافة عليها. لكن “برهوم” أو أحداً من الصبيان، في الحي، لم يلمح يوماً صحافياً أو إعلامياً واحداً يسأل عنها. فكانت أن أثارت المرأة فضول “برهوم” والصبيان. فصاروا يرصدون تحركاتها.
أبصرها “جوجو” الأسبوع الفائت تتأمل في المرآة. وسمع بعضاً مما كانت تلقيه في بئر ذاتها من كلمات. وقد مضت تبدّل فساتينها الجديدة، وتتمايل كلما بلغت الشرفة والشباك الموازي لغرفة جارتها “جيجي”، وذلك كي تثير كيدها وغيرتها.
كانت الدنيا خريفاً والأشجار تبدل ألبستها وتظهر عريها هي الأخرى. على ما يبدو فإنّ “أنجول” أرادت أن تفهم جارتها “جيجي” بأنها مازالت شابة، وبأنها تفوقها جمالا.
أرادت أن تفهمها بأنها ما زالت تمرض مرة في الشهر، فموضتها لا تبطل وجودتها لا تنتهي. والعمر عند “أنجول” توقف زماناً عند عتبة البيت وما دخله. حتى قال المؤمنون فيها إن دالتها على “القديسة مريم المجدلية” كبيرة للغاية. إلا أنّ الخورية “فوتين” أبلغت الصبيان أنّ قصة “أنجول مع مريم المجلية” من باب الهستيريا، أو ضرب من “جهالة السبعين”، ومن ظواهر الخرف أو “النشاف” الذي يضرب من هم في عمرها. وطلبت الخورية الى نساء جمعية “ثياب العذراء” التي تترأسها عدم ايلاء الموضوع أي أهمية تذكر.
اكتشفت “أنجول” البارحة أنّ بعض الزمن تسلل من طاقة الحمام إلى غرفة نومها. فأمرت ان تغطي الطاقة. وقررت إزالة مفاعيل ما تسرب من الزمن عن الخد الأيسر الذي راحت تبان التجاعيد فيه.
لم تنم ليالي. لأنها كانت تكره أن يدركها خريف العمر. فيبان عراها كالشجر المنكوب في حديقتها. خريف العمر صعب. خريف العمر برد وغربة وانتظار للموت. وهي تهرب منه. قررت أن تمضي إلى “كفرهوان”، حيث يستقرّ الدكتور “قرقور” الشهير في إعادة الجمال الى نصابه. وقد رغبت ان ترافقها إلى هناك “روز” صديقة الطفولة ووصفيتها. سألت “جلول” ظلها، الذي لاحقها منذ طفولتها وحتى بعدما تزوجت، وها هو ما زال ينتظرها حتى بعد رقاد زوجها، ويصطحبها في سيارتها إلى هناك. مهمة أرادت لها أن تكون بغاية السرية.
وصلت العيادة. سألت عن الأكلاف. فوجدت أنها باهظة. أجرت حساباتها. فقررت أن تخضع الخد الأيسر للشد من دون غيره. لم يرد الطبيب تنفيذ رغباتها بداية. فنهرته. واتهمت الجسم الطبي بالكسب غير المشروع على حساب الشعب ومص دمائه. فكان أن أذعن. وقرر شد جهة واحدة، على مسؤوليتها.
انتهت العملية. دخلت “أنجول” إلى سيارتها وطلبت إلى “جلول” القيادة بسرعة بهما إلى المنزل. وراح الرجل يسرق النظرات إليها. وصار يضحك بين الفينة والفينة ضحكة بلهاء استرعت اهتمام “أنجول”.
فكان أن نهرته سائلة إياه عن سبب كل هذه الابتسامات والضحكات البلهاء. فأجابها: “يا ستنا فمك في رقبتك. وعينك في ظهرك”. فصرخت كانّ سكينا اصابها. وقالت: ” عينك في قفاك يا هذا. انقبر إرحل عني. لا تقل لي انها “جيجي”. فأنا اعلم. مؤآمرة، مؤآمرة، لانهاء جمالي. عد فوراً، فوراً إلى عشيق “جيجي” إلى هذا الطبيب المجرم… “جلول” اطلب “الكركون” الآن… الجميع في تلك العيادة إلى السجن.. “جلول”، إذا فتحت فمك بكلمة واحدة فإنّ مصيرك سيكون الموت. أرديك قتيلا بسكين المطبخ “الكريستوف” الفضي، أفهمت؟؟”.
شدّ د. “قرقور” الخد الأيمن. فعادت الأعضاء إلى مواضعها. إلا أنّ الجمال انحسر. فدخلت “انجول” عمر اليأس. وما عاد يراها إلا كلبها وهرتها و”جلول”. صارت تبكي بكاء مراً على جمالها المفقود. حتى ظهرت عليها أمها التي أبلغتها أنّ الجمال الحقيقي لا يزول. وما يزول إلا ما هو معدّ للزوال. وطلبت إليها أن تبدأ البحث عن الجمال الحقيقي المخبأ عميقاً فيها. وبدأت “انجول” بالفعل في رحلة التفتيش عن الجمال. حتى قيل في “كفرنسيان” إنها هجرت. وبأنّ امرأة أخرى حلّت محلها.