نظمت كلية اللغات في جامعة القديس يوسف -بيروت ومؤسسة رفيق الحريري، بالتعاون مع السفارة الإسبانية، “احتفالية اللغة العربية واخواتها”، في حرم العلوم الانسانية في الجامعة – قاعة بيار أبو خاطر، شارك فيها الدكتور محمد السماك ممثلا الرئيس سعد الحريري، وزير الإعلام في حكومة تصريف الاعمال وليد الداعوق، رئيسة بعثة الإتحاد الأوروبي السفيرة انجلينا ايخهورست، سفير فرنسا باتريس باولي، سفير إسبانيا ميلاغروس هيرناندو، هدى طبارة ممثلة نازك رفيق الحريري، المديرة العامة لمؤسسة الحريري سلوى السنيورة بعاصيري، رئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش، عميد كلية اللغات في الجامعة اليسوعية هنري عويس، رئيس مدرسة الترجمة طليطلة لويس ميغيل كانيادا، مارتن فورستنر من جامعة مايينز الألمانية.
قدمت الإحتفالية رئيسة شعبة الترجمة الفورية في الجامعة اليسوعية إلسا يزبك شرباتي وقدمت كل من سارة صادر وسارة لطيف وسارة صالح مقطوعات موسيقية.
عويس
ألقى البروفسور عويس كلمة، أشار فيها إلى أننا “نحتفل بالعربية وأخواتها لأن الأعياد لا تكتمل فرحتها إلا إن هي صارت موعداً يلتقي فيه الأحبة، ومساحة تضيء بينهم سعادة وحبوراً. فاحتفالية هذا الصباح تتخلى عن العيون الباكية على العربية، والحناجر المزمجرة دفاعاً عنها، والمواقف المشككة في أخواتها والحذرة منها. فالعيد، وإن كان عيدها، إنما هو عيد أخواتها اللواتي لهن فيها ما لها هي فيهن.
ولكم سعدت، عندما كنا نعد العدة لهذا النشاط، أن تقترح السيدة سلوى السنيورة بعاصيري بألا يقتصر العيد على الضاد فحسب، إنما يأتي على وتيرتين تبدأ الأولى منهما هنا في كلية اللغات لجامعة القديس يوسف، وتليها الثانية في ليسيه عبد القادر، كأن عيد العربية هو عيد اللغات أجمعها، طالما أنهن ينتسبن إلى شجرة التواصل الواحدة بأغصانها وفروعها وأوراقها. والعربية التي سكناها في الأهداب والشغاف، لا تصاب بحسد ولا تنحدر إلى حضيض الغيظ إن أتتها لغة أو سلمت عليها أخرى. فهي بما لها من أصالة ومن مرونة وليونة، قد تراها تارة تتوشح بوشاح، وتارة أخرى ترتدي بنطالا وقميصاً، وتبوح ثالثة بهوى، وتسجد أو تركع مصلية خاشعة، فهي لغة أيام الأسبوع السبعة بجمعتها وسبتها واحدها”.
أضاف: “ولليسوعيين مع هذه السيدة الفاضلة والفتاة المغناج الحلوة ألف قصة وقصة، فهم درسوها وعلموها وأنشأوا لها القواميس، وهم وضعوا لها طرائق التعليم وحملوها معهم أينما حلوا، فليس من الغرابة أن يدير رئيس الجامعة الحلقة الأولى من لقائنا بعنوان “العربية على شفاههم وفي قلوبهم” مذكراً بوجوه كريمة من الآباء من أمثال لويس بوزيه وميشال آلار، واندره دلفرني، وهنري فليش وغيرهم”.
بعاصيري
قالت سلوى بعاصيري: “لغة مشتركة كان لها أن تجمع بين مؤسسة رفيق الحريري وجامعة القديس يوسف منذ ثلاثة عقود ونيف، قوامها بناء الكفايات المعرفية في لبنان وصولا إلى تسكين مجتمع المعرفة في صروحه والمؤسسات. فكان تعاون وثيق في إطار إقامة جامعة تكنولوجية في مجمع كفركفالوس، ذلك المجمع الذي أراده الرئيس الشهيد رفيق الحريري صرحاً معرفياً وتعليمياً وصحياً رائداً متعدد الثقافات والخلفيات، ومنطلقاً لإعادة إعمار لبنان بعد سنوات من التقاتل والاحتراب. ولئن لم يكتب لهذا المشروع أن يستمر ما يكفي من الزمن ليطرح ثماراً تنهض بلبنان، وتسرع في تعافيه، فإن إرادة التعاون والبذل والعطاء التي حكمت منطلقاته استمرت وتعاظمت، كما أخذت اللغة المشتركة بين المرجعيتين طريقها إلى التجذر والتوسع على أكثر من صعيد، وما لقاؤنا اليوم إلا أحد تجليات تلك اللغة المشتركة، وكم تحرص رئيسة المؤسسة السيدة نازك رفيق الحريري على توسيع آفاقها وتعزيزها”.
أضافت: “لأن اللغات، كل اللغات، هي الوعاء الحامل للتعبيرات الثقافية والفكرية للشعوب، والأداة الأمثل لتنمية آليات التفكير والملكات الإبداعية، والسابر الأعمق لمكامن النفس فهي، أي اللغة، الصيغة الأصدق من صيغ الوجود الذاتي، والطريق الأرحب لرؤية العالم، والسبيل الأرقى لتأكيد المكانة الحضارية. ولأن اللغات، كل اللغات، هي المنوط بها حفظ الذاكرة الجماعية وصون الهويات الوطنية للأفراد والجماعات، فهي جسر العبور لملاقاة الآخر المختلف على قاعدة الكرامة الإنسانية. ولأن اللغات، كل اللغات، هي الوسيط الأفضل للوصل والتواصل والربط بين القضايا المحلية والعالمية، فهي المعبر الأمثل للحوار فالتفاهم فالتعاون فالشراكة على قاعدة التكافؤ والتعادل.
ولأن اللغات كل هذا واكثر، أطلقت اليونسكو في مطلع الألفية الثالثة اليوم العالمي للغة الأم ليحتفى به في الواحد والعشرين من شهر شباط من كل عام، مؤكدة بذلك حرصها على حماية التنوع اللغوي الذي هو مرآة للتنوع الثقافي الإنساني. ولكن اليونسكو عادت لتطلق في العام السابق يوما عالميا خاصا باللغة العربية، اعترافا منها باتساع المساحة التي تحتلها هذه اللغة بين لغات الشعوب، وهي التي نصبت في مثل هذا اليوم بالذات من العام 1973 لغة رسمية معتمدة في منظومة الأمم المتحدة، الى جانب سائر أخواتها من اللغات العالمية، ولتؤكد اليونسكو عبر هذا الاجراء على رحابة اللغة العربية في قبول لغات الآخرين وخبراتهم، وجهوزيتها للتفاعل معها إثراء واغتناء. ولتؤكد أيضا على مكانتها الرفيعة وطواعيتها المتناهية في التعبير عن المعنى الأدق والمضمون الأعمق.
لكننا نحن الناطقين باللغة العربية، وإن كنا نحرص على تجاور اللغات المختلفة بل وتفاعلها في أنظمتنا التربوية، بتنا نشهد ضموراً في المساحة المتاحة للغة العربية، مما أخذ يحدث علاقة غير ندية وبل شرخاً بين اللغة العربية وأبنائها عوض بناء علاقة اعتزاز وتصالح بينها وبين الجيل الجديد. هناك من يعزو تقلص تلك المساحة إلى وجوب ورود المعرفة من مصادرها والتي تتمركز في نتاج اللغات الأخرى، في حين أن ليس من نتاج يضاهيه في اللغة العربية. قد يكون في تعليل كهذا بعض من صحة، ولكن اللغة العربية ليست هي من يسأل عن هذا القصور المعرفي، بل تسأل عنه المناخات غير المؤاتية لإطلاق إبداعات الناطقين باللغة العربية، والأطر غير المحفزة لتعزيز البحث العلمي والمعرفي في صفوف المهتمين والمعنيين، والتسهيلات غير المكتملة لتشجيع حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها في ما يخدم الوصول الحر الى مختلف مصادر المعرفة المعولمة”.
الندوة الأولى
والتأمت الندوة الأولى بعنوان “العربية على شفاههم وفي قلوبهم”، أدارها الأب سليم دكاش الذي أعلن ان “ما يجمعنا اليوم مع كلية اللغات والترجمة هو الاحتفال باللغة العربية كأدوات تواصل وحاضنة ثقافية، وما قدرتكم على المخاطبة بالعربية لغة ابن عربي والمتنبي وطه حسين وجبران خليل جبران وغيرهم سوى شهادة عن تلك المكانة التي تحتلها العربية في قلوبكم، وهذا ما يدفعنا لأن نحب لغتنا اكثر ونحولها إلى لغة حياة من أجل الحياة”.
بدورها رأت السفيرة ايخهورست “ان عنوان اللقاء معبر جدا، لأن للعربية أخوات وإخواناً كثيرين بلا شك، وأنا أعتبر نفسي من بينهم. ليست العربية بالطبع لغتي الأم، لكني أعتبرها لغتي بالتبني منذ أكثر من عشرين عاماً. أقر بأن تعلم العربية مهمة غير سهلة، لأنها اللغة اللغز التي لا تقول كل ما عندها في اللحظة الأولى”.
أضافت: “تمتاز العربية بالغنى في التعابير والمرادفات والاشتقاق والتكيف واللين والتجدد. العربية “لغة الضاد”، كما سماها كبير شعراء العرب أبو الطيب المتنبي في إحدى قصائده، مدعاة للفخر بفضل حملها مجموعة من القيم. تؤكد اللغة العربية من خلال ناطقيها أنها مصدر للحكمة اليومية أيضا، فنقرأ في إحدى الحكم العربية مثلا “تواضع عن رفعة، وأزهد عن حكمة، وأنصف عن قوة، وأعف عن قدرة”. في هذا الكلام تعبير عن حكمة بشرية توارثتها الأجيال. وهذه في رأيي ميزة يتمتع بها عدد قليل من اللغات المتداولة اليوم.
تتحدث القارة الأوروبية أربعاً وعشرين لغة رسمية وأكثر من ألف لغة ولهجة محلية، لكن هذه الوفرة لا تمنعنا من التفاهم. أما في العالم العربي فتنتشر أفكار جاهزة عن تجانس اللغة العربية، بينما يبدو الواقع مختلفا لأسباب عدة لعل أبرزها غياب هيئة لغوية مرجعية واحدة متفق عليها تتولى النهوض باللغة العربية. نسأل عن ما يمنع اللغة العربية من التطور ونحن نتذكر جبران خليل جبران في قوله إن “اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة.
طالما تخيلت اللغة العربية على شكل صورة، أراها مثل صحن الدار في المنازل العربية التقليدية، مساحة تجمع كل المقيمين في المكان. أتخيلها مكانا للتلاقي. كيف يعقل أن لا تكون العربية لغة حوار وهي وريثة التقليد الشفوي، لغة تفخر بماضيها من دون أن تكون لغة الماضي. وبالحديث عن الماضي، عندما واجهت اللغة العربية خطرا كبيرا ولا سيما تحت الحكم العثماني، كان للبنانيين الدور الأبرز في الحفاظ عليها متمسكين بانتمائهم إلى هذه الأرض. في الواقع، إن اللغة هوية لا يمكن إخفاؤها حتى حين يختار الإنسان أن ينطق بغيرها. وأحد الأمثلة على ذلك الكاتب اللبناني الكبير أمين معلوف، العربي في كلماته الفرنسية. فكما تعرفون، عنون معلوف أحد كتبه “الهويات القاتلة”، ونحن نتمنى للغة العربية في يوم الاحتفال بها أن تكون صانعة الهويات البناءة.
كنت أنوي اليوم أن أشارككم مشاعري وأن أحدثكم عن ارتباطي الشخصي باللغة العربية التي تعلمتها. إنما عدت واخترت توجيه رسائل ثلاث جئت على ذكرها للتو. وفي النهاية، أود قول أمر واحد: أنا ممتنة جدا للعربية، فأنا لم أختر تعلمها بل هي اختارتني. أنا ممتنة لها لأنها وجدتني وأغنت حياتي الشخصية والمهنية. وأنا أتمنى لكم أن تستفيدوا مثلي من هذه الخبرة”.
وقدم السفير باولي مطالعته، فقال: “أنا مسرور بالمشاركة في هذا اللقاء حول موضوع أعلق عليه أهمية فائقة، ألا وهو تعلم اللغات، أي التواصل مع الآخرين، ولا سيما أننا سوف نتحدث اليوم عن لغة عزيزة على قلبي، وهي اللغة العربية. اسمحوا لي أن أروي لكم رواية لقاء طفل مع اللغات الأجنبية وكيف تطورت هذه العلاقة حتى بلغت سن الرشد. في الواقع، إني لا أحبذ استخدام عبارة “لغة أجنبية” ذلك أن اللغة التي نتعلمها، وإن لم تكن لغتنا الأم، تصبح جزءاً منا وملكا لنا بطريقة ما”.
أضاف: “منذ نعومة أظافري، وجدت نفسي وجهاً لوجه مع تعلم لغة جديدة. كنت في الرابعة من العمر عندما وصلنا إلى الولايات المتحدة الأميركية، وسجلني والداي في المدرسة الرسمية الكائنة في الحي حيث كنا نقطن في مدينة واشنطن. وقد وجدت نفسي منغمساً، في صفوف الحضانة، في عالم أنغلوفوني حصرياً وبالتالي أصبح تعلم اللغة الانكليزية ضرورة لا بد منها. في ما بعد، واجهتنا مسألة اختيار اللغات الحية في المرحلة الثانوية. وبما أننا تعلمنا، أخي وأنا، اللغة الإنكليزية في طفولتنا، قرر والدي أننا سوف نتعلم الألمانية والروسية. وكان ذلك في ليبيا. كنا نتابع دروساً بالمراسلة وكان والدي يساعدنا في المنزل. وكان هذا يبدو طبيعياً جدا لنا، لا شك بسبب شغف والدي باللغات الذي ورثناه عنه.
في هذه اللحظة دخلت اللغة العربية حقاً إلى حياتي، إذ كان تعلمها الزامياً حتى في المدرسة الفرنسية في طرابلس. تعلمت هناك، المبادئ الأساسية للغة العربية الفصحى على يد مدرسة تونسية، وكان لي في البيت معلم ثان، والدي. كان تعلم هذه اللغة إلزامياً بالطبع ولكني سرعان ما نظرت إليها بالطريقة نفسها التي نظرت فيها، في طفولتي، إلى اللغة الإنكليزية إذ وجدت فيها وسيلة للتواصل. كانت البداية مؤلمة حقا. كنت أتعلم اللغة العربية الفصحى ولكن لم تكن تلك اللغة التي يتكلمها الناس في الشارع. وأذكر نظرة التعجب التي كانت ترتسم على وجوه الأولاد من أترابي عندما كنت أجيبهم بلغة عربية منقحة. ولا شك في أنهم كانوا ينظرون إلي كمخلوق فضائي ولم أكن أكيداً أن الاولاد في الحي كانوا يفهمون دوما ما أقوله. ما زلت أذكر مالك أحد المحلات المجاورة الذي راح يقهقه عندما غضبت منه لسبب لا أذكره، إذ إنني استجمعت كافة المفردات التي كنت أعرفها باللغة العربية وكلما ازدادت حدة غضبي، ارتفعت وتيرة ضحكه، ولا سيما أنني كنت أعبر عن هذا الغضب من دون شك بطريقة خرقاء. كانت تلك مذلة ما بعدها مذلة. غير أنني ثأرت من هذا الوضع لاحقاً ! فقد تم اختياري لأقرأ، في احتفال نهاية العام الدراسي، نصاً باللغة العربية للترحيب بالأهالي والمدعوين. وكان والدي فخورا للغاية.
في ما بعد، تابعت دراسة اللغة العربية الفصحى في معهد اللغات الشرقية. وكنت قد قررت أن أتآلف مع اللهجات العامية على أرض الواقع. وهذا ما قمت به في اليمن، إذ تعلمت لهجة أهالي صنعاء مع صديق من الإرساليات. وكانت تلك لمتعة حقا! ثم تعلمت لهجة أهالي عمان مع سيدة فلسطينية عجوز. وكنت أعشق هذه الحصص الدراسية مع ما يرافقها من معمول وشاي. وأخيراً غصت في تعلم العربية المصرية في القاهرة. في قرارة نفسي، لم أكن أهتم بقدرتي على قراءة نص بالفصحى بقدر اهتمامي بقدرتي على التواصل مع الآخرين. مع أنني أود طمأنتكم أن لا مشكلة لي على الاطلاق مع النصوص المكتوبة بلغة فصحى جميلة للغاية.
أما اليوم، فقد اخترت أن أفضل التحدث باللغة العربية الفصحى من دون أن أتجاهل اللهجات العامية بطبيعة الحال. والأهم من ذلك كله هو أنني أعتبر جميع اللغات التي تعلمتها وكأنها ملك لي بطريقة أو بأخرى. فهي تشكل جزءا من هويتي كما انها ساهمت في تكوين شخصيتي، ولا سيما أنها مكنتني من معرفة الآخر والذهاب إلى ما هو أبعد من اللغة، إذ أنها جعلتني أفكر على نحو مختلف وأثارت بي فضولا عظيما إذ رحت أتساءل، من هو هذا الآخر الذي أتحدث إليه وكيف يفكر؟
اليوم، أشجع على تعلم اللغات أشد تشجيع، وذلك لأسباب بديهية، ففي الوقت الذي يتصاعد فيه انعدام الفهم، لا بل الكراهية التي يغذيها جهل الآخر، في كل مكان، حول البحر الأبيض المتوسط، في هذا الشرق البسيط والمعقد في آن، ينبغي أن نفتح آفاقنا الذهنية وآذاننا وأن نتجاوز الخوف من الآخر لنتواصل في ما بيننا. فأنا لم أنظر يوماً إلى اللغة كعائق أو كحجر عثرة بل لطالما رأيت فيها وسيلة للتواصل ولمعرفة الآخر، نتعلمها لأننا نميل إليها ولكن يفرضها أيضا إحساس بالضرورة.
أود ختاما التحدث عن اللغة العربية في حياتي اللبنانية، قد يظن البعض أن الديبلوماسي الفرنسي الذي يأتي إلى لبنان قد يكتفي باللغة الفرنسية. أو ليس لبنان أحد معاقل الفرنكوفونية، ولا سيما أن فيه عشرات الآلاف من تلاميذ المدارس الذين يتبعون مناهج دراسية فرنسية؟ ولكن لا، أنا لا أكتفي بالفرنسية. فهل من سبيل أفضل للدفاع عن اللغة الأم من الدفاع عن اللغات الاخرى، عن حق كل شخص في أن يكون له هويته الثقافية الخاصة وحقه في التعددية وفي التعبير في لغته الأم؟ إن الفرنكوفونية مجال مفتوح على مصراعيه وليست قلعة حصينة. واللغات مدرسة تعلمنا التسامح
يتمتع اللبنانيون بميزة كبرى ألا وهي تعددية اللغات، التي تشمل العربية بالطبع ولكن أيضا الفرنسية والإنكليزية. ونحن نأخذ في الاعتبار هذا الواقع إلى أبعد الحدود. فلماذا نحرم الشبان والشابات اللبنانيين من نقاط قوة وامتياز عن طريق إلزامهم بالقيام بخيار ليس ضرورياً، بالطبع أنا لا أوفر جهدا لتشجيع اللغة الفرنسية ولكي يتم تعليم هذه اللغة على أفضل نحو ممكن وبالطريقة الأكثر إفادة لجميع اللبنانيين الذين يلتفتون نحونا ونحو لغتنا. والحق يقال إن الفرنسية هي كذلك لغة العديد من اللبنانيين وهي ليست لغة فحسب بل طريقة تفكير أيضاً”.
كانيادا
وتحدث كانيادا عن تأثير اللغة العربية على مهنته وحياته الشخصية وعمله كمترجم، ورأى أن “للثقافة العربية الكثير مما تقوله للثقافة الغربية، وهي أتاحت له السفر وفتحت له أبواب الشرق، اليوم هناك أكثر من 800 ألف نسمة في إسبانيا وأكثر من 50 ألف طالب في المدارس من أصل عربي والأسباب لنتعلم العربية كثيرة في مجتمعاتنا”.
فورستنر
بدوره، قال فورستنر: “أنا مدين للغة العربية الفصحى وثقافتها بالاحترام والتقدير، ولها يرجع الفضل في مساري الدراسي وحياتي المهنية. اللغة العربية ارتقت الى مصاف اللغات العالمية لكونها لغة الإتصال والتواصل وهي حاضرة في المجالات الثقافية والسياسية والإقتصادية وفي العديد من المنظمات الدولية”. من ثم قدم شرحاً وافياً عن مفهوم كليات الترجمة وعلم الترجمة كعلم قائم بحد ذاته متمايز عن علم اللغات”.