الأديب مازن ح عبود
لم تعد “داعس” أي “داعش” كما يسميها أهل “كفرنسيان” وكل توابعها قصة عابرة، بل كانت كابوساً مقلقاً. صارت فزعاً من الآتي يسمم يوم وغد معشر أناس “كفرنسيان” وكل الناحية.
كانت سيلا يعري الأرض من تربتها فيحرم البشر أغطيتهم، فيرحلون أو يرحلون قسراً. فتتصحر بلادهم. كانت “داعس” الجاهلية ورمالها. كانت موتاً يداهم الناس في أزمنة الاحتباس الحراري.
جلست “فهيمة” تتحدث مع جارتها “لبيبة” في الموضوع. فسألت الأولى الثانية إذا ما كانت قد سمعت بـ”داعس”. فردت عليها الثانية بنعم. لكنها أبلغتها أنها لا تعرف من دعس من ولِمَ كل هذه الضجة والقلق في “كفرنسيان”. فأجابتها: “”زكور” دعس النمل”. ثمّ صارت تتمتم: “نسوة جاهلات!! من دعس من، قال!!! الله يساعد”.
وصرخت بها: “لقد صاروا في “كفرنسيان”، وهم على أهبة “دعسنا”. وأنت لا تهتمين إلا بالكبة والكوسا والمحاشي. أما بلغك أنّ المختار “جرجور” استدعى أفضل الرجال وطلب اليهم حراسة القرية من رسل “داعش”؟؟ الذين يختبئون في كل مكان. أما بلغك أنهم يستمتعون باغتصاب النساء. بعد أن يشربوا دماء رجالهم ويلعبوا كرة القدم في رؤوسهم. وهم لا يوفرون الطاعنات السن من اعتداءآتهم. فهم يعتقدون أنّ “المرقة” اللذيذة في الدجاجة العتيقة أيضاً”.
خافت “لبيبة” كثيراً. وصارت تثقب القشرة بدل نقر “الكوسا” حتى طالت يدها. فراحت، تصرخ: “يا رب إرحم. أين انت يا خوري “طنسى” وأين طلباتك الكبرى والصغرى؟؟ وأين مزاميرك؟؟”. ما عادت تقوى على متابعة أعمال “نقر الكوسا”. حملت شمسيتها ومضت سعياً وراء الخوري.
سألته في الموضوع. فأجابها أنه الزمن الأخير. فأبلغها:”أنّ الداعشيين يصومون ويقتلون. يدمنون على سائل الحضارة لنشر ثقافات جاهلية. يصلون وينكحون طوال الوقت. الإمساك والصلاة تسبقان العنف عندهم. يتعبدون لإله عنف وقتل وإبادة وجنس. وديار إلههم مساحة جماع وأكل للرجال الذين يفتعلون بالحوريات”.
إلا أني علمت أن السلطة المحلية تسهر على الأمن. وقد أرسل اليهم رئيسنا المفدى فرقة، على رأسها الباتايون “قرقور” المخضرم الذي نال أوسمة الانتداب والدولة الفتية، وعرف بحنكته وشجاعته. كما رافقه في مهمته كل من الرفيق “جاكوب” اللينيني الهوى، والدراج “حنا” المتخصص باستكشاف قصص وحقيقية الجماعات الإرهابية. وأنا طلبت إلى القندلفت “نقولا” مواكبة الفرقة في كل تحركاتها كي أبني على الشيء مقتضاه القانوني.
إلا أنّ العدو خفيّ ولا مقام له. فتشوا عنه في كل مكان، حتى في المدافن. ما وجدوا إلا فتياناً افترشت أزقة الجهل والعوز في مدائن الفقر التي تحيط بـ”كفرنسيان”.
فتيان يحملون هواتف ذكية وافكاراً مظلمة. ثيابهم رثة، وهم يحلمون بالرفاهية. أدمنوا على وسائل العولمة. قيل لنا إنهم يفتشون في كتب أسلافهم عن أفكار نافرة تشعرهم أنهم موجودون في عصر الأرقام والاستهلاك. نمي إلينا أنهم يحلمون بأحضان نسوة تشبع حاجاتهم. أرتهم العولمة ما ليس بمقدورهم تحقيقه مما هو متوفر لغيرهم، فنقموا. هم في كل مكان. يخرجون بالمئات كل يوم من أرحام النساء. لهم أب واحد على رغم تعدد الأرحام. وأبوهم الجهل والفقر والعوز.
لم تستطع الفرقة أن تحضر إلى الشيخ النجيب إلا هذه الأخبار. لماذا يحضرون إلينا ومشاريع قنابل بشرية جاهزة في كل لحظة للاستغلال والانفجار من قبل أصحاب المصالح؟؟ إنّ العدو عوز. إنّ العدو فكر ظلامي. إنّ العدو عولمة نابية. الإرهاب، نفط وثروات وطمع وسوء توزيع ثروات وظلم وغبن، يلهو به أصحاب مصالح اقتصادية وهم الشياطين.
تقول الكتب القديمة إنّ تحت كفرنسيان نفط. تقول إنّ تحت كفرنسيان لعنات. آه لو كانت “كفرنسيان” أبعد!! آه لو لم تتضمن الكتب القديمة قصصاً حول الثروات واللعنات، لكنّا ارتحنا!!”.
صدمت المرأة من هول الكلام. أما الخوري فتمتم بضع كلمات قبل أن يقول: ” لنا رب قادر أن يدبرنا. لنا رب يقينا لعنات “داعس”. إنّ ثمة حكمة في كل شيء. كانت “داعش” في القديم مرضاً يضرب دجاج أهلنا. وكان اسمها “آعش”. صارت “آعش” “داعش”، وصارت تضرب حضارتنا حتى الزوال. كل ذلك حصل جراء خطايانا الكثيرة. صلوا يا امرأة. واتكلوا على ربكم كما قديماً كي يحفظكم”.
عادت “لبيبة” إلى بيتها، وأضاءت شمعة قرب أيقونة عند طاقة في حائط الدار. طلبت إلى زوجها أن يرصد الأبواب، ويستعد لمواجهتهم. فخير للإنسان أن يموت في أرضه وبيته من أن يموت مشرداً في ارض غريبة. سلمت أمرها إلى ربها. ونامت.
رائع يا صديقي العزيز أفتخربكم. وصف وعبرة وترجمة ورسالة وكغزى ومعنى. والاجمل في كلّ ذلك الرجاء ومخافة الله. نعم ، قرأة هذه المقالة هي قرأة إنجيلية في مفردات تعبيرية صادقة وشفافة. أحسنت.