بقلم: الأديب مازن ح. عبّود
كل ما التقيته كان يبادرني السلام. وتفيض على وجهه بسمة. كأنه خارج من لقيا الله. وكانت بسمته تبلسم جراح نفسي. وافرح إذا ما غرد لي سلامه بالعربي. فتحلو في عيني تلك الصخرة، التي فاقت قامتها حجمه الصغير بكثير.
كان العم “سيمون” رجلا من أزمنة لم يشأ أن يغادرها. ولأجلها عاد من أوقيانيا إلى الأمكنة التي أحب في “دومته”. عاد علّه يلتقط بعضًا من عبق ماضيه.
وكان زعيم “سمعان” يحيا فيه. فاعطاه لونًا ونكهة وطعمًًا. أمور لم يطرب لها إلا الرفاق. إلا أني وكثيرين أحببناه كما هو، ومن دون سياسة. أحببناه لأننا عرفناه إنسانًا على دروب الرب. تصالح مع نفسه فصدقها. كريمًا كان “سمعان” حتى الفقر. عرف أنّ الخادم هنا، هو في مملكة الرب الأول. فخدم حتى الانمحاء. ولم يكن له مخدع يسند إليه رأسه. ترك كل شيء وراءه، ومشى. فكل ما توزعه تدخره. وهو لم يترك شيئًا. عرف أن ثمن الوصول إلى القمة هو التخلي عن كل ما لا يلزم. وضع مدخراته تحت قدميه. فعلت قامته وفاقت حجم الجسد بكثير. فالجسد يبلى، أما القامات فلا!!!
قامتك يا صخرة أيوب، كانت كمارد عرف أن الحياة سراب. وكنت حين أنظرك من بعيد، أراك تطير. فلا تلامس رجلاك التراب. كنت تطير إلى حيث تلامس الأفكار النجوم.
وافيتني يومًا كي تبلغني أنك نلت وساما. فتطلعت إلى وجهك، وابتسمت. فسألتني لم؟؟ ولم أجبك يومها. ابتسمت لأنك أنت الوسام يا “سمعان”. وسامك كان من فوق، محبة وإخلاصًا وثباتًا في ارضك. خصال أثمرت فيك حبورًا لا يفرغ. وكنت ترمي ما لا تستطيع حمله على القدير. ما عرفت الحزن. لأنك أدركت الفرح. ولكم سمعتك تقول: “غدًا يوم آخر. ومشكلات البشر يحلها البشر. ونحن على حق. ومن معه الحق فلا شيء عليه”.
كانت الدنيا، بالنسبة إليك يا خال، بستان ورود وأنت ناطورها. أما المستقبل فقد كان شموسًا وبيادر وآمالا، وأنت رايته. لم تتوانَ يومًا عن قول ما اعتبرته حقًا. لم تأبه بما سيقول هذا أو تلك. كنت تلقي كلمتك مع الآمال وتمشي. تمامًا كما يلقي الزارع بذوره في حقلة مفلوحة ويمضي.
خال “سمعان” مضيت كحكاية من قصصك. ذهبت مع الدخان إلى حيث يطير الدخان، عشية ليلة لفحك بردها. نمت ولم تقم. وكرسيك في دكان “أبي غطاس” سيبقى فارغًا وكل القضايا والنكات. ستشتاق إليك الطاولة وزهرها والأحاديث. يتمت القبعة يا خال. وحزنت عليك الجريدة كثيرًا.
“سمعان” لن تنفك ضحكتك، يا آدميًا، تلاحقني في أزقة البندر التي جفت إلا من الأحقاد والمشكلات.
تراك اليوم ترحل إلى دنيا ليس فيها إلا زعيم واحد وأحد. هناك الفردوس المنشود. هناك الكمال والحق يا “خال”. هناك الزعيم الكبير يقيس قامات البشر ومقاماتهم بخلجات القلوب. ستفرح هناك كثيرًا. ويفرح بك حتما كل أبرار دوما وأوقيانا والمكسيك.