تمرّ المنطقة العربية والإسلامية في هذه الأيام بمنعطف دقيق في ظل الحديث عن قيام أميركا وحلفاؤها في العالم بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا بحجة استخدام السلاح الكيماوي، مع أن التحقيقات والمعطيات لم تحسم مسألة من يتحمل المسؤولية الكاملة عن استخدام هذا السلاح المحرّم دولياً.
وقد رحبت معظم قوى المعارضة السورية بالعملية العسكرية الأميركية ــ الغربية ــ العربية ضد الحكومة السورية ودعت هذه القوى الدول الغربية للعمل على إسقاط النظام السوري وعدم الاكتفاء بضربة محدودة.
وبغض النظر عن المواقف من الصراع القائم في سوريا ومن يتحمل مسؤولية وصول الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، فإن المسألة المهمة التي ينبغي التوقف عندها في هذه اللحظات فهي مسألة “الاستعانة بالأجنبي لحسم الصراع مع قوى داخلية عربية أو إسلامية”، وهذه المسألة تكررت في الواقع العربي والإسلامي في أوقات مختلفة منذ نشوء الدول والإمارات الإسلامية.
ولكن إذا عدنا للتاريخ الحديث فقد بدأت الاستعانة بالأجانب لحسم الصراعات الداخلية منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والحدث التاريخي الهام في واقعنا العربي والإسلامي تمثل باستعانة بعض القادة العرب ببريطانيا وفرنسا في بدايات القرن العشرين لمواجهة السلطنة العثمانية، بعد أن تلقى هؤلاء القادة وعداً بإقامة الدولة العربية الموحدة، لكن بعد أن نجح الفرنسيون والبريطانيون بالخلاص من الدولة العثمانية عمدوا إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات وكيانات واخلفوا وعدهم للعرب، بل إنهم أعطوا وعداً لليهود بإقامتهم دولتهم في فلسطين المحتلة، وهذا ما تحقق لاحقاً ولا زلنا إلى اليوم نشهد المآسي من وراء هذا الحدث.
وقد تكررت الاستعانة بالدول الأجنبية لحسم الصراعات الداخلية، كما حصل كمثال، عندما استعان حكام المملكة العربية السعودية بالقوى الفرنسية والأجنبية لمواجهة التحرك الذي قام به جهيمان العتيبي في الحرم المكي عام 1979، وقد عمد بعض العلماء السعوديين لإصدار الفتاوى التي تجيز إدخال الجنود الفرنسيين إلى الحرم الشريف.
ثم تكرر الأمر عندما حصل اجتياح صدام حسين للكويت حيث أقيم تحالف دولي ــ عربي لمواجهة الاجتياح، وكذلك عندما حصلت الحرب الأميركية ــ الدولية على صدام حسين بحجة استخدام الأسلحة الجرثومية والكيماوية وامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وقد لقيت الحرب ترحيباً من بعض القوى العراقية بسبب الظلم الكبير الذي ارتكبه صدام حسين ضد الشعب العراقي.
وفي السنتين الماضيتين رحب الليبيون بدور التحالف الدولي ــ العربي للخلاص من ظلم العقيد معمر القذافي.
وها نحن اليوم نعيش اللحظة نفسها حيث ترحب بعض القوى السورية والعربية والإسلامية المعارضة بالضربة الأميركية ضد سوريا، وحجة المرحبين بالضربة أن هذه العملية ستؤدي إلى انتهاء الأزمة السورية، لكن لا أحد يدري كيف ستتطور الأمور إذا ما حصلت الضربة.
وبالعودة إلى معظم الأحداث التاريخية التي أشرنا إليها والتي تضمنت الاستعانة بالأجنبي لحسم صراع داخلي، نجد أن نهاياتها لم تكن لصالح شعوب المنطقة ودولها، بل كانت دائماً تخدم الأجنبي أو الأعداء.
كذلك نلاحظ تكريس الاستعانة بالأجنبي أسقط العديد من القواعد الفقهية أو الضوابط الدينية والإسلامية والتي كان يكرِّسها الأئمة والعلماء الأوائل، ومنها القاعدة التي كرّسها الإمام علي(ع) عندما رفض الاستعانة بالروم لمواجهة معاوية، وكذلك موقف العلماء الكبار في النجف الأشرف والعراق الذين وقفوا إلى جانب السلطنة العثمانية في مواجهة الاحتلال الإنكليزي، وكذلك موقف علماء جبل عامل في وادي الحجير الذين وقفوا ضد الانتداب الفرنسي وأعلنوا التزامهم بالموقف العروبي والإسلامي الرافض لهذا الانتداب.
وهناك أمثلة عديدة بهذا الخصوص، ومن هنا لا بد من إعادة قراءة التاريخ مجدداً والاستفادة من دروس الماضي والعودة للأسس الشرعية والدينية الحقيقية، لنستخلص الموقف لما يجري.
والعلماء المسلمون والحركات الإسلامية هم أكثر الفئات المعنية بإعادة النظر بمواقفها والإعلان عن رفض الاستعانة بالأجنبي أو مواجهة الحروب الخارجية للخلاص الداخلي.
فهل هناك من يستفيد مما جرى تاريخياً ليعيد النظر بموافقة اليوم.
مقدمة “المقتطف الإسلامي” العدد 248 الصادر عن مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر