“نازك خانم” ، رواية جديدة للكاتبة السورية لينا هويان الحس صادرة حديثا عن “دار ضفاف” في بيروت (160 صفحة من القطع الوسط)، وقائعها حقيقية من صميم الحياة الدمشقية، بطلتها نازك خانم المرأة التي سرقت الأضواء بحياتعا المليئة بالمغامرات قضتها بين باريس ودمشق، وضعت حداً لها رصاصة التطرف الديني في نهاية السبعينيات، فتتماهى مع المآل الذي بلغته الثورة السورية التي لطالما رددت أنها “قامت من أجل الحرية فاغتالتها براثن التشدد الديني”، ما يكسبها معنى سياسياً جلياً من خلال مسيرة “نازك خانم” البطلة الاستئنائية بالمقاييس كافة.
تقول الحسن في تقديمها للكتاب: “لا بد أن هنالك بين الدمشقيين من يتذكر أو سمع بنازك خانم، أو كما سماها الفرنسيون نازيك هانوم الجميلة التي جلست عارية أمام بيكاسو في مرسمه بشارع دوجراند أوغسطين في باريس، وكانت ضمن العارضات العشر الأوائل الذين ألبسهن إيف سان لوران بدلة السموكينغ لأول مرة بالتاريخ. وأول امرأة ارتدت البكيني في مسابح دمشق وقادت سيارتها بلباس رياضة التنس”.
تصوّر الحسن هذا النموذج النسائي الصارخ وتنقل القارىء إلى أجواء مدينتين في آن، دمشق وباريس. للحسن أعمال روائية انحصرت بتناول عوالم البادية السورية مثل روايتها “سلطانات الرمل”، لكنها، هذه المرة، تنقل أجواءها الأدبية إلى دمشق في الستينيات والسبعينيات، عبر استلهام قصة حقيقية لسيدة دمشقية عملت في عروض الأزياء في باريس.
ترصد الكاتبة في روايتها هذه المرحلة التي سادت فيها موضة الـ mini jupe عالمياً وعربياً وتتبع تطور وضع المرأة وتحررها، من خلال تتبع الموضة في أروقة باريس، وانعكاس تلك الموضة على حال المرأة في الدول العربية آنذاك.
تقول إن “نازك تختزل كل نساء عصرها فبعد قرون طويلة من التجلبب الأعمى الذي لف عيوب النساء ومفاتنهن، أصبحت المرأة تدرس تضاريس جسمها فترتدي ما يخفي العيوب ويبرز المفاتن. ونازك نموذج صارخ ومتفجر للطراز المضاد من الأنوثة المتمردة.
ففي عام 1966 تزين رأسها بضفيرة شقراء، أحدث تقاليع الموسم، وتسلم شعرها لمقص حلاق النجمة الإيطالية “جينا لولو بريجيدا” وأشهر حلاق للسيدات في العالم في تلك الفترة فيدل ساسون. وفي الوقت نفسه تتابع بحماس أخبار تحرر المرأة في العالم العربي وتقرأ في الصحف بفرح أن الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين استعرض الكتيبة الأولى من ضابطات الاحتياط التي تخرّجت من بين طالبات الجامعة الجزائرية.
تنتقل نازك خانم بين شوارع دمشق وباريس، تنقل خطواتها كطاووس “ما أسعد الطواويس”، تهتف نازك خانم بذلك بينما حبيبها الثري الايراني المستقر في باريس مجيب شان، يستثني الطواويس في إيران، لأن الشاه كان يقدمها كطبق رئيسي في حفلاته الإمبراطورية.
في مايو 1968، كانت نازك في باريس ورأت الطلبة أمام مصنع “رينو” بعدما غادروا مبنى السوربون ووصلوا إلى المصانع التي يحتلها العمال، وأصبح شعار الجميع “ضرورة التغيير”. كانت تلك حركة الطلاب التي اكتسحت أوروبا، ونازك، خلال ذلك، تتابع عن كثب طريقة تعامل رئيس فرنسا آنذاك شارل ديغول الذي تكن له إعجاباً كبيرا مع أولئك الطلبة.
في نهاية ذلك الصيف سبحت نازك بالبكيني الأحمر على غالبية بلاجات الإسكندرية الممتدة من المعمورة إلى العجمي، والتي حملت أسماء ملكات: إيزيس ونفرتاري وسميراميس. وفي فندق وندسور بالإسكندرية شاركت بمسابقة الـ mini jupe والشورت وملكة الأناقة وملكة جمال العيون وصاحبة أجمل تسريحة وأجمل قوام وخرجت بجائزة “الشورت الساخن.
تعود نازك إلى دمشق وهي في نهاية الثلاثينيات من عمرها، وتبدأ بتجرع مرارة المقارنة بين الفرنسيين الذين حولوا اللباس إلى فن ونظروا إلى المرأة كأنها لوحة بينما هنالك أمم كثيرة ما زالت ترى المرأة عورة وحرمة. كانت مستاءة من موضة “الماكسي” وتحمست لآراء أصحاب دور الأزياء الذين كانوا يرددون “تغطية الركبتين مؤامرة، العالم سيعود عشرات السنين إلى الوراء.
تعيش نازك أجواء الشام وسوريا في فترة الانقلابات العسكرية التي تقول عنها “دمشق بالبراعة ذاتها التي تحمص فيها الكعك وتحضر طبق الفول وتحوك الدامسكو تفتعل الانقلابات. مدينة نفسها قصير مع الرؤساء تستبدلهم كما تفعل امرأة لعوب مع رجالها.
لم تكن نازك تكترث للسياسة لكنها تسأل بشكل عابر عن الاشتراكية فيجيبها أحدهم “أي أن نصوت دون أن ننتخب”. امرأة مثل نازك مولعة بالحرية كانت تشكك بشعارات “الاشتراكية” التي بدأت في ذلك الوقت تسود كموضة إيديولوجية في العالم العربي في سوريا تحديداً، “أصبحت الاشتراكية بوفرة الانفلونزا : تفتحين الباب تطلين من النافذة تذهبين إلى السوق كل شيء اشتراكية وباسمها تزداد قائمة المحظورات.
أخيرا تقترن نازك بزوج سوري شرقي الطباع ومتشدد دينياً ينتمي الى الاخوان المسلمين. وبسرعة وقسوة تتبدد سعادة نازك التي تجد نفسها محاصرة بمعتقدات مجتمعها الأصلي التي لم تتغير. الزوج الذي يغار من ماضيها الحافل يحاول أن يفرض عليها ارتداء الحجاب لكنها ترفض الرضوخ لقناعات زوجها، وتقرر أن تهرب منه عائدة إلى باريس المدينة التي حققت لها أحلامها يوماً. لكن رصاصة الزوج الغيور نسفت مخطط نازك واغتيلت على عتبة باب بيتها قبيل سفرها بساعتين فقط، “بعض البشر يموتون لأنهم ينبغي أن يعودوا إلى كوكبة النجوم التي جاؤوا منها.
تأتي الرواية كبرهان دامغ على واقع يلم بمدينة دمشق وسوريا كلها. وتلقي الضوء على الدين الذي يرتمي في أحضان السياسة بغية تأسيس نظام شمولي والسياسة التي تستعين بالدين لتستمد شرعية وجودها.
كلام الصور
الكاتبة السورية لينا هويان الحس