الأديبة ميشلين حبيب
لماذا يتكلمُ هكذا؟ ماذا يحاولُ أن يفعلَ بي؟ هل يحاولُ أن يقتلَني؟
كيف أتيتُ إلى هنا؟
هذا الجرح، ماذا يريدُ مني؟
يحاولُ النظرَ إليه فلا يستطيع. يمدّ يدَه ويتَحَسَّسُهُ، عرضَه، طولَه. حاولَ أن يفتَحه ليرى عمقَه.
ممرّضة تركض في رِواقِ غرفةِ الطوارئ. تَصِلُ إلى غرفةٍ فيها طبيبٌ ورجلٌ ينظّفُ دماً متدفّقاً على الأرض. يصلُ ممرّض مع ليترين من الدم؛ يضعُ الطبيبُ حقنة في وريد الرجل المُمَدّد.
ما بالُهم ألا يَحُقُّ لرجل أن يعرف مدى عمقِ جُرحِه؟ ما شأنُهم هم إن خسرتُ دمي أو حافظتُ عليه؟ يحاولُ تحسسَ الجرح ثانية فلا يستطيع. يداه مقيّدتان وذراعُه تتلقى دماً.
دمُ مَنْ هذا الذي يضعونَه في شراييني؟ ومن قالَ لهم أني أريد دماً أصلاً؟ أريدُ أن أنزلَ إلى الأرضِ لألتقط دمي.
أنتَ، أين تذهبُ بدمي؟ بعد أن كان في شراييني، امتصّته مَمَسحة ما الآن؟ أعدْهَا إلى هنا. هذا دمي. لا تَرْمِه في مرحاضٍ ما، أو بلّوعةٍ ما، أو في قناة على الطريق.
لم يعدْ يرى لا الرجلَ ولا مَمْسَحتَه، ولم يعد يرى دمه؛ فقط دم شخص ما ينساب في ذراعه.
ثم لم يعد يرى شيئاً.
إسْمَعْ لا تقبَلْ ذلك الدم. إنه ليس دمُك. أُبْصُقه.
نحتاج إلى كمية أخرى من الدم.
أسرعْ، الآن.
كيف حصلَ على ذلك الجرح أصلاً؟ هل كلّمتم الشرطة؟ هل كلّمتم أحداً من أقربائه؟ من أتى به إلى هنا؟
لا أعرفُ لماذا أتيتُ إلى هنا. لم أطلبْ المجيءَ إلى هنا. أريدُ أن أعرفَ عمقَ ذلك الجرح. سأقف، أرى أن هناك مرآة في المكان. ستساعدُني لا شك.
أه، هذه القيود اللعينة، ومن سمح لهم بأخذ حركتي؟ هي حركتي مُلكي. لي أنا. كيف سأعرفُ الآن عمقَ جرحي وأنا مقيّدٌ هكذا؟
دكتور. هناك دم على يده اليسرى.
نظّفيها بسرعة.
هل أفكه؟
إذا اضطُرْرْتِ لذلك.
بقيتْ يدي الأخرى. سأعرفُ عمق هذا الجرح.
دكتور، يبدو أن ذلك حصل لليد الأخرى أيضاً.
حسنا. فكّيه ونظّفي الاثنتين معاً، ثم حضّراه للعملية. لقد خسر الكثير من الدم.
نعم خسرتُ، وأنتم ما شأنكم؟
عليّ أن أفكّ قدميّ الآن. ما هذا الألم؟
كيف أصبحت قدمي بعيدة عني هكذا؟
أين قدمي الأخرى. لا أستطيع الوصولَ إليها.
يجب أن أرى عمق ذلك الجرح قبل أن يأخذوني إلى غرفة العمليات. عندها سيَخيطونَه ولن أعرفَ أبداً كم كان عميقاً.
ممرّضون وممرّضات يركضون.
كيف حصل ذلك؟
لقد وقع بكل بساطة بينما كنت أنظّفُ يديه من الدم.
سأنهض. أين قدمي؟
أيتها الممرضة أعطني يدَك. كفّي عن تنظيف يديّ واعطني يدك. أريدُ أن أنهض. أريدُ أن أرى عمقَ جرحي.
لا تَسْمَعُني. ما بالُها هي الأخرى، هل كانتْ هناك معي؟
حمله ممرّضان ووضعاه على السرير من جديد. انتهت الممرّضة من تنظيف يديه.
جاء ممرّض جديد بعربة. نقلوه إليها.
إلى أين الآن؟ لا بدّ أنهم يأخذونني إلى غرفة العمليات. وكيسُ الدم ذاك، لماذا يرافقني؟ قلتُ لكم إني لا أريدُ دمَ شخصٍ آخر. لا أريد دماً.
أه، لا. الغرفةُ بيضاءُ جداً. أضواؤها ستعيق نظري. ماذا سأفعل الآن؟ كيف سيتسنّى لي معرفة عمق جرحي؟
أخرجوني من هنا. أخرجوني من هنا.
ماذا؟ سيتحكّمون بتنفّسي الآن؟ إنزعوا ذلك القناع عن وجهي.
دكتور.
فلنبدأ.
فقدتُ نفسي الآن، ولن أعرفَ عمقَ جرحي.
لا أخافُ تلك الأشياء الحادة.
ألا تستمتعُ كل مرة نقومُ فيها بعملية جراحية؟
لا أمَلُّ من الأمر أبداً.
هل ترى مدى عمق هذا الجرح؟
نعم.
راقبْ الآن.
أحبُ عندما أغرزُ المِبضعَ في اللحم وعندما يبدأُ الدمُ بالتدفّق.
أحبُ عندما أسيطرُ على تدفّق الدم وعندما أفتحُ الجسم وأمسكُ بيدي أحدَ الأعضاءِ الحيّة.
انتهيت.
إبدأ التقطيب الآن.
هل عرفوا عمق جرحي؟
أنت أيها الطبيب وأنت أيها الممرّض وانتِ أيتها الممرّضة. وأنتَ أيها الطبيب. أجيبوني؟
ما هو عمق جرحي؟
انتهيتُ من التقطيب.
حسنا. أخرجوه.
جُرحي … جُرحي … آه.
جرحي. لقد خسرتُ جُرحي. حصلتُ على جُرح آخر لكنه مُخاطٌ.
وهل لهذا الجرحِ الجديدِ عمقٌ؟
من سمح لهم بإعطائي جُرحاً جديداً؟
أين جرحي القديم؟ سأعرفُ عمقَه.
ها هو جرحي.
لماذا عدتَ أنتَ ومَمَسَحتكَ؟
إرحلْ. وأنت أيضا إرحلْ، أنت وكيسَ دمك.
دكتور.
هزّ الطبيبُ رأسَه بيأس.
ها هو جرحي.
خلعَ الطبيبُ قفّازاتِه وخرج من الغرفة. كان رجل المَمْسَحَةِ قد سبَقهُ بالخروج وعادَ
مع شَرشفٍ كبيرٍ غطّى به السرير.
سبتمبر 2013