احتفلت “دار الندوة” بعيد الاستقلال ومرور ربع قرن على تأسيس الدار، بمحاضرة للدكتور رغيد الصلح بعنوان “الاستقلال الوطني والتكامل الاقليمي العربي”، في حضور الرئيس حسين الحسيني، الوزيرين السابقين بشارة مرهج وعصام نعمان، نقيب الصحافة محمد البعلبكي، رئيس مركز دراسات الوحدة العربية الدكتور خير الدين حسيب، رئيس المنتدى القومي العربي الدكتور محمد المجذوب، الأمين العام للمنتدى الدكتور زياد الحافظ وشخصيات سياسية وحزبية وثقافية.
قدم المحاضرة معن بشور، عضو المؤسس في الدار، مستهلاً كلمته بـ”الدعوة إلى الوقوف دقيقة صمت إجلالا لأرواح شهداء تفجيري السفارة الإيرانية ولأرواح كل الشهداء”، مستعرضا تاريخ تأسيس الدار تزامنا مع عيد الاستقلال، وقال: “لم يكن الاستقلال للحظة في نظر أهل “دار الندوة” مجرد احتفال نقيمه كل عام، أو مناسبة نتذكر فيها أياماً مجيدة من حياتنا الوطنية، بل كان بشكل خاص استحقاقاً يومياً يحتاج إلى تحصين دائم، وإلى إغناء مستمر، وإلى تعميق متواصل”، مؤكداً أن “الاستقلال يتحصن بالوحدة والحرية ويثرى بالعروبة والعدالة ويتعمق بالديموقراطية الميثاقية التشاركية، ويصان بالمواطنة التي تخترق جدران العصبيات والامتيازات على أنواعها، ويتعزز بالمقاومة المتصدية للمشاريع المشبوهة والاحتلالات المدمرة، بل أن الاستقلال يتحصن بالحوار”.
أضاف: “حرصنا على دعوة الدكتور رغيد الصلح ليحاضر اليوم في يوم الاستقلال وفي عيد الندوة، وهو له في الاستقلال كما في هذه الدار أكثر من رابطة وعلاقة، كما حرصنا أن تكون محاضرته عن الاستقلال الوطني والتكامل الإقليمي العربي، ترجمة عملية وواقعية التلازم بين استقلال لبنان وتكامل أقطار الأمة”.
الصلح
قال الدكتور الصلح في محاضرته: “لست أعتقد أن احدا من القيادات الاستقلالية اللبنانية تصور أن الأوضاع في لبنان سوف تصل إلى هذا الحد من التدهور، وأن بلدهم سوف يتعرض إلى هذا النوع من التحديات والأخطار، وأن ذكرى الميلاد السبعين لدولة الاستقلال سوف يصطبغ بالدماء. فالتخلص من نظام الانتداب نفسه تم بأقل ما يمكن من الخسائر البشرية، ولكن اذا لم يدفع لبنان ضريبة الدم ثمناً لاستقلاله فإن ذلك لا يقلل من أهمية ذلك الإنجاز الذي حققه اللبنانيون قبل أمم كبيرة ودول عريقة مثل الصين والهند إاندونيسيا، والذي سبقته حوارات فكرية ومناقشات هامة تضيف إلى ثروات لبنان المعنوية والفكرية العديد من الخبرات والمعارف. تطرقت هذه المناقشات والحوارات إلى أهم قضايا الأمن والحرية والتقدم.
أضاف: “لقد تمرد اللبنانيون على نظام الانتداب وتخلوا عن المطالبة بالحماية الأجنبية والغربية تحديداً، وعرقلت الحكومة اللبنانية قيام نظام إقليمي عربي فاعل، فكيف لهم أن يصونوا استقلالهم من التحديات؟ وما هو الخيار الذي عثروا عليه كبديل عن نظام الانتداب والحماية الغربية أو عن السلام الإقليمي أو بالاصح العربي؟ خرج مؤتمر سان فرنسيسكو بمساومة بين الفريقين شملت الاستجابة إلى مطالبة الدول الصغيرة حول الإقرار بأهمية ودور الإقليمية، كما جاء في الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وبضرورة دعمها كمبادرات مستقلة وشريك للمنظمة الدولية في الاضطلاع بمهام الأمن والسلام والتنمية وخارج رقابة وسيطرة القوى العظمى. بيد أن هذا الاتفاق حول التكتلات الاقليمية في العالم ترك ثغرة شغلت عدداً من المعنيين بمصالح الشعوب واستقلالها وحريتها ومن علماء السياسة الدولية”.
وذكر أن “الدول الصغيرة أوكلت أمر تمثيلها إلى مصر باعتبارها تمثل كتلة الدول العربية وإلى البرازيل باعتبارها تمثل دول أميركا اللاتينية، تجلت تلك الثغرة في اعتبار الهيمنة كأنها صفة ملازمة للنظام الدولي وحده، وبالتالي فان الهيمنة الدولية هي التحدي الأكبر الذي يواجه الشعوب والأمم التي تنشد الاستقلال والحرية. ولكن خلافاً لهذه النظرة، لاحظ عدد من علماء السياسة مثل هدلي بول Bull ، أستاذ العلاقات الدولية الراحل في جامعة اوكسفورد وواضع الكتاب الشهير بعنوان “مجتمع الفوضى”، أنه توجد هيمنة إقليمية مثلما توجد هيمنة دولية، بينما ذهب علماء سياسة آخرون، مثل جون مارشهايمر الذي ساهم في وضع الكتاب الشهير حول جماعة الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، إلى القول إنه ليس هناك هيمنة أو مهيمن عالمي بالمعنى الدقيق للكلمة، لأن العوامل اللوجستية تمنع هذا الأمر وإن الهيمنة تقتصر على الأقاليم فحسب”.
وتابع: “الدول الصغيرة المشتركة في التكتلات الإقليمية تخشى الهيمنة الإقليمية والدولية معاً، لكنها تلعب دوراً مهماً في بناء التكتلات الإقليمية، بينما قد لا تتحمس للتكتلات العالمية. ويمكننا أن نعيد هذه الظاهرة ألى ان هذه الدول الصغيرة كثيراً ما تشعر أن انخراطها مع المهيمن الإقليمي في تكتل واحد سوف يساعد على ضبط تطلعات الهيمنة عند القوة الإقليمية، وإلى أ ن علاقات هذه الدول الصغيرة الأهم من الناحية التجارية هي في داخل التكتلات الإقليمية وليس خارجها. ومن ثم كان على هذه الدول أن تعطي مصالحها الإقليمية قدراً أكبر من الاهتمام والعناية، وأن فارق القوة بين الدول الصغيرة والقوة الإقليمية هو أقل بكثير بين فارق القوة بينها وبين المهيمن العالمي، وهذا ما يجعل قدرتها على التأثير داخل التكتلات الإقليمية أكبر من قدرتها على التأثير في الإطار العالمي”.
وأردف: “في أكثر الأحيان يكون للعامل الثقافي أهمية رئيسية في تكوين التكتلات الإقليمية، وهذا العامل يؤثر إيجاباً على العلاقات بين دول التكتل الإقليمي، ويؤثر سلباً على العلاقة بين المهيمن العالمي والدول الصغيرة التي لا تشاركه نفس الثقافة. وأن المنظمات الإقليمية باتت تشكل وسيلة مهمة للدموقرطية، وإطاراً مفضلا للانتقال من النظم المطلقة إلى النظم الديموقراطية. لا يقتصر الأمر على دور الاتحاد الأوروبي في هذا المضمار، ولكن ها نحن نشهد تحركاً مهماً داخل الاتحاد الافريقي وبدعم من جنوب إفريقيا لنشر الدمقرطة وتقديم الحماية للديموقراطيات الناشئة”.
وختم: “لست أعلم ما إذا كانت هذه الاعتبارات والعوامل تشكل أسباباً مقنعة للنخب الحاكمة العربية للابتعاد أو الاقتراب من التكتلات الإقليمية، ولكنني اعتقد أن الأخذ بهذه الاعتبارات وتعميق مؤسسات العمل العربي المشترك سوف يوفر الكثير من المآسي على الدول العربية بحكامها ومحكوميها”.
كلام الصورة
الدكتور رغيد الصلح