أَغَبيٌّ، أنا، أم صَبور؟ (4)

بقبلم: الأديب إيلي مارون خليل

elie-111 كنت قد قرّرتُ ألّا أزيد. فكّرتُ في أنّ مقالات ثلاثًا تكفي. فماذا أُضيفُ بعد!؟ لكنّي التقيتُ، أمس، صديقًا ممّن لا يزالون يقرأون. (لا يزال هؤلاء غير منقرضين كلّيًّا!) فبادرني:

–       متى نقرأ لك المقالة الرّابعة في هذه المجموعة؟

–        لن تقرأها، يا صديقي!

–       ألسّبب؟

–       قلتُ ما طرأ. ما أردت. ألباقي تكرار!

–       لكنّك لم تُجِب عن السّؤال: أأنتَ غبيّ، أم صَبور؟

–       وما رأيُكَ، أنتَ؟ ماذا استنتجتَ؟

–       من زمانٍ، أعرفُك، أنا!

–       يعني؟

–       لا يعني، بالنّسبة إليّ! عليك، أنتَ، أن تُجيب.

حرتُ في أمري. سألتُه:

–       لمَ؟

–       أنتَ مسؤول! كلّ كاتب مسؤول! أتتخلّى!؟

–       كانت مُزاحًا، يا صديقي. أيّ لبنانيّ غبيّ؟ أيّ لبنانيّ صَبور! كلّنا “أذكياء” إنّما نحن صابرون!

–       أوتعتقد؟

–       وإلّا، فكيف ننتظر أن تنتهي  “مهرجانات” هؤلاء “القبضايات”، شمالًا وجنوبًا، بقاعًا وساحلًا، في كلّ مكانٍ وكلّ زمان!؟ وكيف ننتظر أن تُبادرَ “الدّولة”، فتعمل على إنهاء تلك الحالات الشّاذّة، والّتي شوّهتْ سمعتَنا داخليًّا وخارجيًّا، وفي كلّ مكانٍ وكلّ زمان؟ وكيف ننتظر أن تنتهي ديونُنا الّتي بالمليارات بالعملة “الوطنيّة الجديدة”؟ وأن ننتهي من “الفساد” و”الفاسدين” و”المُفسِدين” و”الهدر” و”الهادرين” و”المُهدِرين” و”البَشاعة” و”البشعين” و”المُبَشِّعين” و…

قاطعَني:

–       أوَتُسَمّي حالتَنا، هذه، “انتظارًا” أم “غباوة”؟ حتمًا إنّي لا أعرف! لذلك أريد إجابتَك. أنت مَن تساءل. بل جعلتَ السّؤالَ هذا، عنوانًا ثابتًا  لمقالاتك الثّلاث! فماذا تقول؟

–       كنت أهذر، يا صديقي. كلُّنا، نحن اللبنانيين، “عباقرة”! ألا ترى هذا؟ إستمع إلينا نتحاور في الشّوارع، في المقاهي، في الاحتفالات، في الجمعيّات، في الأندية، في الصّحف، على المنابر، على شاشات الأقنية: محلّية وعربيّة وفضائيّة… فماذ تسمع!؟ أليس كلٌّ من هؤلاء المتحاورين، “فيلسوف قضيّتِه” و”منظِّر جماعتِه” و”هادي الضّالّين” من غير الحاملين “قضيّته”، وغير القائلين برأيه…

–       أنت تسخر!

–       بلا أدنى شكّ!

–       من أبناء بلدك!؟

–       بلا استثناء!

–       أوَحدكَ “الفاهم”؟

–       و”العارف”! بل الممتلئ معرفةً تامّة لانهائيّة!

–       أوف!!!

–       ألستُ لبنانيًّا!؟

إبتسم صديقي بقلبِه، ابتسامة خجلى، ظهرت، شفيفة، رقيقة، على شفتيه، وفي عينيه. صمَتَ، حائرًا. من حركة يديه عرفتُ حيرتَه. قلتُ له:

–       كلُّنا هكذا، يا رجل! كلُّنا هكذا!

–       وأنت، ما “قضيّتُك”؟

–       ليس لي “قضيّة”!

–       ألست تعقل؟

–       لأنّني أعقل! عقلي يربطني بالواقع. واقعي، أنا المواطنَ العاديَّ، أنّني “ممعوسٌ”، فلا أحد من “الكبار” يهتمّ لشأني. مَن أنا، بالنّسبة إليهم، هؤلاء؟ مَن منهم يهتمّ بشأن عامّ، حقًّا، من دون “مصلحةٍ” ما، انتخابيّة، أو “زعاميّة”، أو… ألهؤلاء تَنابِلُ فكرٍ، عديمو رؤى…

قاطعني:

–       وأنت… ما غايتُك؟

–       أن أُثبِتَ أنّ اللبنانيّ العاديّ غبيّ دعيّ، صَبورٌ أحمق… يرجو خلاصًا لا يعمل في سبيله!

مشى صديقي… تاكيًا رأسَه… حزينة نفسُه… حانيًا جبينَه… دامعًا قلبُه… غاصًّا بكلمةٍ لم يستطع إخراجَها من بين شفتيه…                                                    إنّه لبنانيٌّ بامتياز! لن يفعل شيئًا!…

اترك رد