الميلاد لم يشع بأنواره على الشرق، مع أنه مهد الحضارات والديانات وشهد ولادة السيد المسيح ومنه انطلقت الرسالات السماوية إلى العالم، فالاضطرابات 
والقلق والخوف ومشاعر البؤس ترخي بثقلها على الناس في هذه المنطقة لدرجة أن عيدهم اقتصر على الصلوات، من دون تبادل المعايدات، فالقلوب حزينة والشفاه لا قوة لديها لتتلفظ بتمنيات هي أبعد ما يكون عنها.
على وقع أعمال عنف في غزة والشرق الأوسط، احتفلت بيت لحم بعيد الميلاد، وترأس بطريرك اللاتين فؤاد طوال قداس منتصف الليل في كنيسة المهد، في حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون التي تقوم بزيارة خاصة إلى المدينة، وزير الخارجية الأردني ناصر جودة،
في عظته قال “إن ليلةُ ميلادِ الطفلِ الوديع يقابلها ليالٍ قاتِمة من النزاعات والحروبِ والدمار، ليالي الخوفِ وعدمِ الأمان، ليالي الحقدِ والعنصرية البغيضة، ومن هذا المكان المقدس نستذكر جميع مآسي البشرية في القارات الخمس، من الحروب الأهلية في إفريقيا إلى الهزة الأرضية في الفليبين، مروراً بالأوضاع الصعبة في مصر والعراق، والمأساوية في سوريا، من دون أن ننسى أهلنا في فلسطين: الأسرى والسجناء وذووهم الذين يعيشون بقوة الأمل، والفقراء الذي خسروا أرضهم أو اقتلعت اشجارهم أو هدمت بيوتهم بحجة عدم الترخيص، والعائلات التي تنتظر قرار لم شملها، والعاطلون عن العمل وجميع من يعانون من الظروف القاسية”.
كانت فرق موسيقية فلسطينية أحيت حفلات موسيقية في شوارع المدينة التي شهدت ولادة السيد المسيح، فيما وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمة في المناسبة أكد فيهاأن ” رسالة المسيح لنا وللملايين حول العالم لها نفس الأهمية والوقع اليوم، كما كانت دائماً، طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون. هذه رسالة أمل لشعبنا في سعيه ونضاله اليومي، من طفل المغارة الذي ولد هنا على هذه الأرض قبل ألفي عام.” وأشار إلى أن الاستعدادات بدأت لاستقبال قداسة البابا فرنسيس الأول الذي ينوي زيارة الأراضي المقدسة، في مايو 2014.
تظهر الإحصائيات الفلسطينية تزايداً في عدد زوار المدينة، مقارنة بالأعوام الماضية، وقد نشرت السلطة الفلسطينية 600 عنصر من أفراد الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى لحفظ الأمن فيها خلال الاحتفالات التي تستمر حتى السابع من يناير.
سوريا
اقتصرت الاحتفالات بعيد الميلاد في سوريا على الصلوات من دون معايدات، نظراً إلى الأحداث التي تمر بها البلاد، وفتحت الكاتدرائيات والكنائس أبوابها من بينها: كاتدرائية مار جرجس للسريان الأرثوذكس في دمشق، حيث ترأس القداس مدير الديوان البطريركي في دمشق المطران جان قواق والسكرتير البطريريكي المطران متي الخوري، يعاونهما لفيف من الكهنة. وخدمت القداس الإلهي جوقة مار أفرام السرياني البطريركية في دمشق. الكنيسة الانجيلية الوطنية في دمشق، حيث ترأس الرئيس الروحي للكنيسة القس بطرس زاعور القداس وعاونه رئيس السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان القس صاموئيل حنا وخدمته جوقة الكنيسة.
وفي كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في الدويلعة، ترأس القداس الوكيل البطريركي لبطريركية الروم الأرثوذكس المطران لوقا الخوري، وفي السويداء احتفلت مطرانية بصرى وحوران وجبل العرب والجولان للروم الأرثوذكس بالقداس، كذلك أقيمت قداديس وصلوات في: جبل العرب للروم الملكيين الكاثوليك، كنيسة الراعي الصالح في السويداء، كنيسة السيدة العذراء للروم الأرثوذكس في إدلب.
دعت العظات أن يستجيب الله بهذه المناسبة المباركة، لنداءات وتضرعات المؤمنين في كل زاوية من بقاع سوريا، ويعيد الأمن والسلام ويزيل الخصام ويزرع المحبة والوئام، وأن يحمي سوريا، ويهدي كل من ضل طريق الخير والمحبة والسلام، لتعود سوريأ كما كانت بلد التآخي والتسامح والقيم الدينية السمحاء، وان يحفظ الرئيس بشار الأسد من كل مكروه.
وأكدت العظات أنه مهما حاولوا تدمير سوريا، وتفتيتها وتشريد أهلها، وهدم منازلها ومؤسساتها، ومهما حاولوا ضخ الارهاب والهمجية لن يستطيعوا الوصول إلى مبتغاهم المشؤوم الذي خططت له دول داعمة للإرهاب والممول من دول وأنظمة لم يعرف التاريخ أسوأ من سجلها في انتهاك حقوق الإنسان والطغيان في الأحكام والفساد
كلمة البطريرك زكا عيواص
ألقى المطران متى الخوري، رسالة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية في العالم مار أغناطيوس زكا الاول عيواص، وفيها: “ان رسالة عيد الميلاد هي رسالة المحبة والعطاء، ويسوع الطفل الذي ولد في مزود نراه اليوم في ملايين الاطفال الذين لا مأوى لهم وهم مع أمهاتهم يتضورون جوعا ونحن نتنعم في خيرات كثيرة.
استقبال عيد الميلاد لهذا العام يأتي، وفي هواجسنا سوريا الموطن الأزلي للسريان. هذا البلد الغالي على قلوبنا جميعا، وأن ما يجري على أرضها من قتل وتدمير وتشريد يؤلمنا جميعاً، ندعو إلى حل الأزمة بالحوار والحل السلمي البعيد عن القتل والعنف والسلاح، الذي تحول إلى إرهاب تحت اسم الدين. المسيحيون لهم تاريخ مشترك مع المسلمين في سوريا، وأنه كما امتزج الدم المسيحي والمسلم معا، في العهود السابقة ذودا عن حياض تراب الوطن الغالي سيشتركون معا أيضا في وحدة المصير ووحدة المستقبل.
نناشد جميع الدول المشاركة في جنيف 2 أن يتركوا سوريا للسوريين، فهم أعلم بمستقبلهم، واذا كنتم تحبون سوريا لهذه الدرجة فقاطعوا امداداتكم ودعمكم للارهابيين والمسلحين لانكم لن تسلموا مستقبلا من بطش هؤلاء الارهابيين والتكفيريين في عقر داركم.
نطالب مجدداً، الجهة الخاطفة للمطرانين يوحنا ابراهيم، وراهبات دير القديسة تقلا في معلولا بإطلاق سراح سائر المخطوفين، إن كل المعطيات التي بين أيدينا تشير الي عملية ممنهجة ومدروسة لتهجير مسيحيي الشرق الاوسط، وكلنا يعلم بأنه لا مسيحية بدون الشرق، ولا شرق بدون المسيحية، ولن يكون الكرسي الانطاكي في يوم من الايام في استوكهولم أو في فرانكفورت او لوس انجلوس. وان الحضور المسيحي في الشرق حاجة اسلامية، أكثر مما هو حاجة مسيحية.
العراق
احتفل المسيحيون في بغداد بعيد الميلاد هذا العام أيضاً وراء حواجز واقية من الانفجارات وأسلاك شائكة، مع ذلك لم يسلموا من الاعتداءات، فقد قتل 34 شخصا على الأقل في تفجيرات بمناطق مسيحية في بغداد الأربعاء 25 ديسمبر، من بينها تفجير سيارة ملغومة قرب كنيسة أثناء خروج الناس بعد قداس عيد الميلاد.
ومع الصلوات وتبادل الهدايا كان كثيرون يتساءلون ماذا يحمل تصاعد العنف إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات والمناورات السياسية قبل انتخابات إبريل نيسان لطائفتهم التي تقلصت بسبب المذابح والهجرة على مدى سنوات.
وبدت كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك عشية عيد الميلاد كحصن محاط بالأسوار، واستخدم الجنود والشرطة أجهزة الكشف عن المتفجرات في فحص السيارات وفتشوا الأمتعة والحقائب والزوار قبل قداس المساء.
وداخل الكنيسة حيث شجرة عيد الميلاد المزينة والفسيفساء اللامعة باللونين الأزرق والأبيض وزينة عيد الميلاد المعلقة، كانت الصورة متباينة مع المشهد في الخارج حيث الشوارع الكئيبة التي تتناثر فيها الكتل الخرسانية والأسلاك الشائكة.
صفوف المقاعد التي كانت لا تكفي الحضور قبل سنوات قليلة بات ما يزيد على ثلثها شاغراً، في انعكاس لانخفاض عدد أبناء الطائفة المسيحية من 1.5 مليون قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة إلى حوالي النصف.
وقال داعية حقوق الإنسان وليام وردة قبل قداس ليل الثلاثاء: “المستقبل حرج للغاية بسبب الهجرة”، مضيفاً أن ما بين عشرة و20 مسيحيا يغادرون العراق يومياً، بسبب هذه المشكلة، وليس ما يشير إلى مستقبل مشرق.
ورغم أن الوضع ما زال غير آمن فقد أشار وردة إلى بعض العلامات على وجود تحسن حذر على الأقل في الثقة ميز القداس في كنيسة مار يوسف.
فعلى سبيل المثال شعر القيمون على تنظيم القداس بما يكفي من الأمن لتغيير موعد القداس إلى الثامنة مساء بعدما كان يقام في موعد مبكر في السنوات السابقة.
يأمل وردة أن تشجع مبادرات حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الأخيرة، مثل اعتبار عيد الميلاد عطلة عامة،لأول مرة هذا العام، مزيداً من المسيحيين على البقاء في العراق.
في عظته، اعتبر راعي كنيسة مار يوسف في بغداد الأسقف بيوس قاشخ وليد أن الهجرة ليست الحل، وترك البلاد يعني “القضاء على هويتنا.. إنهاء وجودنا هنا. ووجودنا كمسيحيين رمز للسلام.”
حضر القداس عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهو حزب شيعي يتحالف أحيانا مع المالكي ويعارضه في أحيان أخرى، وألقى كلمة في المناسبة ركز فيها على التسامح والصفح والسلام وقال إن المسيح كان رمزا لها.
أما في الخارع فكانت الشوارع المظلمة التي يحفها النخيل قفراً إلا من الجنود والشرطة والحراس.