بقلم: جورج جحا
خصصت مجلة “الحركة الشعرية” التي تعنى بالشعر الحديث عددها الأخير لما يعرف بـ “الومضة الشعرية” أو قصيدة الومضة، فجاء العدد كتاباً في 133 صفحة متوسطة القطع، يتضمن ما يزيد على 150 “قصيدة ومضة” صغيرة وقصيدة عادية، لـ 45 شاعراً وشاعرة، بينها واحدة لبابلو نيرودا مترجمة عن الإسبانية،
الشاعر اللبناني قيصر عفيف الذي يترأس تحرير المجلة، ويوزع وقته بين المكسيك، حيث تصدر “الحركة الشعرية”، وبين لبنان يقدم للعدد بالتالي: “جاءت فكرة هذا العدد من الشاعرة التونسية الصديقة راضية الشهايبي حين طلبنا منها أن تمدنا بالقصائد التي ألقاها الشعراء الذين شاركوا في اللقاء الشعري الخاص بقصيدة الومضة.”
وقصيدة الومضة هي نوع من القصائد المكثفة من حيث التجربة الشعرية والقصيرة والشديدة القصر أحياناً، يحدّدها عفيف شعراً بالقول: “الومضة قدر الشعر/ لأنها نجوة من اليباس والاختناق/ زخة من نظر البصيرة/ نسمة تأتيك في رمشة إلهام/ ورقة حلم/ همسة عرّاف من سلالة الجن/ لمحة… شطحة… لوحة ويقظة.”
يشارك في العدد شعراء من ثمانية بلدان عربية: سوريا (13 قصيدة)، تونس (11 قصيدة)، لبنان (خمس قصائد)، المغرب (أربع قصائد)، فلسطين (ثلاث قصائد)، مصر (قصيدتان)، قصيدة واحدة لكل من العراق والجزائر.
يندرج نمط القصائد في غالبيته على طريقة قصيدة النثر، وثمة قصائد عمودية تقليدية، وأخرى متعددة الأوزان والقوافي، وقلّة تتبع نمط التقفية النثرية ويعتبر كتابها أن ذلك قافية شعرية.
“خسارات” قصيدة الشاعرة التونسية راضية الشهايبي تقول فيها: “تعلمت منك يا سيدي/ جدول ضرب مبرح/ منذ كفك في كفي يساوي.. قبضة ريح”. وفي قصيدة “غباء” تقول: “يحدث بين الفراشة وقوس قزح/ ما يغيب عن دهاء الريح.”
لفتحي سامي قصيدة “أحزان” يقول فيها: “الحزن ضيف جميل/ يسكنني كل يوم/ يخرج عاريا ويترك الباب/ مفتوحا لأحزان جديدة.” ولإيناس العباسي من تونس وتحت عنوان (قصائد العتمة) نقرأ “الوردة/ جرس أحمر/ ينثني على عنق الوقت.”
ثم نقرأ بعدها: “البيت الذي بنيناه/ أصبح مع مرور الزمن/ بحيرة من الاشتياق الاسود/ تتجمع فيها/ أسماك الحنين الميت.”
ولميلاد فؤاد ديب من سوريا قصيدة “يباس”، جاء فيها: “أحدهم ترك غيمة يابسة/ على بابه/ ولم يفكر بالمطر/ الذي يهطل في الداخل.” وفي قصيدة “صفاء” يقول “انفض صوتك من الدم/ وقل: أيها الهواء/هل وصلك الصدى كما ولد؟”
ومن سوريا أيضاً يكتب عماد الدين موسى، رئيس تحرير مجلة “أبابيل” في ومضة: “ناديت الفراشة الثملة/ أن تكف عن الرحيق/ ريثما تسترد أجنحتها/ عادة الزقزقة”. ثم يتبعها بومضة أخرى فيقول “إنها تمطر في الربيع/ السماء الحنونة.” ويضيف في أخرى “سأظل يقظا وكذلك العصافير/طالما تجدد ألوانها الحديقة.”
سوزان علي من سوريا تكتب: “تصعد مومس الحرب/ درج بيتها وهي تهذي/ في علاقة مفاتيحها/ مفتاح واحد لباب واحد/ لا أسرار ولا أطفال/ ولن تقفل على شيء/ سوى الخوف.”
“كمان” عنوان قصيدة السورية هنادي السهوي وفيها: “أوتار الكمان/ عصافير محبوسة/ والشجرة التي كانت/ للجناح رفيقة/ صارت بيد النجار قفصاً.”
الشاعر السوري حيدر محمد هوري يكتب شعراً متعدد الأوزان والقوافي، له قصيدة “إيقاع من ماء أبي” وفيها: “متعب يضبط القلب عندي/ ويطلق ما يستطيع من الحب اغنية/ عند عودته في المساء إلينا/ قضى العمر بين الحقول لنحيا/ يشيخ ويزداد ماء/ لتمتليء الارض بالاغنيات/ يرددها حين يأتي الحفيد/ فتسقط عن زنده اللحظة الشاردة/ لنا حين يمضي/ بقايا السعال/ وحب يفوح من الابط والجهة المجهدة/ اداري بها ما استطعت غيوما تفيض بعيني/ وفي شهقة الوالدة.”
السوري محمد علاء الدين عبد المولى يكتب شعراً عمودياً بوزن وقافية في كل ومضة، هو أشبه بقصائد البيت الواحد التقليدي. يقول في الأولى “البرق إزميل يحك جبالي/ ويقشّر الاصداء عن تمثالي.” ثم ينتقل الى أخرى فيقول: “لمن يرفع الشاعر الاغنية/ لمن قد يجيء من الهاوية.” وفي ثالثة يقول: “اذا ما ضاء عطرك في الليالي/ سأنصبه كمينا للخيال.” وفي رابعة يعتمد وزناً وقافية جديدين فيقول: “حبر ضرير.. فماذا يبصر القلم/ وظله في مدى اللاشيء يرتسم.”
مصطفي خضر من سوريا يكتب ما يشبه النثر المسجع وما هو موزون مقفى وإن على غير نظام واحد. تحت عنوان “أوراق” يقول: “مدائح القوة ام مدائح الكراهية/ تضخ بين ظالم وداعية/ ويهلك البؤس جماهير حياة دامية/ ولم تكن سواسية/ ولم تعد سواسية.” وينتقل الى القول “هذه الجمرات هي الحطب/ فمتى ينتهي بيننا لعب.” ويقول في مكان آخر “جيل ضائع/ ينمو في شارع/ والشارع واسع/ وحده الامل/ هو مشروعنا الممكن/ غير انه ما العمل/ والخراب هو الحاضر المزمن”. وينتقل الى ما يشبه الشعر التقليدي فيقول: “أي حوار عادل هل الحوار عادل/ وباطل اي خطاب … كل شيء باطل.”