في هذه السنة…

الأديب  السوري حسام حنوف

في هذه السنة ترك أنسي الحاج بيروت فجئت إليها باحثاً عنه.
ounsiفي هذه السنة اشتاقت لي حبيبتي فطلبتني حالاً فجئت حالاً فعانقتني فاشمأزت من رائحتي فدخلت لتستحم مني ولم تخرج بعد لأوضح لها أن تلك كانت رائحة شوقي لها.

في هذه السنة نويت أن أرى الناس وفي طريقي لرؤيتهم رآني المعري
كان عائداً من عند ابن مرداس في بغداد هذه المرة
كان مُبرطِماً

سلمت عليه فغمزني ولم يقل: أيها الفتى أتظنني خرفتُ حتى أرى؟

في هذه السنة عشت معتزلاً في مدينة قبيحة فتركتها إلى مدينة جميلة فعشت فيها معتزلاً.
في هذه السنة تركت إطلالة بيت على البحر إلى إطلالة بيت على مكب قمامة فلم تتغير خريطة الوطن على جدار تلميذي. تغير تلميذي فقط.

في هذه السنة قلت لصديقتي الوحيدة ممازحاً: أنوي أن أربي أصدقاء كثراً هذه السنة.. فهجرتني جادّةً.
في هذه السنة وبعد ثمانين عاماً من ثورة القسام السوري في فلسطين ردت فلسطين الجميل فصار كل يوم يموت في فلسطين أكثر مما في سورية.

في هذه السنة جاءني من كان يسرق نصوصي وقد كتب نصاً رديئاً يعتذر فيه اعتذاراً رديئاً عن سرقاته فارتجلت له نصاً صادقاً أسامحه فيه مسامحة صادقة فسرقه وذهب.

في هذه السنة أطبق الجوع والحصار علينا فذهبنا للبحث عن شيخٍ يُحلّ لنا أكلَ لحم الكلاب فوجدنا الشيخَ الذي أحلّ للكلاب أكل لحمنا.

في هذه السنة وبينما انشغل الرفاق في توثيق الأحداث التي وقعت كنت مشغولاً بتوثيق الأحداث التي لم تقع.

في هذه السنة سألتُ الشعوب عما يستحق عمري فأجابتني عما يستحق موتي.

في هذه السنة زادت شهرة الصناعات الأمريكية ولست أعرف اليوم أية صناعة منها هي الأكثر ذكراً وشيوعاً بيننا: فيسبوك أم ماكدونالدز أم هوليوود أم الديمقراطية أم داعش أم ليدي غاغا.

في هذه السنة نجح الحوار أخيراً بيني وبينه. قلت له في ختام الحوار: حسناً. ها قد قطعتَ رأسي. وصوّرتَه من دوني. وصوّرتَني من دونه. ثمّ صوّرتَنا معاً. الآن. هل صار بإمكاني أن آخذ رأسي وأنصرف إلى حياتي؟

في هذه السنة ترك أنسي الحاج بيروت فوجدتُه فيها فتركتُها فيه ورحلنا.

******

(*) صفحة المفكر والشاعر أنسي الحاج 

اترك رد