بعدما احتلّ فن التصميم مكانة ذات قيمة في عالم الفن المعاصر، يقدم معرض “بيروت آرت فير”، وللسنة الثانية على التوالي، منصّة تصميم البنك اللبناني للتجارة وهي مخصّصة للمصممين اللبنانيين الشباب، وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز مستقبل الإبداع اللبناني.
ويعود الفضل إلى البنك اللبناني للتجارة الذي يبذل جهوداً منذ سنوات عدّة لتحقيق هذا الهدف، ضمن مسيرة التطور الفني والثقافي في لبنان.
وكان كلّ منم اريا هاليوس و ديما قطب ونايف فرانسيس و”ناستازيا نيستين قد فازوا في المعرض الأول في العام 2013 الذي ضمّ عشرات المصممين.
وفي هذا العام، اختير الفائزون الثلاثة في منصة التصميم الخاصة بالبنك اللبناني للتجارة من المجموعة التالية: خالد الميس، وكارلو مسعود، وسيريل نجّار، وجوزيف كفوري، وساندرا معكرون، وسيبيل تامر أبي اللمع، ووسام نوشي، وزينة بارودي، وزياد أبي اللمع، وكلوديا شاهين، وهنري دكاك.
وفي شهر أيلول المقبل، سيعرضون نماذجهم الأولية إلى جانب المعارض المشهورة في عالم التصميم القائمة في معرض “بيروت آرت فير”.
وأوضح موريس صحناوي، الرئيس التنفيذي للبنك اللبناني للتجارة “أهمية التصميم اللبناني و تكمن قوته، اليوم، في امتياز فنّانيه. ونحن نرى في تمويل هذه المنصة طريقة لمساندة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة”. وأشار الى أن “فناناً محترفاً سيقوم، بعد المعرض، بإنجاز أعمال الفائزين “.
“المصمم يجيد التصرف بالأشياء“
الصحافي والكاتب فيليب تريتياك (Philippe Trétiack)، الذي يعمل مراسلاً صحافياً وله أهميته في مجلة “Elle” الفرنسية ومسؤول عن الزاوية المخصصة لأخبار هندسة العمارة في مجلة “Beaux-Arts” الفرنسية، دعي لزيارة هذا المسار ولمشاركة “عواطفه”.
ويشرح “تريتياك”: “على حدّ قول المهندس المعماري اللبناني يوسف طعمة الذي أجاد التعبير، يعود اليوم إلى الفنانين وبشكل خاص إلى البنّائين والمصممين أداء دور علماء الاجتماع”.
ففي بلد ممزوج بالطوائف المتنافرة، يصبح التاريخ عبئاً ثقيل الوطأة. ومن يريد إخباره يجازف بإشعال الصراع فيه، لأن الذكريات تتعارض وتتنافر. يعود الأمر إذاً إلى الفنانين ليجدوا وسيطاً يتيح للجميع، على حدّ سواء، التعرف على بعضهم البعض، والتفكير مليّاً.
ويحمل العمل الإبداعي، في طيّاته، عنصراً سياسياً، فعليه ألا يقتصر على التفكير بالمستقبل وحسب، بل على تخيل الماضي أيضاً، وجعله مقبولاً ومرغوباً من الجميع.
ولا يفلت المصممون الذين باتت أعمالهم تثير الاهتمام في أنحاء العالم كافة من “مُعطى ديموقليس الصقلي” هذا. فعبارات مثل لوي الحديد وصهر المعادن والدقّ والسبك والنشر والصبّ والسحق والعقد تصف أيضاً بلداً، تضخّ فيه دماً جديداً وتخلق له مصيراً.
ولهذا السبب، كل غرض من صنيعة فنان لبناني له قيمته من حيث الشكل ومن حيث الرسائل اللافتة سواء كان في العلن أو في الخفاء. وإن حصر عمل ما بالسياسة ليس سوى هرطقة، وإنكار أبعاده هرطقة أخرى.
وقد يظهر غداً رسمٌ لطاولة على شكل سيف أو يد ممدودة من دون أن يكون مفرطاً. كم من نقاش وجدال دار حولها؟ فالمصمم لا يصنع الأشياء، بل يجيد التصرّف بها”.
تسليط الضوء على ثلاثة مصممين، و”عاطفة” فيليب تريتياك
خالد الميس: “يتراقص أثاثه المتميّز ببعض من أسلوب “ريني ماكنتوش” وبعض الزهد على العضوية ولعبة الألوان، المحاط، بكليّته، بهالة من المازوشية الخفية. أهو تصميم متطور؟”
تتمحور أعمال “خالد الميس” حول بحث يتمحور حول التعددية والتكرار. إنها مسيرة ترتكز على تغيّرات الأشياء. يغوص في أساسات المعطيات البصرية للتوصل إلى نتيجة تميل نحو التوازن ونقاوة الشكل.
وفي 2013، أطلق خالد الميس مجموعته الأولى تحت عنوان “جذامير”. يعني هذا المصطلح في علم النبات الساق التي تنمو تحت الأرض لدى بعض النباتات، الأمر الذي يكوّن جذوراً جديدة أو سيقاناً متشعبة. وهو يستدعي إيقاعات الطبيعة وتحوّل التركيبات.
وتحظى كلمة جذمور أيضاً بمعنى فلسفي وهي مرادف للتكاثر، التعددية… والزواج؛ إنه المبدأ الذي يدفع خالد الميس لاستخدام لوحة ألوان وأشكال واسعة للغاية تتحالف في ما بينها لتشكل روابط استثانئية.
كارلو مسعود: “جمال الملمس الرقيق وارتياب النقد الاجتماعي بشأن وضع المرأة في الشرق الأوسط وغيره. أهي دمى على شكل قذائف أم أثداء على شكل قذائف أم إنها رؤوس حربية؟ إنه لغز يتطلّب منا المداعبة”.
أصبح كارلو مسعود اللبناني مهندساً داخلياً وصانع أشياء. تابع تدريباً خاصاً بالمصممين في أكاديمية ALBA (الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة)، ثم حاز شهادة الماجستير في المجال المعني بمفهوم الأشياء العائدة للصناعات الفاخرة في المدرسة المحلية للفنون في لوزان.
أتاحت له هذه المدرسة مجاراة مشاهير فن التصميم العالمي، أمثال رونان بوروليك، وباربيروسجيربي، ومارتي غيكسي، وبيار شاربان، وأومبيرتو، وفرناندو كومبانا الذين أسهموا في تعليمه من خلال إرشاداتهم.
يغرس إلهامه في تحليل نقدي للمجتمع، ويفسح مجالاً كبيراً للبهجة بغية ابتكار أشياء عملية وممتعة. ينفّذ خطوط أشياء مخصصة لفن الطاولة مصمماً مدرّجات للعرض وكذلك أساليب جديدة للتعبئة والتغليف أو للأثاث.
“مايا وزينة ورشا ويارا” هن عبارة عن 4 دمى خشبية سوداء. يعيد المصمم نقل تقليد الملابس النسائية في الشرق الأوسط، مانحاً المجسّم وظيفة جديدة؛ فكل دمية فارغة القالب ليتمكن المالك من تخبئة كنوزه فيها.
وإجلالاً لجمال نساء الشرق الأوسط المخفي، تثير هذه الدمى، بنسختها المحدودة، التساؤل حول حالة المجسّم في هذه المنطقة.
ساندرا معكرون: بين الخفّة وعبء الذنْب، يصبح القفص شبيهاً بسجن ووعد. تصميم يمزج بين السكينة والاضطراب؛ دقيق ومتقلب وشاعري. حصدت ساندرا معكرون جوائز عديدة كمصممة متعددة الاختصاصات وعُرض الكثير من أعمالها في أحداث هامّة مخصّصة لفن التصميم.
حازت في 2008 جائزة مسابقة “روبرت بروس طومسون” في الولايات المتحدة الأميركية. تابعت ساندرا معكرون دورة تدريبية في بيروت وفي نيويورك، في إطار مدرسة “بارسونز” الرائعة. كما أنها تابعت دورات تدريبية في المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس لسبر غور مجال التصميم الصناعي، ما جعلها تهتم أكثر بعالم الأثاث على وجه الخصوص.
وفي 2010، لدى عودتها إلى بيروت، تابعت مسيرتها على هذه الدرب وأنشأت مؤسسة أتاحت لها تطوير مسيرتها الإبداعية.
وتتابع ساندرا معكرون مهنتها في الهندسة الداخلية وتشارك في إنجاز مشاريع سكنية وتصاميم المطاعم وتعطي دروساً أيضاً في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة في قسم الهندسة الداخلية ومفهوم الإنارة.
سلسلة أقفاص العصافير، جاءت الفكرة التي أنتجت هذه المجموعة وليدة صورة لعصفور مولع بالحرية، محتجز في قفص، مجسدةً الإيدولوجيات والأفكار المكتسبة التي تقيّدنا.
إن هذا العمل هو عبارة عن تجسيد مجازي للفرد في وجه أنظمة الانغلاق الخاصة به وحدوده الداخلية وحواجزه التي تحدّ حريّته وخياله.
يتألف كل مصباح من إطار معدني ومن أقفاص استبدلت أوراق الصفصاف التقليدية المتداخلة في ما بينها بأوراق معدنية مقطوعة بواسطة الليزر. وتدخل هذه الأقفاص في تراث الأعمال الحرفية التقليدية. إنها متحركة ويمكنها تغيير وضعيتها بحسب المزاج مكوّنة بذلك تأثيرات ضوئية وظلالية عديدة.
نبذة عن معرض “بيروت آرت فير” 2014
معرض للفن الحديث والمعاصر مخصص لفناني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرقها. ينظم معرض “بيروت آرت فير” الدورة الخامسة في مركز بيروت الدولي للمعارض والترفيه “بيال” من 18 إلى 21 أيلول 2014، بتشجيع من “لور دوتفيل” و”باسكال أوديل”.
وفي هذه السنة، يقدّم معرض “بيروت آرت فير” 46 معرضاً من 14 بلداً مختلفاً. سواء كان المشاركون فنانين مشهورين أو لا يزال يتعيّن اكتشافهم أو قيماً صاعدة أو نجوماً في سوق الفن، فإن الأعمال المعروضة كلها في معرض “بيروت آرت فير” تشهد على فوران الإبداع المعاصر في المنطقة. ويجسد تعدد الاتجاهات المعروضة الغليان الفني الذي يحرك عالم الفن المعاصر والمستقبلي في جميع أنحاء العالم.
يتضمن معرض “بيروت آرت فير” برنامجاً ثقافياً متنوعاً مشدداً على رؤيته الواسعة للفن الدولي الحديث والمعاصر وغاياته الحالية.
وفي شهر أيلول 2014، ينصّب معرض “بيروت آرت فير” مدينة بيروت كعاصمة ثقافية وفكرية للعالم العربي ومركزاً للفن المعاصر يجمع بين الشرق والغرب.