حقق متطوعو “رابطة قنوبين للرسالة والتراث” كشفاً ثقافياً غير مسبوق بأبعاد تاريخية هامة ، اذ تمكنوا من تحديد مخبأ بطاركة قنوبين (1440 ـ 1823) داخل مغارة “شخص العذراء”، التي كشفوها قبل حوالي عشرين يوماً داخل وادي قنوبين.
المنسق التنفيذي لمشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس جورج عرب الذي يتولى تحقيق برنامج كشف مغاور ومحابس ومعالم الوادي المقدس مع فريق من المتطوعين، أشار إلى “أنّ كشف المغارة تم قبل أقل من شهر، ولم نتمكن يومها من كشف كل جوانبها الداخلية المظلمة، فأعددنا العدة لجولة كشف جديدة. وأحضرنا مولداً كهربائياً لإضاءة الجوانب المظلمة، وهيأنا السلالم والحبال، بالإضافة الى مصابيح يدوية وسواها من لوازم الاستغوار وتأمين السلامة”.
تابع: “ضمّ الفريق، يوسف وشهيد رومانوس، فريد بو ساسين، إدمون دعبول، سمر زغريني عرب، ودجورجيو عرب، باولو رميا، والدليل الدائم شربل القاضي، بالاضافة الى الطفلة سيرينا عرب ، التي انتظرت الفريق على مدخل المغارة”.
أضاف عرب: “كانت مغامرة حقيقية محفوفة بالأخطار، وقد اكتشفنا مساحات إضافية تفوق مساحتها خمسمئة م2 ، على ثلاث طبقات صخرية تغطيها الترسبات المائية المتحجرة صاعدات وهابطات رائعة الأشكال والألوان. وجوانب المغارة مفتوحة على سراديب ودهاليز تشبه الأنفاق المتصل بعضها ببعض، مع مساحات رملية وطبقة كثيفة من الأملاح المعدنية البيضاء التي تغطي الحجارة والصخور المترسبة بصورة ملفتة غير مألوفة في سائر مغاور الوادي ، بالاضافة إلى تجويفات تشبه الغرف “.
أوضح عرب أن “هدف جولة الكشف الثانية التأكد من وجود نبع مياه وخزان لها داخل المغارة لنضيفه دليلاً قاطعاً على أنها مخبأ البطاركة الموارنة خلال حقبة قنوبين ، بعدما كنا استجمعنا الأدلة الأخرى سابقاً . وهكذا كان أن كشفنا وجود خزان المياه في صخر محفور طوله عشرة أمتار وعرضه متران بعمق يقارب المترين أيضا من المياه الصافية العذبة . ووجود هذه الكمية من المياه في أواخر تشرين الثاني من هذه السنة التي لم تمطر فيها بعد ولم تتفجر الينابيع، يؤكد وجود النبع الذي تتناقله الروايات الشعبية المتوارثة في الوادي .
وختم عرب: “هذا الكشف الثقافي غير المسبوق مخبأ جديد لبطاركة قنوبين غير المخبأ المعروف في احدى تجويفات دير مار اليشاع، الذي لجأ اليه البطريرك يعقوب عواد ( 1705 ـ 1733) سنة 1729 هرباً من الاضطهاد، وهو إنجاز علمي مهدى إلى المؤتمن الاول على تراث قنوبين البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي .
إنجاز عظيم
ناشد نوفل الشدراوي ، رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث، وزارة الثقافة الالتفات إلى هذا الموقع ، وإجراء الدراسات التاريخية والأركيولوجية المتعلقة به، وإتاحة وصول المؤمنين إليه. وقال: “المطلوب إيفاد فريق خبراء متخصص يجري أعمال التنقيب العلمية خصوصاً أن العظام والجماجم وغيرها موجودة في عدة جوانب من المغارة .
بدوره وصف الاب انطوان ضو، أمين الشؤون الثقافية والتاريخية في رابطة قنوبين، الاكتشاف بالحدث الكبير أن نتوصل إلى تحديد مخبأ البطريرك في قنوبين بعد سنوات من الابحاث . وقال : “انطلقنا في السعي إلى هذا الأمر منذ أكثر من سنتين في سياق الأبحاث التاريخية المندرجة في مشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس . ولقد أجمع المؤرخون اللبنانيون والرحالة الأجانب على ذكر وجود مخبأ للبطريرك في قنوبين . وقد استندنا إلى هذه النصوص الصادرة بالعربية والأجنبية، وحددنا الموقع جغرافياً بين نطاقي قنوبين وحوقا في وادي قزحيا”.
أضاف: اما الدلائل على كون المخبأ في مغارة “شخص أو تمثال العذراء” فهي التالية:
ـ من الطبيعي أن يختبىء البطريرك في موقع يحمل تسميته شخص العذراء لأن العذراء هي شفيعة البطاركة ومقراتهم عبر التاريخ .
ـ عدد لا بأس به من بطاركة قنوبين يعرفون جيداً هذه الناحية الجغرافية كونهم كانوا من حبساء دير قزحيا أمثال البطاركة الحدثيين وبطاركة آل الرزي ، ويوحنا مخلوف، وجرجس عميرة والبسبعلي والدويهي وسواهم …
ـ معظم الرحالة الأجانب الذين زاروا الوادي المقدس والتقوا البطريرك كانت طريقهم عبر ناحية قزحيا حوقا قنوبين . وبعضهم ذكر أنه التقى البطريرك ناحية المخبأ دون أن يحدد موقعه تماماً . وبعضهم ذكر كرم الزيتون والمخبأ المكشوف الى طرفه الغربي.
ـ كل مغاور محلة برزو الفاصلة بين نطاقي قنوبين وحوقا وقزحيا مكشوفة ومرئية ذات مداخل واسعة باستثناء هذه المغارة، والمخبأ يكون في مغارة غير مكشوفة لا باب واسعاً لها ، وباب هذه المغارة هو أشبه بشق في شير صخري لا يتوقع أحد أن وراءه هذه المغارة الشاسعة الواسعة. وهي في موقع لا يراه أحد من أي جانب من جوانب الوادي والنطاق المتصل به.
ـ كل مغاور ناحية برزو تحمل على جدرانها وفي سقفها آثار تفحم دخان إحراق الحطب باستثناء هذه المغارة فلا آثار للتفحم فيها . ومن الطبيعي أن يختبىء الإنسان في مغارة بدون أن يشعل النار فيها لأن دخانها يكشف مخبأه . وهذا ما ينطبق أيضاً على مغارة يوسف بك كرم في محيط دير قزحيا .
ـ وجود عظام وهياكل بشرية وجماجم دليل على وجود مدفن، والمرجح في التقليد الديني أن تقام المدافن بتكريس من السلطة الروحية الكاهن أو الأسقف أو البطريرك. وهذه تستدعي دراسات وفحوصات.
ـ وجود نبع وخزان المياه دليل شبه قاطع على أن المغارة هذه هي مخبأ البطريرك ، لأن البطريرك لا يمكن أن يختبىء في مغارة لا مياه فيها. ولا توجد المياه في أية مغارة غير هذه المغارة. وهذا ما يتناقله أبناء الوادي بالتواتر عن أن في مخبأ البطريرك نبعاً وخزاناً للمياه” .
تابع الأب ضو: “إنه انجاز كبير تستحق عليه “رابطة قنوبين للرسالة والتراث” كل تهنئة وتقدير، وأوجه تحية كبيرة للمتطوعين المغامرين الذين يواجهون أخطار كشف المغاور وصعوباتها ليكشفوا لنا كنوزاً مغمورة من تراثنا . ونشكر دعم السيد وديع العبسي لهذا العمل التراثي الكبير . والمسألة تستوجب المزيد من الأبحاث، التي سنفعلها تمهيداً لإصدار كتاب وفيلم عن هذا الموقع المميز بأبعاده التاريخية، والمتصل بسيرة بطاركة الكنيسة وبهويتها وبروحانيتها النسكية الفريدة . ولفت الأب ضو إلى أنه يجب ألا نتوقع موجودات ومقتنيات متصلة بالحياة اليومية في المغارة لأنها مخبأ، واللجوء إليه هو ظرفي عابر ، وبالتالي لا يترك اللاجىء إليه أي مخلفات أو آثار للسبب المذكور ولأخرى تتعلق بأمنه، مع الإشارة إلى أننا نتحدث عن حقبة تعود إلى أكثر من ستمئة سنة شهدت تحولات وتغيرات في طبيعة الموقع” .
كلام الصور
1 ـ متطوعو رابطة قنوبين بتجهيزاتهم داخل المغارة .
2 ـ جدران المغارة البيضاء بدون تفحم دخان الحطب .
3 ـ نبع وخزان المياه قرب مخبأ بطاركة قنوبين .
4 ـ باب المغارة المخبأ الضيق المختلف عم مداخل سائر المغاور ، والذي لا تمكن رؤيته .