الكاتبة زاهية موسى
تأسس تلفزيون لبنان على ثلاث مراحل: كانت الأولى في نهاية الخمسينات وبداية الستينات (عبر شركتين خاصتين بالكامل)، والثانية عام 1978 كشركة مختلطة مساهمة، مناصفة بين القطاعين العام والخاص باسم “تلفزيون لبنان” (مرحلة الدمج )، والثالثة عام 1996 حيث استحوذت الدولة اسهم القطاع الخاص وبات تلفزيون لبنان مملوكاً من الدولة اللبنانية بالكامل.
في تشرين الاول عام 1954 تقدّم رجلا اعمال لبنانيان هما وسام عز الدين والكس مفرج ، بطلب لانشاء شركة بث تلفزيوني. وفي شهر آب 1956 تمّ توقيع اتفاق مع الحكومة اللبنانية من 21 مادة، اعطيت بموجبه “شركة التلفزيون اللبنانية” ترخيصاً للارسال التلفزيوني لمدة 15 عاماً.
في ربيع العام 1957 وضع رئيس الجمهورية كميل شمعون ورئيس الوزراء سامي الصلح، حجر الاساس لمبنى اول تلفزيون في الشرق الاوسط، على تلة رملية في بيروت تدعى “تلة الخياط”. وفي 28 ايار 1959 انطلق البث التلفزيوني من لبنان عبر محطة “شركة التلفزيون اللبنانية”، وتعارف عليها المشاهدون باسم “القنال 7”. في تلك الفترة لم تتعد فترة البث الست ساعات، من السادسة مساء حتى منتصف الليل. وقد اسهم نجاح هذه المحطة في تشجيع مجموعة من رجال الاعمال اللبنانيين على انشاء محطة تلفزيونية ثانية، حصلت على ترخيص في تموز 1961 باسم “تلفزيون لبنان والمشرق”، وبدأت الارسال في ايار 1962 من مقرها في الحازمية شرق العاصمة وعرفت باسم “القنالين 5 و 11”.
ساعد قيام محطة ثانية في خلق منافسة حادة بين المحطتين لتقديم برامج شغلت اللبنانيين، وكانت تقدم مباشرة على الهواء، ومنها “بيروت في الليل” و “ابو سليم” و “ابو ملحم” و “الزجل”، فضلاً عن المسلسلات الاجنبية والافلام المصرية والاميركية والمصارعة الحرة، اضافة الى الحوارات السياسية والفنية والاجتماعية ونشرتين للاخبار، واحدة على كل محطة. بموجب دفتر شروط فرضت الدولة اجراءات مشددة على المحطتين على الصعيدين السياسي والاجتماعي، واخضعتهما للقوانين والانظمة التي ترعى الصحافة اللبنانية والانظمة المحلية والدولية للاتصالات السلكية والمؤسسات الاذاعية، وذلك لعدم وجود قانون خاص يرعى الاعلام المرئي والمسموع.
اندلعت الحرب في لبنان في نيسان 1975، وفرضت خطوط التماس في بيروت انقساماً حاداً بين اللبنانيين بين شرقية وغربية، وكان من الطبيعي ان تتأثر الشركتان بالاوضاع السائدة، فاستولى فريقا النزاع على المحطتين في الحازمية وتلة الخياط، وباتت نشرتا الاخبار بين المحطتين قصفا اعلاميا متبادلا خلال حرب السنتين (1975 – 1976). انطلاقا من هذا الامر وفي محاولة لانقاذ الشركتين تدخلت الحكومة في العام 1977 وبعد توقف الحرب، وانشأت شركة مختلطة باسم “تلفزيون لبنان”، وتم استيعاب الشركتين بحصة مقدارها خمسين بالمئة من الاسهم للقطاع الخاص، فيما استكملت الدولة نسبة الخمسين الاخرى. وحصل تلفزيون لبنان على ترخيص لمدة 25 عاماً، ومنح احتكار البث التلفزيوني في لبنان حتى العام 2012، وبات له مجلس ادارة موحّد من اثنين عشر عضواً يعين مجلس الوزراء ستة منهم، ويكون الرئيس المدير العام من بينهم. وبات التلفزيون يبث على اربعة اقنية، هي: 5 و11 و7 و9، حيث خصصت القناة 9 للغة الفرنسية.
بين العامين 1988 و 1996 جرى تداول اسهم القطاع الخاص بين اكثر من مستثمر، كان آخرهم الرئيس رفيق الحريري، الذي اشترى حصة القطاع الخاص بالكامل، وبعد صدور قانون الاعلام المرئي والمسموع الرقم 382/94، واثر الترخيص لعدد من المحطات الخاصة، فقد تلفزيون لبنان الحق الحصري الممنوح له بالبث لغاية العام 2012، واشترت الدولة حصة القطاع الخاص وباتت منذ العام 1996 تملك اسهم تلفزيون لبنان بالكامل.
منذ ذلك الحين، باتت المنافسة شديدة على تلفزيون لبنان من المحطات الاخرى واثر ذلك شحـّت مداخيله الاعلانية الى الحدود الدنيا، فتعرض للكثير من المعاناة، الى ان تمّ اقفاله في آخر شباط من العام 2001، وصرف جميع مستخدميه الذين فاقوا الخمسمئة والخمسين مستخدما” بقرار من مجلس الوزراء، على ان يعاد تنظيمه من جديد خلال ثلاثة اشهر. لكن فترة الثلاثة اشهر لم تكن كافية لاعادة تنظيم تلفزيون لبنان كما يجب وكما تقضي اصول المهنة التلفزيونية، فاعيد فتحه على عجل في 25 ايار 2001، وصرفت له موازنة ضئيلة جدا” من قبل الدولة. ومنذ ذلك الحين يحاول تلفزيون لبنان النهوض من جديد في ظل ظروف صعبة. منذ العام 1978 تعاقب على منصب رئيس مجلس الادارة المدير العام لتلفزيون لبنان ثمان شخصيات هم: شارل رزق، موسى كنعان، ريمون جبارة، جورج سكاف، فؤاد نعيم، جان كلود بولس، ابراهيم الخوري وطلال المقدسي.
إنجازات
في نظرة تقيمية عادلة لهذه المؤسسة العريقة لا يمكن القفز فوق إنجازات كبيرة حققها رغم مرورها بإزمات متعددة على صعيدها، وعلى صعيد الوطن، إلا أن ثمة إنجازات يجب أن تذكر:
1- هي المؤسسة التي أسست للإعلام المرئي في لبنان، محققة سبقا” عربيا” وإقليميا”.
2- رعيل كبير من الفنانين اللبنانيين في كافة قطاعات الإبداع أطل على الجمهور اللبناني ومن ثم العربي من خلال شاشتها.
3- التأسيس لبعض ما يحدث الآن (بعد مرور50 عاماً) على الكثير من شاشات المحطات الكبرى, (برامج إكتشاف الهواة على سبيل المثال) فأول ما عرض على شاشة تلفزيون لبنان في برنامج تحت عنوان “الفن هوايتي” كان المشرف عليه المرحوم رشاد البيبي.
4- كثير من وجوه المسرح الذين أسسوا الحركة المسرحية اللبنانية الحديث كانت بداياتهم من على شاشة تلفزيون لبنان.
5- حتى البرامج ال “توك شو”، التي تغطي الآن معظم الشاشات العربية بدأت من على شاشة تلفزيون لبنان، على سبيل المثال برنامج “سهرة مع الماضي”، الذي كانت تقدمه الإعلامية المصرية هند رستم .
6- تراكم أرشيف قد لا يوازي قيمة أي أرشيف تلفزيوني آخر حتى عربيا”. هذا بعض من الإنجازات التي تحققت والتي قصمت الحرب الأهلية اللبنانية ظهرها وأوقفتتطورها وأفسحت المجال للقطاع الخاص ببناء مؤسسات باتت هي في طليعة الإعلام المرئي.
واقعه الحالي
دفعت الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في واقع تلفزيون لبنان لإخراجه من حالة الجمود التي يراوح فيها وإتخذت قرارات رسمية تقضي بأعادة إحياء هذه المؤسسة العريقة لتحتل مكانها كموقع إعلامي رسمي محايد. وحول هذا الأمر قال المهندس طلال المقدسي ما خلاصته: “عندما تسلّمت التلفزيون دمعت عيناي لهول ما شاهدته. ترهّل تام، موظفون خائفون على مستقبلهم، شاشة بدائية تعتمد وحدها نظام “الأنالوغ” فيما بقية الشاشات تقوم على “الديجيتال”، الأرشيف مكدس في غرف مظلمة يأكلها الغبار والرطوبة. لا كومبيوترات تليق بقناة، لا هيكلية إدارية، لا شبكة معلوماتية، لا متخصص غرافيك، ومثقفون يحملون الدكتوراه يعملون سائقين، وآخرون غير مؤهلين يتسلّمون مواقع قيادية”.
أوضح أنه تم تأهيل ستة مكاتب يملكها التلفزيون في مبنى في سنّ الفيل، ونقل إليها الارشيف من محطة الحازمية بعد نسخه وفق نظام “ال. تي. أو.”، في انتظار نقل القسم الآخر من مبنى تلة الخياط. وسيتم حفظ هذا الكنز الوطني في البنك المركزي.
وعن سبب غياب الدراما عن الشبكة البرامجية الجديدة، قال المقدسي: “الموضوع قيد البحث، ويتطلب استثمارات كبيرة. وسنقوم بتأهيل الستديوهات في الحازمية للبدء بتصوير الدراما، بعيد تسلّمنا سلفة الخزينة التي أقرّت لنا قبل أشهر”.
وحول تحديث التجهيز اللازم لرفع مستوى المؤسسة، قال: خلال فترة زمنية قصيرة أصبح تلفزيون لبنان “ديجيتال” (فايبر أوبتيك)، وهو التلفزيون الوحيد في لبنان الذي يمتلك هذه التقنية الحدثية، أي أنه لا يتأثر بالعواصف أو الأمطار”. وأضاف: “لقد إستعدنا كل أبراج الإرسال، والبث أصبح يغطي جميع الأراضي اللبنانية، ووصل إلى فرنسا، وقريباً إلى كل دول العالم”.
وختم: “ما يمكن قوله في النهاية هو أن تلفزيون لبنان الآن في مرحلة مخاض تحضيراً لولادة جديدة تعيد إليه بريقه المفقود، وتتوازى مع تاريخه العريق، الذي هو علامة حضارية من مقومات هذا الوطن”.
كلام الصور
1- مبنى تلفزيون لبنان كما كان
2- رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان طلال المقدسي
3- تلفزيون لبنان كما هو اليوم في تلة الخياط
4- أرشيف الافلام النادرة
*****
بالاشتراك مع aleph-lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com