نظمت “رابطة أصدقاء كمال جنبلاط” بالتعاون مع مؤسسة “فريدريش إيبرت” مؤتمرها السنوي في فندق كراون بلازا- بيروت بعنوان “خطوط التصدع المستجدة في شرق أوسط متغير”، حضره مهتمون، شخصيات سياسية، مسؤولو احزاب ومؤسسات مجتمع مدني وجمعيات أهلية.
بداية، ألقى رئيس الرابطة الوزير السابق عباس خلف كلمة الافتتاح، وقال:”إن المؤتمر نعقده سنوياً، ولهذا الموعد رمزيته بالنسبة لنا. ففي السادس من هذا الشهر أطل كمال جنبلاط على هذا العالم، وفي مطلع هذا الشهر نطل نحن “أصدقاء كمال جنبلاط” عليكم، حاملين فكره وهو الذي كانت له مواقف فكرية ونضالية لم تقتصر على مسرح الأحداث المحلية والإقليمية بل تعدته إلى المسرح العالمي.
إن منطقة الشرق الأوسط بحكم موقعها الجغرافي المميز، وثرواتها المتنوعة كانت وما زالت تتعرض للاضطرابات والثورات والمؤامرات والاحتياجات العسكرية والتوترات السكانية. ونتيجة لكل ذلك تشكلت فيها بيئة حاضنة لفسيفساء من الأديان والطوائف والمذاهب، تتقاطع فيها مجموعات اثنية متنوعة، تتعايش حيناً وتتنازع أحيانا، وشهدت لظروف داخلية قبلية وعائلية ومذهبية من جهة ولمداخلات خارجية فكرية أو سياسية أو مصلحية، من جهة أخرى قيام أنظمة معقدة على أسس ايديولوجية متضاربة، الأمر الذي سهل على الخارج التدخل في شؤونها ورسم الحدود لكياناتها بما يخدم مصالحه على حساب مصالح شعوبها واتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور هما من أكثر النماذج تعبيرا عن هذا الواقع.
نأسف لعدم اكمال الثورات العربية هذه المسيرة إلى النهايات المرجوة، بل تعرضت إلى نكسات أظهرت خطوط تصدع جديدة إلى جانب خطوط التصدع القيمة التي تيسرت لها فرصة الاستمرار، والخطوط الجديدة قد تحمل في طياتها للمنطقة مخاطر أكبر بكثير من تلك التي شهدتها في السابق. ويكفي أن نذكر ما آلت إليه الأمور في تونس وليبيا ومصر واليمن، حيث دخلت هذه البلدان في صراعات جديدة على خلفيات قبلية أو دينية أو مذهبية أو إيديولوجية وبلغ هذا الخلاف أشده في الصراع القائم بين الاسلام السياسي من جهة ودعاة النظام المدني الديموقراطي من جهة أخرى.
تتعرض سوريا منذ ثلاث سنوات إلى حرب تدميرية تتداخل فيها دواع دينية ومذهبية وعرقية إلى جانب الاصطفافات الإقليمية والدولية. فالبلد يتهدم والناس تتهجر أو تقتل والاقتصاد ينهار وعجلة الإنتاج تتوقف. أما النظام فيستمر بالمكابرة فيقصف ويدمر ويقتل والشعب السوري يدفع الثمن من حاضره ومستقبله فيما تلوح في الأفق مخاطر شروخ خطيرة تتربص بهذا البلد.
في لبنان كما في العراق حيث يسجل فشل كبير على صعيد السلطة وممارسة الحكم وحفظ الأمن وتحقيق الازدهار والانصهار، فتتعمق الانقسامات الفئوية والاصطفافات الإقليمية، الأمر الذي يهدد بنشوب حرب أهلية قد تقضي على الكيان والوجود.
هذه الصورة التي ترتسم خطوطها في منطقة الشرق الأوسط تفرض علينا طرح العديد من الأسئلة مثل: كيف يمكن تحقيق التعايش وتمكين النخب من المشاركة في عملية الإصلاح ونقل شعوب المنطقة من حالة الانقسام والاقتتال إلى مرحلة التضامن والتكافل والعمل معاً لبناء مجتمعات حديثة وديموقراطية؟ كيف يمكن تعزيز دور المرأة وإشراكها في اتخاذ القرارات المصيرية وهي التي تشكل نصف المجتمع؟ كيف يمكن تدارك تفاقم الصراع الفئوي في مجتمعات تعددية.
محاور ثلاثة
ناقش المؤتمر ثلاثة محاور. ركز المحور الأول على تعقب جذور الحراك الشعبي في دول الشرق الأوسط، في محاولة لفهم تعقيدات خطوط التصدع الجديدة التي تلوح في الأفق، ومناقشة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية الكامنة وراء هذا الحراك المتطلع إلى تجاوز الحدود الفئوية والمذهبية والطبقية من أجل تحقيق الديموقراطية والحرية في مجتمعات تحترم التعددية وتكفل للمرأة القيام بدورها في المجتمع.
أما المحور الثاني فركز على أوضاع الأقليات المذهبية والدينية والعرقية في مجتمعات تمرّ بأوضاع انتقالية وتحديد الدور الذي يمكن لهذه الأقليات القيام به في عملية بناء المستقبل المشترك في هذه المجتمعات. ولا بد كذلك من مناقشة تأثير الصراعات القبلية والإثنية على مسار الثورات، وطرح أفكار من شأنها تجنب الصراعات الفئوية والتخفيف من أخطار الانقسامات الطائفية وتسليط الضوء على مفهوم التعددية كوسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية والمحافظة على التنوع ضمن الوحدة وحماية حقوق الأقليات وخصائصها الحضارية والثقافية ودورها في الدولة والمجتمع.
وتناول المحور الثالث بروز الإسلام السياسي في المجتمعات الشرق أوسطية والتحدي الذي يشكله هذا البروز في مواجهة حراك التقدمية الديموقراطية، وألقى الضوء على طروحات الإسلاميين ومشاريعهم للحلول محل أنظمة القمع والاستبداد المتهاوية في المنطقة، والتساؤل حول إمكانية التعايش بين الإسلام السياسي والديموقراطية الليبرالية وأسباب فشل الحركات الديموقراطية الاجتماعية في الإفادة من الزخم الذي اعطاه شباب التواصل الاجتماعي للثورات، وربما اقتراح حلول قد تساعد هذه الحركات على استعادة زخمها وتصويب مسارها وتمكينها من التصدي بنجاح لمشاريع الإسلام السياسي الذي يهدد بخلق أسباب جديدة للانقسام والاقتتال والتصدع.
فوغت
وكانت كلمة لممثل مؤسسة “فريدريش ايبرت” اشيم فوغت شكر فيها الشركاء و”أصدقاء مؤسسة كمال جنبلاط” الذين عملوا بلا كلل لإنجاح هذا العمل، وقال:”في السنة الأولى احتفلنا بالحرية وسقوط الدكتاتورية في المنطقة، وفي السنة الثانية بدأت الحرب الدامية وفي نهاية السنة الثانية بداية السنة الثالثة شاهدنا تفكك بعض الدول”. وتطرق إلى الثورة السلمية في أوروبا الشرقية والوسطى وسقوط الحائط في ألمانيا سنة 1989 وسقوط الشيوعية واستقلال سلوفاكيا وانتهاء الاتحاد السوفياتي وتفكك يوغوسلافيا…