د. فراس الفهداوي
.. أتى العيد!
حاملا على يديه الفرح والهدايا، فيتجول بين المدن والقرى موزعا أحماله البهيجة على الناس فينتشي الكبار، ويفرح الصغار، ويعيش الجميع في جو من السعادة والبهجة، فيتزاورون، ويهنئ بعضهم بعضا بالعبارة التقليدية المعتارفة (كل عام وأنتم بخير) وتتضاعف فرحة الناس بالعيد الذي سهل لهم عملية التعبير عن مشاعرهم، وهيا أمامهم الفرصة لإظهار محبتهم وإنسانيتهم.
ويصل العيد في جولته السعيدة إلى أحد الأحياء الفقيرة –لا فرق بين الأسماء هنا أو في الأحياء الغنية أو .. أو .. -يلتفت العيد حوله باحثا عن الزينة والأضواء الساطعة ولكنه لا يجد من معالمها شيئا.. يركض وراء السكان محاولا استكشاف الأمر ومعرفة أسباب التجهم و العبوس، ولكن عبثا.. حتى الأطفال لم يعودوا أطفالاً، صحيح أنهم دون العاشرة من عمرهم، ولكن من يراهم يعتقد أنهم قد تخطوا مرحلة الطفولة منذ أعوام، أو هم لم يعرفوها قط، لأنهم يولدون رجالا عليهم واجبات جمة، دون أن يفكروا بأية حقوق!
وأخيرا يفلح العيد في إقامة حوار (عالما شي) مع واحد من هؤلاء الأطفال – الرجال، فيسأله: أتعرفني يا هذا؟ – نعم أعرفك … فأنت العيد الذي يحمل البهجة والهدايا إلى الآخرين، تزورهم بين الحين والآخر لتنسيهم همومهم اليومية، وتجعلهم يشعرون من جديد بطعم الحياة المشبعة بالفرح والمسرة.
– ولكن لماذا تستقبلني هكذا؟ لماذا لا تدعوني إلى بيتكم، فأحمل إليكم الفرح كالآخرين، وأحول عبوس وجوهكم إلى أبتسام؟ لماذا؟-أرجو أن لاتسيء فهمي أيها العيد كما يفعل الآخرون دائماً .. فأنا لا أستقبلك في بيتي لسبب بسيط جداً.. هو أنه ليس عندي بيت!
لقد ولدت في العراء ، أو ما يشبه العراء ، ومنذ أن بدأت أعي معنى الحياة ، سمعت المتعارفة (كل عام وأنتم بخير)…
أهلي يتحدثون عن الحرب والقتل على الهوية والفقر والتآمر، والعمالة.. وغيرها ثم شعرت بأنني صرت فجأة رجلا، أحمل مسؤوليات كبيرة لمحاربة هذا الثعبان المتعددة الرؤوس الذي يهاجم أهلي وناسي وجيراني وأصدقائي باستمرار.
هذا هو السبب الحقيقي الذي لاستقبلك من أجله، فأنت عيد الآخرين وأنا لا أستطيع أن أفرح بك لأن الفرح ليس له معنى عندي إلا إذا كنت مع أهلي وشعبي، التي سيظلون عيدي الوحيد، حتى التحرير، وعندها فقط، أستقبلك في بيتي.. بيتي الحقيقي، حيث أهنيء أهلي وجيراني بالعبارة التقليدية.
عذراً
جف حبر القلم و ارتعش عندما اردت ان اكتب العبارة التقليدية.
واختنق الصوت في حجنرتي.