مقطع من رواية في اتجاه الجنوب

بقلم أحمد الصغير

فتح باب الحافلة المتوجهة نحو جنوب البلاد … المكان غريب جداً، فكل الناس تهرول في اتجاهات مختلفة … الوجوه
ahmad sghaierمختلفة … الحقائب مختلفة … أسئلة الناس في اختلاف دائم  … في محطة الحافلات يبيعون كتب العلوم و الروايات الادبية، دواوين الشعر والصحف والمجلات الصفراء الفاقعة …. وكتب السحر والشعوذة.

 في محطة الحافلات مقهى و مطعم و استراحة … و كشك سجائر …  وفي زواياها يختلس بعض المراهقين لحظات من غفلة المارة وأعوان الحراسة للظفر بقبلة سريعة أو لمسة طائشة …. وقد يتغافل عون الحراسة عن ذلك …

 أنين مسن هنا وصراخ رضيع هناك امتزجا فشكلا ما لا يمكن فهمه من اصوات البشر … سيدة راقية تضع على كتفيها فروة ثعلب استشهد لأجل زينتها، يقززها المكان والناس والذباب وأنين المسن وصراخ الرضيع …

 هناك في زاوية من زوايا المحطة وقفت فتاة شدّت صدرها بحمّالات ضيقة فإذا هو بارز بروز الحقيقة … ساقاها عاريتان طويلتان لا شائبة فيهما … على شفتيها أحمر شفاه بلون الفراولة… عطرها جمع من حولها الانس جهارا والجن سراً …. وقفت ظاهرة تبحث عن راغب في متعة عابرة على أن يدفع على قدر جمالها مالا.

 رائحة المازوط تعم المكان ومنبهات الحافلات تنادي أن حي على السفر… عاملة النظافة صفراء الوجه نحيلة الجسد تحاول جاهدة جمع أعقاب السجائر المتناثرة في كل مكان، تحاول فتفشل … ثم تحاول من جديد، ارتفع صوت مذيعة المحطة عذبا رقراقاً كالماء يجري: على السادة القاصدين … انتبه الجميع عسى أن يكون كل منهم مقصودا بهذا النداء.

Mina-Anton

لوحة لمينا أنطون

فتح باب الحافلة فتدافع الناس على عادتهم … دفع وركل وصياح وتسابق نحو الظفر بمقعد في الصفوف الأمامية … فالجلوس في آخر الحافلة يسبب الغثيان والإغماء … تجاذب المسافرون وتدافعوا … صاحوا وتخاصموا فقدّت أقمصة بعضهم من قبل و أخرى من دبر.

 لم يكن أمامي من حل غير الانخراط في موجة التدافع و التزاحم امام باب الحافلة … وبقدرة قادر أحد وجدتني أول الصاعدين للحافلة … كان مكيف الهواء يعمل بقوة فائقة حتى أن الطقس بداخلها تحول بمفعول التقدم العلمي إلى شتاء قارس … كراسي الحافلة متلاصقة تروي أحلى قصص التضامن والتماسك والتوحد … صوت المذياع يوحي أن نشرة اخبار الظهيرة قريبة جداً…

 لم يكن في الحافلة ما يشد الانتباه غير فتاة جلست وحيدة في وسط الحافلة … فتاة على قدر هائل من الجمال  والرقة … عيناها واسعتان صافيتان فيهما زرقة خفبفة كأنهما امواج بحر هادئة … شفتاها محمرّتان مكتنزتان يعلوهما بريق كأن عليهما قطرات من ندى … شعر أسود بسواد أيام الأمة العربية … نهداها بارزان شهيان كحبتي فاكهة طرية …

 دفعني حب الجمال و الفضول اى الجلوس حذوها وسرعان ما رميت جسدي على كرسي الحافلة دون استئدان أو ترخيص بالجلوس … أطلقت زفرة طويلة توحي بتعب كبير وإرهاق أكبر … وفي صوت خافت مسموع وفي استنكار وتنديد عربي شهير أعلنت موقفي الرافض لما حصل أما الباب … أعدت ترتيب ثيابي … تفقدت تذكرة السفر، و بعض النقود الصفراء في جيبي … اعتدلت في جلستي وتهيأت للحديث معها

اترك رد