بقلم: كلود أبو شقرا
في حدث يشكل علامة أمل وقوة في منطقة تحوّل بعض بلدانها إلى مسرح للقتل والتطرف وأبشع أنواع الحروب التي حولت الإنسان إلى شاة تذبح بدم بارد ولا من يسأل ولا من يرتدع، انعقد في عمان المؤتمر الدولي “نساء مؤمنات في خدمة الحياة، الكرامة والخير العام” الذي نظمه الاتحاد العالمي للمنظمات النسائية الكاثوليكية، والبطريركية اللاتينية، ومنتدى العمل الكاثوليكي الدولي، برعاية الملكة رانيا العبدالله التي تعنى بالمرأة والعائلة من أجل بناء الإنسان والخير العام.
نور وسط الظلمة
سلط المؤتمر الضوء على دور المرأة في الشرق الأوسط وخبرتها في مجالات العمل الاجتماعي، وجرى خلاله تبادل الخبرات بين نساء من هذه المنطقة من العالم، من بينها لبنان والعراق. وقد اختير الأردن تقديراً للتطوّر الاجتماعي والحضاري الذي خطاه، فشكل فسحة لقاء بين نساء من المنطقة العربية اتفقن على مزيد من العمل والتنسيق لبناء مجتمع أفضل، مبني على السلام والمصالحة والعدالة وروح التضامن الإنساني العالمي.
جدد المؤتمر، في بيانه الختامي، الدعوة إلى السلام في الشرق الأوسط، بخاصة في سوريا، الالتزام بثقافة اللقاء، والحوار، العدالة، الاحترام والتعاون بين الرجال والنساء من المعتقدات والبلدان، مؤكداً “السعي إلى الإسهام في بناء السلام بموجب الدعوة التي منحنا إياه الخالق بالمحبة”.
أضاف: “في اللحظة التاريخية التي تعيشها نساء الشرق الأوسط، نحن كأعضاء في الاتحاد العالمي للمنظمات النسائية الكاثوليكية يدعمنا المنتدى الدولي للعمل الكاثوليكي وبطريركية القدس للاتين، استمعنا إلى اللواتي يشاركننا الإيمان في مصر، وفلسطين، والإمارات العربية المتحدة، ولبنان، والعراق، والأراضي المقدسة والأردن”.
وصف بطريرك القدس للاتين فؤاد الطوال المؤتمر بأنه “ينعقد في وقت حاسم يواجه منطقتنا، وبات البحث عن السلام والعدالة يتصدر القضايا ويتطلب صلوات فردية وجماعية”. أضاف: “لقد جئتن من البلدان ومن مجموعة كبيرة ومتنوعة من الخلفيات والثقافات. فمع احترامي لهذا التنوع، أدعو إلى أن يعمل جمعكن هذا على تثبيت هويتكن الفاعلة من جديد، وأن يملأ الرب الإله قلوبكن، وبيوتكن، ومجتمعاتكن المحلية بنعم وبركات. وأستدعي هنا الذكريات البهيجة لتجمعكن في القدس عام 2010، وهي الذاكرة التي لا تزال حية وعزيزة على القلب. أشكركن لاختياركن عمان لتكون المدينة المضيفة لتجمعكن لهذا العام”.
وأوضحت المنسقة الاقليمية للاتحاد العالمي الكاثوليكي باسمة السمعان أن نساء أردينات شاركن بمؤتمرات دولية عُقدت في بلدان كثيرة، وفي عام 2010 عقد الاتحاد مؤتمره في القدس الشريف، وقبلها في حاضرة الفاتيكان. وفي كل سنة، كان الأمل يكبر في أن ينعقد هذا المؤتمر في المملكة الأردنية الهاشمية. واليوم يصبح الحلم حقيقة، وما كان بالأمس أمنية، تحوّل اليوم إلى واقع جميل.
أما رئيسة الاتحاد العالمي ماريا جوفانا، فاعتبرت ” أن نساء العالم المشاركات يرغبن في أن تشرق شمس العدالة والسلام على أطراف الأرض، لذلك جئنا إلى الأردن، لنوجه رسالة إلى العالم ، مفادها أن المرأة المؤمنة لها دور كبير لا ينكر ولا يستهان به ، في العائلة من أجل الكرامة الإنسانية وخير الإنسانية جمعاء”. واضافت: “ندرك حجم الصعوبات والالام التي تواجهها شعوب هذه المنطقة، إلا أن الأمل الكبير، في أن تتضافر الجهود السلمية ، وأن يكون هذا اللقاء، حافزاً لمزيد من العمل والتتضحيات من أجل بناء عالم جديد تسود فيه الكرامة والطمأنينة “.
لمحة تاريخية
تأسس الاتحاد العالمي للمنظمات النسائية الكاثوليكية (WUCWO)عام 1910، ويضم مئة منظمة كاثوليكية من أنحاء العالم، ناشطة في 66 بلدأً في القارات الخمس، وحوالى خمسة ملايين امرأة من نواحي الحياة المختلفة. هدفه تعزيز المسؤولية المشتركة بين النساء الكاثوليكيات في المجتمع والكنيسة لتمكينهن من أداء رسالتهن في التبشير، والعمل من أجل التنمية البشرية، لا سيما زيادة الفرص التعليميّة والحدّ من الفقر والنهوض بحقوق الإنسان بدءاً من الحق الأساسي في الحياة. وهو يتضامن اليوم مع نساء الشرق الأوسط اللواتي يعشقن أرضهن ويعملن من أجلها.
الاتحاد العالمي للمنظمات النسائية الكاثوليكية، عضو في المجلس الاجتماعي والاقتصادي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، منظمة الأغذية والزراعة الدولية، المجلس الأوروبي، اليونسكو.
تترأس الاتحاد ماريا جوفانا روجيري التي كانت تشغل منصب معاون الرئيس الإقليمي لقسم الراشدين في الحركة الكاثوليكية، وانتخبت رئيسة عامة في المؤتمر العام للمنظمات النسائية الكاثوليكية الذي عقد في القدس في تشرين الأول 2010.
ينسّق الاتحاد أنشطة المنظمات النسائية الكاثوليكية في أنحاء العالم ويشكّل حلقة وصل بينها وبين شبكة من المنظمات والجماعات الدينية، لمساعدة من هم دون موارد أو فرص، وضحايا العنف والفقر، وتوفير لهم وسيلة لكسب العيش … أما المجالات الرئيسة لنشاط الاتحاد فهي: تشجيع النساء لمواجهة التحديات المعاصرة، تعزيز الوعي واحترام التنوع الثقافي، تعزيز البعد الدولي في إطار المنظمات الأعضاء فيها، التنسيق بين المنظمات الأعضاء على المستوى الدولي، رفع مواقف الاتحاد إلى الهيئات الدولية، التواصل مع المنظمات الدولية الأخرى والجماعات الدينية لاحترام حقوق الإنسان عموماً والنساء خصوصاً، تشجيع الحوار المسكوني بين الأديان .
محطات مضيئة
استضلفت مكسيكو سيتي المؤتمر الخامس لاتحاد المنظمات النسائية الكاثوليكية في أميركا اللاتينية (8 – 12 نيسان 2013) ، وتمحور حول الاتجار بالبشر. جاء في بيان للاتحاد أن هدف المؤتمر الإقليمي لفت انتباه الجماعات الكنسية والرأي العام إزاء هذه الآفة الخطيرة في زماننا الحاضر، وضرورة القضاء عليها.
أضاف البيان: “من خلال التذكير بالعقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية، يبغي اتحاد المنظمات النسائية الكاثوليكية في أميركا اللاتينية الإسهام في التربية على احترام كرامة كل إنسان. تشجعنا كلمات قداسة البابا فرنسيس في رسالته إلى مدينة روما والعالم احتفالا بعيد الفصح 2013 “يشكل الاتجار بالأشخاص العبودية الأكثر انتشارا في القرن الحادي والعشرين” على متابعة عملنا”.
تخللت المؤتمر مداخلات سلطت الضوء على مواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر ومساعدة الضحايا، مع الإشارة إلى أهمية دور وسائل الاتصال الاجتماعية وشبكات التواصل الاجتماعي في تنبيه الرأي العام إزاء خطورة هذه المسألة. اختتم المؤتمر بقداس إلهي ترأسه السفير البابوي في المكسيك المطران كريستوف بيار، في بازيليك سيدة غوادالوبي.
انعقد هذا المؤتمر بعد سينودس الأساقفة والإرشاد الرسولي “الكنيسة في ميديو أورينت” للبابا بنديكتوس السادس عشر الذي كتب: “أريد ان أؤكد لجميع النساء أنه امتثالا لوفاء الكنيسة الكاثوليكية لخطة الله، فإنها تعمل على تعزيز الكرامة الشخصيّة للنساء والمساواة مع الرجال دحضاً للتمييز الذي يتعرضن له لأنهن ببساطة نساء. وتلحق مثل هذه الممارسات ضرراً بالغاً بحياة الشركة والشهادة، إنها لا تسيء بشكل خطير للنساء فحسب، وإنما قبل كل شيء لله الخالق. فتقديراً لميلهن الفطري إلى الحب وإلى الحياة البشرية، وإجلالا لمساهمتهن الخاصة بالتعليم والرعاية الصحية والعمل الإنساني والحياة الإصلاحية، أعتقد أنه يجب أن تلعب النساء دوراً أكبر في الحياة العامة والكنيسة، كما يجب السماح لهن بذلك، وبهذه الطريقة ستكون النساء قادرات على تقديم مساهمتهن الخاصة في بناء مجتمع أكثر أخوة، إضافة إلى كنيسة تتميّز بجمال أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، في تواصل حقيقي بين المعمدين”.
في أيار 2011 اجتمع مجلس الاتحاد العالمي للمنظمات النسائية الكاثوليكية، في دوميس ماريي في روما، وناقش خطة عمل لغاية 2014 تتضمن : تنشئة الأجيال الشابة، اهتمام خاص بظروف المرأة في الشرق الأوسط خصوصاً في الأراضي المقدسة، التركيز على موضوع الهجرة الذي تنظم بشأنه حملة تهدف إلى التعريف بظاهرة النساء ضحايا المتاجرة.
شاركت في الاجتماع وفود مجلس المنظمات النسائية الكاثوليكية من: روما، الأرجنتين، أستراليا، كاميرون، غانا، إندونيسيا، مالي، المكسيك، تيجيريا، كندا، كوريا الجنوبية، جزر فيجي، الفليبين، فرنسا، غابون، المملكة المتحدة، السيتغال، الولايات المتحدة، جنوب إفريقيا، تنزانيا، هنغاريا، فنزويلا، زامبيا…
قام المجلس بنشاط خاص في السنوات القليلة الماضية في أوروبا حول المتاجرة بالنساء، ونظم في هذا الخصوص مؤتمراً عالمياً في فيرونا (2008)، وندوة للتعريف بهذه الظاهرة في فاك (هنغاريا) في 2010، حثت الاتحاد الأوروربي على القيام بمبادرة مشتركة لإيقاف الاتجار بالبشر.
أما في المؤتمر الذي عقده الاتحاد في القدس (2010) فطالب بتجديد الالتزام في دراسة الوثائق المجمعيّة وتعريف الأجيال الجديدة من النساء بها، لا سيما اللواتي يعملن في الكنيسة والمجتمع، ليمتلكن إحداثيات صحيحة في مسيرة عملهن.
مواكبة قضايا العصر
على مرّ تاريخه ومنذ إنشائه في 1910 اتخذ اتحاد المنظمات النسائية الكاثوليكية مواقف وضعت الإصبع على الجرح الذي ينزف في خاصرة الإنسانية ويدمي قلبها، وعمل على إيصالها إلى أعلى المنابر العالمية وتابعها بدقة، كذلك واكب الحقب التاريخية وغاص في عمق المشاكل والمعضلات والتغييرات التي أفرزتها الحروب على الصعد الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
في الحقبة قبل الحرب العالمية الثانية ناقشت المؤتمرات التي عقدها الاتحاد سلسلة من القضايا التي اعتبرها خطراً تهدد المجتمع والأسرة على السواء من بينها : حطر الماسونية والعمل والرواتب للمرأة (1911)، الأخلاق والتربية الدينية والمرأة في مكان العمل (1912)، المحافطة وانتشار الإيمان وإعداد المرأة للمسؤوليات المدنية (1929)، مشاكل المرأة جزء لا يتجزأ من المشاكل الاجتماعية (1926)، إعادة بناء الأخلاق والعائلة (1930)، المرأة في مكان العمل، الأخلاق والنظافة (1932)، الشابات في عالم اليوم والمبادئ النسوية الاجتماعية الكاثوليكية (1937)، النساء الكاثوليكيات واستعادة المسيحية في مجتمع اليوم (1939).
بعد الحرب العالمية الثانية تناولت مؤتمرات الاتحاد دور المرأة الفاعل في صنع السلام العالمي وإعادة بناء المجتمعات على أسس الحوار، من أبرز القضايا التي ناقشها: مساهمة المرأة المسيحية في المجتمع الإنساني (1947)، دور المرأة في المجتمنعات في طور النمو (1951)، السلام في العالم ومساهمة النساء الكاثوليكيات (1953)، شخصية المرأة الكاثوليكية في الحياة الدولية (1953)، حياة الإيمان والحياة الداخلية، والحياة الأسرية ، الحياة الرسولية الاجتماعية والمدنية على حد سواء (1954)، المرأة الكاثوليكية العاملة في العالم ، تشكيل شخصية امرأة بالغة ، الجوع في العالم (1957).
عقد الاتحاد الدولي مؤتمراً في روما ( 29 أبريل – 5 مايو 1961 ) عشية المجمع المسكوني في عنوان “المرأة الكاثوليكية ، مصدر الوحدة في المسيح و كنيسته”، وناقش أربع نقاط رئيسة هي: أدوار المرأة الروحية والبشرية والاجتماعية، العمل في العالم التقني نحو الوحدة، النساء الكاثوليكيات وكلاء للوحدة، مسؤولية الضمير المسيحي في مواجهة الجوع في العالم .
في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي حتى سبعينياته ركزت مؤتمرات الاتحاد حول دور المرأة في عالم جديد، وفي بناء إنسانية جديدة، وعلاقتها بالكنيسة (1967)، النهوض بالمرأة . مشاركة من أجل مجتمع أكثر عدلا و مشاركة أكبر في الكنيسة (1970)، المرأة والعدل و التبشير (1979)، المرأة : الهوية – تطوير – المجتمعات الجديدة ” .
أما في ثمانينيات القرن الماضي وصولاً إلى 2006، فشددت مؤتمرات الاتحاد على مجموعة من الأولويات من بينها: التنشئة الروحية ؛ المرأة والكنيسة ، والتعليم من أجل الحياة الأسرية، المشاركة في صنع القرار، عدالة حقوق الإنسان، المرأة والعمل (1983)، النهوض بالمرأة – إثراء للجميع (1987)، المرأة والحياة: الرؤية – واقع – العمل (1991)، التعليم ، العنف ضد المرأة ، وحقوق الإنسان (2001)، المرأة صانعة السلام (2006).
كلام الصور
1- جانب من المؤتمر في عمان
2- البطريرك فؤاد طوال والمشاركات في المؤتمر
3- البطريرك فؤاد طوال يلقي كلمته
4- رئيسة الاتحاد العالمي ماريا جوفانا تلقي كلمتها
5- أول مؤتمر للاتحاد (1911)