رعى البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الراعي، في الصرح البطريركي في بكركي، وفي حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، حفل إطلاق كتاب “سلامي أعطيكم” الذي عرض، بشكل مفصل، لمحطات زيارة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان والذي أصدرته اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام والمركز الكاثوليكي للإعلام.
بعد النشيد الوطني اللبناني شكر مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو ابوكسم جميع الذين قدموا الدعم المعنوي والمادي بهدف إصدار هذا الكتاب، معتبراً زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر تاريخية بامتياز مع ما حملته في طياتها من إيمان ومحبة وأمل شعر بها اللبنانيون جميعا ومن دون استثناء.
البطريرك الراعي
ثم ألقى غبطة البطريرك كلمة للمناسبة أكد فيها أن آباء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان لا يرضون بأن يصبح الكيان اللبناني ومؤسساته الدستورية والعامة رهينة النزاع السياسي المذهبي الداخلي، كذلك يرفضون تغيير الهوية اللبنانية لذلك هم يؤيدون مساعي رئيس الجمهورية إلى إحياء الحوار وتحقيق المصالحة. وقال:
فخامة الرئيس،
1. باسم إخواني أصحاب الغبطة والنيافة البطاركة والسّادة المطارنة والرؤساء العامّين والرّئيسات العامّات، أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وسيادة السفير البابوي وهذا الجمهور الكريم، يُسعدني أن أرحّب بكم، فخامة الرئيس، في احتفال إطلاق كتاب “الزيارة الرسولية إلى لبنان”، التي قام بها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وشرّفتم هذا الاحتفال بوضعه تحت رعايتكم وبحضوركم الكريم. وهذا حقّ، لأنّ هذه الزيارة إلى لبنان قد أرادها قداسته لكلّ بلدان الشَّرق الأوسط من خلال لبنان، وشاء أن يميّزها بتوقيع الإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة”، وبإعلانه في لبنان، وأن يصفها “برسالة السلام“. إنّها زيارة تشكّل حقّاً حدثاً تاريخيّاً فارقاً ميّز عهدكم الميمون في الرّئاسة الأولى.
2. فالفضل يعود إليكم، فخامة الرئيس، بدعوة قداسة البابا بندكتوس لزيارة لبنان، بعد زيارتَين كريمتَين لكم قمتم بهما لقداسته في حاضرة الفاتيكان: الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 والثانية في شباط (فبراير) 2011. وقد تركتا في قلبه أثراً طيّباً، كما أشار في خطاب وصوله إلى لبنان على أرض مطار بيروت، وقال إنّ زيارته أرادها ردّاً لزيارتيكم.
ثمّ وجّه مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك هذا، الدعوة إلى قداسة البابا بندكتوس لزيارة الكنيسة في لبنان. فأراد قداسته هذه الزيارة تعبيراً عن تقديره للمساهمة التي قدّمها البطاركة والأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنون العلمانيّون في أعمال سينودس الأساقفة من أجل الشَّرق الأوسط في تشرين الأوّل(أكتوبر) 2011.
3. فإحياءً لهذه الزيارة الرسولية التّاريخيّة المميّزة التي كانت في نيّة البابا بندكتوس خاتمة زياراته الرّسولية إلى بلدان العالم وكنائسه، وشاء، بدافع نبوي، أن يسكب من خلالها كلّ محبّته لهذا الشّرق وقد زار بعضاً من بلدانه، مثل تركيا وقبرس والأراضي المقدّسة، كما ابتغى أن يودع لبنان واللّبنانيين ما في قلبه من حبّ وآمال، بادرت اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام مشكورة، برئاسة سيادة أخينا المطران بولس مطر، رئيس أساقفة بيروت، مع المركز الكاثوليكي للإعلام، إلى نشر وقائع هذه الزيارة بكتاب موثّق بالخطابات والعظات والكلمات والصور، وفيه الكثير من الجمال والأناقة. هذا الكتاب يجمعنا اليوم لإطلاقه برعايتكم وحضوركم، فخامة الرئيس، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة المذكورة. ويُسعد الكُرسي البطريركي أن يستضيف هذا الاحتفال المهيب، أثناء انعقاد دورة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك.
4. أجل أراد قداسة البابا بندكتوس أن “يودع لبنان واللّبنانيين ما في قلبه من حبّ وآمال”. فأكّد في مطلع كلمته، لحظة وصوله إلى مطار بيروت، أنّه يريد بزيارته “تبيان متانة العلاقات القائمة منذ القدم بين لبنان والكُرسي الرسولي، والرغبة في تعزيزها. وعاد في سياق كلامه ليؤكّد على “رسالة لبنان“، إذ قال: “إنّ من واجب التعايش السعيد في لبنان أن يُظهر لكلّ الشرق الأوسط، ولباقي العالم أنّه من المستطاع، في داخل أي أمّة، قيام تعاون بين مختلف الكنائس بروح الشركة الأخويّة بين المسيحيّين، وعيش مشترك بينهم وبين إخوانهم من الأديان الأخرى، قائم على حوار الحياة بالتعاون والاحترام المتبادل”.
ثمّ عبّر البابا بندكتوس في كلمته هذه عن آماله بشأن لبنان، معتبراً أنّ التوازن القائم فيه يُقدّم كمثال في كلّ مكان، ولكنّه دقيق للغاية ومهدّد أحياناً بالانكسار، عندما يُشدّ مثل وَتَرِ القوس أو عندما يخضع لضغوط فئويّة أو ماديّة، غريبة عن ميزة اللّبنانيّين العفوية. فدعا إلى الاعتدال الحقيقي والحكمة الكبيرة، وإلى تغليب العقل على المشاعر الأحادية، من أجل تأمين الخير العام للجميع. وأنهى كلمته مذكّراً بالملك سليمان العظيم صديق حيرام ملك صور، الذي كان يقضي بالحكمة، وهي فضيلة سُميا كان يلتمسها من الله بإلحاح، فمنحه قلباً حكيماً وذكياً (1 ملوك3: 9-12).
5. وأنتم فخامة الرئيس، في خطاب الاستقبال في القصر الجمهوري، حيث تمثّلت كلّ مكوّنات لبنان الدينيّة والمدنيّة، كشفتم أمام قداسة البابا بندكتوس “فلسفة الكيان اللبناني وقوامها العيش معاً بين المسيحيين والمسلمين في كنف الدولة، في إطار ديموقراطي، يضمن حرية الرأي، ويسمح بالتداول الدوري والسلمي للسلطة. ليس هذا العيش معاً معادلة جامدة، بل تكامل إنساني بنّاء، وتفاعل فكري وثقافي منتج، وإغناء متبادل، وانتماء. إنّه يستند إلى إرادة سياسيّة حرّة ومتجدّدة. ويُترجم على الصعيد العملي في مشاركة جميع الطوائف والمجموعات المكوّنة للمجتمع، في إدارة الشَّأن العام، بصورة متكافئة ومتوازنة، وصولاً إلى الدولة المدنية الضامنة لحقوق جميع المواطنين من دون تمايز أو تفاضل”.
6. إنّ مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، الملتئم حول موضوع “الشهادة في حياة الكنيسة ورسالتها في لبنان”، المُستمَدّ من الإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشّرق الأوسط، شركة وشهادة”، يتناوله أيضاً من ناحية الشهادة التي أدّاها المسيحيّون في لبنان على المستوى الثقافي والإنمائي والسياسي والوطني، والتي على المسيحيّين اليوم أن يواصلوها. لقد كان الدَّور الأساسي لرجالات الفكر من بينهم في ابتكار فلسفة الكيان اللّبناني، الذي يميّزه عن كلّ بلدان المنطقة، ولرجالات الدولة الدورُ في تجسيدها نظاماً سياسياً ظاهراً في الدستور.
لكن آباء هذا المجلس لا يرضون بأن يصبح الكيان اللّبناني ومؤسساته الدستورية والعامة رهينة النزاع السياسي – المذهبي الداخلي والمتأثّر في العمق بالنزاع الجاري في بلدان المنطقة والآخذ في الاتّساع. ويرفضون تغيير الهوية اللبنانية التي هي أساس رسالة لبنان بحكم موقعه على الضفة الشرقيّة في المتوسّط، لخير المنطقة بأسرها. وما يؤلم الآباء بالأكثر، ويؤلم قلبكم فخامة الرئيس وكلّ القلوب المُحبّة والغنية بالمشاعر الإنسانية، هو أنّ مظاهرَ تغيير هوية الكيان اللبناني وتعطيل رسالة لبنان، لا تقف عند حدود الفكر بل تتعدّاه إلى انتهاك الثوابت الوطنيّة، وجعل الهوية والرسالة حرفاً ميتاً. وقد أدّت وتؤدّي أكثر فأكثر إلى إفقار الشعب اللّبناني الذي بات ثلثُه يعاني من الجوع، وإلى قهره في معيشته وأمنه ومصيره، وإلى إرغامه على هجرة الوطن، وجعلِ العديد من أبنائه أدواتٍ لحركاتٍ أصولية دخيلة ولأهداف حزبية، يحمّلونها السلاح ويدرّبونها على القتل والهدم والعنف والإرهاب، فضلاً عن تسبّب كلّ ذلك بتفشي الفساد في الإدارات العامّة ونهب المال العام، والانحطاط في الأخلاق، وبانتشار السلاح.
فمن أجل التفاعل والتكامل والاغتناء المتبادل بين مكوّنات لبنان، نؤيّد مساعيكم، فخامة الرئيس، إلى إحياء الحوار الوطني وتحقيق المصالحة، ومن أجل وضع حدّ للانشطار السياسي – المذهبي. ونطالب معكم المجلس النيابي بإقرار قانون جديد للانتخابات، من شأنه أن يحفظ المساواة وقيمة صوت الناخب، وأن يكون على قياس الوطن لا على قياس الأشخاص والفئات، وبإجراء الانتخابات النيابيّة في أسرع وقت ممكن.
كما نطالب الأطراف السياسيّين المتنازعين بتسهيل تأليف الحكومة الجديدة الجامعة والقادرة على مواجهة التحدّيات الاقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة، وعلى إعادة الحياة العامّة إلى دورتها الطبيعية، الضامنة للخير العام. ونؤيّد مساعي فخامتكم لإجراء انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري. والكلّ، من أجل حماية تداول السلطة بالشكل الديموقراطي، الذي يميّز لبنان.
فخامة الرئيس، أهلاً وسهلاً بكم، وشكراً جزيلاً على رعاية هذا الاحتفال وعلى تشريفكم لنا بحضوره. عشتم! وعاش لبنان!
المطران مطر
بعدها القى رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر كلمة شكر فيها لفخامة الرئيس سليمان رعايته لحفل إطلاق الكتاب وللجهد والدعم المطلق اللذين بذلهما بهدف أن تاتي زيارة البابا بنديكتوس إلى لبنان لائقة بضيف لبنان الكبير، كما شكر غبطة البطريرك على الاهتمام الكبير الذي أولاه لعمل اللجنة في تحضير مشروع هذا الكتاب وانجازه وفتحه أبواب الصرح لهذا الاحتفال المهيب. وعرض المطران مطر لابرز ما يتضمنه الكتاب من محطات وصفها بالتاريخية.
المونسينيور كاتشا
وكانت كلمة للسفير البابوي غابريال كاتشا أكد فيها أن “زيارة البابا بنديكتوس تبقى في ذاكرتنا وروحنا والكتاب ينقل لنا الصورة الجميلة وأقوال البابا المؤثرة. الإحساس الذي أشعر به اليوم هو الشكر لله وللرجال الذين سمحوا بتحقيق هذا الحدث التاريخي، أشكر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والدولة اللبنانية واللبنانيين”.
ونوه بـ “حماسة الناس الذين استقبلونا وهم متحمسون لزيارة البابا وشعارها سلامي أعطيكم”، مثنياً على “الوحدة التي لمسناها خلال الزيارة وتركت في نفسنا أملا بإعادة توحيد هذه الدولة الصغيرة التي تحمل رسالة كبيرة هي رسالة التعايش والحرية الحوار. والبابا كان متأثراً جداً بكم. شكرا للبنانيين من كل المناطق والطوائف، وشكراً للرئيس سليمان لتدخله في التفاصيل الصغيرة للتحضيرات للزيارة”.
وشكر للبطريرك الراعي “الاهتمام الذي يوليه للكنيسة”، وشكر المسيحيين “الذين شاركوا في استقبال البابا وبرهنوا كيف يعيشون مع بعضهم في الشرق وإيمانهم لم ينطفىء”.
وقال:”أشكر، باسمي وباسمكم، البابا لأنه جاء إلى لبنان ولم يلغ هذه الزيارة بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان وبرهن بشجاعة كبيرة أن الأب لا يترك أطفاله عندما يحتاجون إليه”، منوها بـ “شجاعة الآباء أيضاً”، وختم:” إذا توحد اللبنانيون يمكن لهم أن يبنوا لبنان بإرادتهم”.
الرئيس سليمان
وبعدما سلم غبطة البطريرك رئيس الجمهورية نسخة من الكتاب اعتبر العماد ميشال سليمان، في كلمة ألقاها “أن زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر” مناسبة سعيدة لأنها تحصل في ظرف صعب يمر به لبنان والمشرق العربي، وهي زيارة تاريخية وعظيمة بدلالاتها وبنتائجها، وعلينا أن نعتبر منها في تطبيقها، عظيمة بدلالاتها لما حققه الشعب اللبناني من اجتماع وكذلك من حسن التنظيم والإدارة والأمن، في حين كانت الرسائل من كل العالم التخوف من الإخلال في الأمن. لقد نجحت الزيارة وبرهن اللبنانيون أنهم يقومون بما يتوجب عليهم، وكانت من أنجح الزيارات حسب قول البابا”.
وقال: “هذا البابا الذي سيتم تقديسه في العام 2014 مع البابا يوحنا الثالث والعشرين الذي أتى إلى لبنان وهي علامة خير وبركة أن يزور لبنان القديسون.” وأكد أن “علينا كمسيحيين تطبيق الإرشاد الرسولي وعدم التفتيش عن طرق وآليات أخرى أو مشاريع أخرى”. وقال: “علينا أن نتذكر الشباب الذين استمعوا اليه وخاطبهم على درج حاريصا عندما قال احكوا لغتكم أي العربية، هذه دلالات. علينا أن نتقيد بالإرشاد الرسولي لتلافي الخطر والمخاطر على الوجود المسيحي”.
وشدد سليمان على خمسة بنود وهي: اعتماد رسالة الحوار والحرية والانفتاح وحقوق الإنسان والقيم الديموقراطية والإنسانية ومحاربة التعصب والإرهاب. عدم الانغلاق ومحاربة التقوقع والانعزال لأنهما ليسا من شيم المسيحيين. عدم الذوبان المتعارض مع غنى خصوصية المسيحيين. عدم الاعتماد على الحمايات الأجنبية الوهمية والأنظمة المتسلطة. عدم الركون إلى فكرة تحالف الأقليات. وختم: “هذه الخلاصات تشكل خطة طريق لبقاء المسيحيين في هذا الشرق”.
كلام الصور
1- 2- 3- 4- 5- مشاهد من الحفل