يازجي مفتتحاً مؤتمر “البطريرك اغناطيوس الرابع، الإنسان وميراثه”: الكنيسة تفتقده في هذه الأيام، وتسأله أن يصلي من حيث هو من أجل سلام المشرق المعذب والعالم

افتتح بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر يازجي مؤتمراً جامعياً بعنوان “البطريرك اغناطيوس الرابع، الإنسان وميراثه” في قاعة دير hazimسيدة البلمند البطريركي لمناسبة مرور عام على انتقال المثلث الرحمة البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم.
بداية النشيد الوطني، ثم صلاة مباركة من البطريرك يازجي تبعها كلمة ترحيب وتعريف من عميد معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند الشماس بورفيريوس جرجي شكر فيها باسم اللجنة المنظمة البطريرك يازجي على مبادرته في الدعوة للمؤتمر.

طارق متري

وتحدث الدكتور طارق متري عن “بطريرك الحضور والصبر والجسارة” في مداخلة اختصرت “عوالم البطريرك اغناطيوس الرابع المتعددة في لحظات الموقف الواضح والسريع وفي الزمن الطويل، زمن التبصر والتراكم، وفي سياقات التوازن الصعب بين المدى القصير والمدى الأبعد”.

وقال: “أخلاقيات المسؤولية رتبت عليه التعاطي الواقعي مع الحكام واصحاب النفوذ. غير أن اخلاقيات القناعة عصمته عن الانصياع لهم والخضوع لرغباتهم والاهواء. اعتز اغناطيوس الرابع بكنيسة انطاكيا، وهي عنده كنيسة الذاكرة المديدة. لعلها أقدم جماعة مسيحية… لم يحن إلى بيزنطية مثلما يميل عدد من الأرثوذكسيين إلى احتساب عالم غير موجود وكأنه ما زال موجوداً. ولم تأخذه، من القرن التاسع عشر حتى أيامنا، رهانات الاعتماد على حماة الخارج والاستقواء بالاخوة في الأرثوذكسية”.

أضاف: “لم يخف خيبته مما صنعته الكيانات السياسية الحديثة، وقد استثنى منها لبنان، والتي لم تطو في حقيقة الامر صفحة الذمية… لم ينزع إلى وضع المسيحيين والمسلمين في صفين متقابلين…مسألة التحرر من الشعور الأقلوي شغلته من دون الوقوع في منزلق التماهي مع الأغلبية إلى حد إنكار الخصوصية، أو اعتناق علمانية عقائدية مستقدمة من تجارب تاريخية بعيدة عن الفضاء العربي والإسلامي… كان باستطاعته الخروج من أسر الأقلوية عن طريق التشديد على القطيعة بين الكنيسة والطائفة، وأخراج الأولى من حسابات الحجم والنفوذ، لكنه ابى ذلك”…

تابع: “أبدى حذره بل انزعاجه، في سنة رحيله، بفعل دفق الكلام وضجيج الخطب وتناسل المبادرات، ورغم ذلك حاول أن يجمع دعاة الخصوصية، والمطالبين بحقوق الطائفة، تحت كنف الكنيسة، وأراد السعي من أجل تعزيز مشاركة الارثوذكس في حياة لبنان العامة وإنصاف من لم ينصفه نظام الطوائف، وأراد البحث عن صيغة تستوعب المتذمرين وتصوب كلام الهوية العقيم والحديث المردد عن الطائفة المشتتة او المخطوفة… لم يعد الحديث عن الحضور المسيحي اليوم في غمرة الحداثة المتأزمة وانفجار التناقضات بين المسلمين، كما كان منذ مطالع القرن الماضي حتى آخره. بات مكتوبا بالعرق والدمع والدم. إلا أن أبعاده اللاهوتية، في فكر اغناطيوس الرابع، تدعو للتأمل وهي مصدر للتعزية والعزيمة”.

البطريرك يازجي

توجه البطريرك يازجي إلى البطريرك الراحل بالقول: “شاء الرب أن تكون زارعاً لا حاصداً، سعياً وراء ثمار تجنيها الكنيسة ويجنيها العالم بمجد الله. وهذه الكلمات خطها مطران اللاذقية اغناطيوس في حفل تأبين البطريرك الياس الرابع عام 1979. لم أجد أحلى من هذه الكلمات يا سيدنا هزيم، وأنسب منها لألقي الطوق على 30 سنة ونيف، سلمت فيها العناية الإلهية دفة انطاكيا إلى عناية ربان حكيم عرف كيف يسير بالرعية ويهديها للخلاص.yazigi

الرب شاء أن تكون زارعاً لا حاصداً، قلتها يا سيدي للسلف وها نحن من جديد نقولها لك، ونرجو من معونة الرب، وشفاعة العذراء والقديسين وشفاعتهم، أن يؤهلني لأن أكون زارعاً ومتمماً مسيرة الأب والأخ والسيد والراعي اغناطيوس الرابع، سعياً وراء ثمار تجنيها الكنيسة ويجنيها العالم بمجد الله.

ماذا زرع البطريرك، وماذا جنت الكنيسة والعالم؟ زرع البطريرك الكثير، ومن جملة ما زرع بذرتين، ولتسمح محبته لي بالاكتفاء بهما، إذ إن الكلام عنه يطول. البذرة الأولى شتلها في حقل الكنيسة الإنطاكية، وحدة انطاكيا في زمن تصدعت فيه مجمعية انطاكيا لبعض الوقت. نحن هنا لنضيء على حكمته وفطنته في لجم تصدع انطاكي ورثه أول عهده، فداره بالمحبة والحكمة، وآثر فيه استخدام لغة المحبة على لغة القانون الجامد. لقد عالج هذا التصدع بمنطق الروية والتبصر، بمنطق الروح الذي يحيي، لا بمنطق الحرف الذي يميت، وسار بعروس المسيح انطاكيا جسما واحداً.

أحلى ما قاله غبطته، وها نحن مدعوون إليه، حتى في يومنا هذا: “قل لي بربك هل من المعقول أن اقوم بعملية تنظير في الكنيسة؟، أنا جئت لأكمل، لأجمع شمل الكنيسة، لأشدّ من بنيانها المرصوص، فتطل باشراقتها على الجميع”. بهذه الكلمات تختصر سياسة الذي رأب الصدع وجمع الكنيسة، التروي والاحتكام لصوت المحبة والتمييز أقوى بكثير من الأحيان من الارتكاز على لغة القانون على اهميتها وضروريتها.

البذرة الأخرى التي غرسها البطريرك الراحل كانت هنا، حيث نحن الآن، كانت نموذجاً انطاكياً متكاملا اسمه البلمند، منارة للكورة وللبنان وللمشرق كله، ملتقى للتاريخ مع الحاضر واستشراقاً للمستقبل. وهنا أيضاً استميحك يا سيدي أن أتلو على مسامع الأحبة بعضاً من كلماتك في هذا الصدد بحرفيته: في العام 1962 انتخبت اسقفاً ووكيلا بطريركيا فنقلت إلى دمشق إلى الديار البطريركية وهناك وجدت أني لا أستطيع أن أؤدي الخدمات التي أتمنى أن أؤديها. فاستأذنت أن أذهب إلى مكان يتطلب العمل، وطلبت إرسالي إلى دير البلمند، وأذكر أن البطريرك قال لي يومها: أنت الآتي من بيروت كيف تستطيع العيش في مكان خراب كالبلمند؟ وكانت ثقتي كبيرة لدرجة أني قلت حيث أكون لا يكون خراب”.

ها هي الأيام تثبت ما قلته والبلمند بديره المبارك، الغارق في القدم، قد غدا صرحاً انطاكياً، تلاقت فيه صلوات الدير وغصن ندي معهد اللاهوت مع الثانوية وأول جامعة أرثوذكسية مشرقية، صروحاً تبني انسان هذا المشرق مهما كان انتماؤه

البلمند، كما كل انطاكيا، فيه شيء من روح اغناطيوس الرابع. وهو الذي سقى هذه التلة بعرق أتعابه اسقفاً ومتروبوليتاً وبطريركًا. والكنيسة تفتقده في هذه الايام، وتسأله أن يصلي من حيث هو من أجل سلام المشرق المعذب والعالم”.

نتذكرك يا سيدنا في هذه الأيام محردة وبيروت والبلمند واللاذقية ودمشق. تفتقدك سوريا ويفتقدك لبنان، ويطلبان منك أنت الذي افتقدتهما بجزيل أتعابك أن تفتقد بنيهم أينما حلوا بخفر صلاتك العذبة. شاءك الرب أن تكون زارعا فصلِّ لمن استلم الأمانة من بعدك واطلب من رب الحصاد أن يرسل رحمته”.

بعد لك عرض فيلم وثائقي ووزع كتاب عن سيرة البطريرك الراحل من اعداد جامعة البلمند.

كلام الصور

1- البطريرك اغناطوس هزيم

2- البطريرك يازجي يلقي كلمته

اترك رد