أصدرت رابطة قنوبين للرسالة والتراث تحية للشيخ هاني فحص البيان التالي:
مرة جديدة تتباهى قنوبين بأحزانها السعيدة لعبور أنقيائها الى بوابة الآب السماوي. ومحبوب البوابة المقدسة اليوم العلاّمة الهانىء في زمانه ومكانه الأبدي الشيخ هاني فحص.
جميل أن تكون عارفاً هاني فحص ، والأجمل حقاً أن تكون عارفه في قنوبين . هناك تتجلى الحقائق الثابتة الباقية ، ويغيب تهافت البشر على أوهامهم والسراب ، ويبقى تهافت وحيد هو على التأمل في وجه الله ، ومحبة الضعيف ، وتبني قضايا الحق والعدالة والسلام .
وقبل أن تعرف الشيخ الهانىء اليوم في زمانه ومكانه الأبديين هو كان يعرف قنوبين بقلبه من غير أن يراها بأم العين . وكان حاملها بالقلب والوجدان والخطاب والمسلك ، الى ان بات حمّالها أكثر من سوّر جبينه بغبارها والبخور ، ومذ حملت قدماه من ترابها الغالي . قبل أن يجول هاني فحص في برية قنوبين كان يعرف أنها حاضنة المؤمنين من كل الأديان والطوائف والمذاهب ، وحين جال فيها جولة الروح والجسد وكشف زوّادتها المعدة من رابطة قنوبين للرسالة والتراث كتباً وأفلاماً وأوراقاً تستجلب تاريخ البهاء والصفاء ، أدرك أكثر أنها باحتضانها المؤمنين كافة هي الأرض التي تشدنا الى مثالها في ماضيها ، وتقودنا الى مداواة الحاضر المأزوم بذاك المثال البهي الماضي .
كان يعرف قنوبين ويبشر بها ، بروحانية فريدة هي هوية نادرة في الدنيا ، هوية تحصلت في المغاور والمحابس والصخر المطحون لاطعام الفقراء وتمجيد الله ، وحين رأى المحابس والمغاور واطلع على تسمياتها في الجزء الأول من ثلاثية أنيقة بالجهد المضني الدامي حولها ، أدرك أكثر أنها حاضنة المؤمنين ، كل المؤمنين حقاً . وأدرك وسرّ كثيراً وفرح بثبات تلك النظرية التي تقول ان قنوبين عرفت متصوفين مسلمين قادهم العشق الالهي والاشتياق الى الله الى ملاقاته في مغاورها والمحابس . ومغارتا المأذنة وحامدة حاملتا الاسمين المسلمين تفتح بوابة البحث عن أولئك المتصوفين التواقين الى الله بنسكهم الشديد . والشيخ هاني فحص على خطاهم كان يأتي قنوبين ليستطيب أكثر طعم الوحدة واللقاء، وليمحو من قاموسنا العام والخاص دواوين التباعد والافتراق .
كان يأتي ليحيي مع أنقياء قنوبين مساحات التلاقي والجسور في زمن الجدران السميكة اليابسة ، وليحيي عيش التخلي في زمن التهافت ، وعيش الغنى بفقر انجيلي باقٍ في زمن الفقر والجوع بكنوز المال العابر ، وكان يقر في كل لقاء فوق تراب قنوبين بأنه أغنى الأغنياء بتلك الينابيع الروحية التي لا تنضب عن التجديد في سبيل التوحيد . لقد عرف قنوبين من بوّابتيها الشرقية والغربية ، من ظلال الأرز الصبور ، الى شلالات قاديشا ناثرة رياحين المجد والحب والجمال ، الى بخور مار أليشاع منبت الرهبان الأوائل الراسخين في الفقر والصلاة سنة 1695 ، الى مسابح بطاركة قنوبين منذ سنة 1440 حتى اليوم في ديرهم العتيق يسترجع كل صباح ومساء رنين الأجراس لاستجماع المؤمنين ، صدى يتردد منذ المرة الأولى التي قرعت فيها أجراس الشرق المظلم في شعاعات وادي القديسين سنة 1112، ومنها الى محبسة حوقا أم المدارس المنوّرة منذ سنة 1924 حتى اليوم … الى كل الصفحات المضيئة التي شاءها الله مرايا وجهه في قنوبين…
غداً في المشاوير الآتية ستغيب قدما الشيخ هاني فحص عن تراب قنوبين ، ولكننا في كنيسة البابا فرنسيس ، وبشارة الراعي ، كنيسة البشر قبل الحجر سنظل معه في مشاوير اللقاء الدائم ، وتجسيد انجيل وقرآن المحبة ، وقبول الآخر المختلف ، والتبشير الدائم بأن الخلاص كائن في قنوبين ، وفيها فقط.
أمس صلينا معه في قنوبين . كما اعتدنا الصلاة كل سنة . وصلّينا له ليهنأ أكثر حيث اعتلى وسما ، وسنظل نصلي معاً، مع أجيال الأنقياء والأصفياء، وسنظل نغبّ معاً من ينبوع الله الواحد ، الشيخ هاني فحص هانىء في زمانه ومكانه الأبديين ، ونحن هانئون بالطموح اليه .